Ru En

مصر بعيون الحجاج والرحّالة الروس في القرنين الـ 16 والـ 18

١٨ سبتمبر ٢٠١٩

لطالما كانت مصر محط الاهتمام في روسيا، في صفوف العامة والباحثين على حد سواء، لما لها من أهمية كأرض شهدت وقوع الكثير من الأحداث الوارد ذكرها في  الكتاب المقدّس.

 

وتحظى مصر بمكانة مميزة في وجدان أتباع الأديان الابراهيمية الثلاثة. ففيها عاش اليهود لأكثر من 400 عام في عبودية، ومع ذلك يأمر الرب اليهود في سفر (التثنية) بأن.. "لاَ تَكْرَهْ أَدُومِيًّا لأَنَّهُ أَخُوكَ. لاَ تَكْرَهْ مِصْرِيًّا لأَنَّكَ كُنْتَ نَزِيلًا فِي أَرْضِهِ". كما أن النبي موسى تلقّى ألواح الوصايا العشر في سيناء، بعد الخروج من مصر، وسُمي جبل فيها باسمه.

 

مصر بعيون الحجاج والرحّالة الروس في القرنين الـ 16 والـ 18

نسخة مخطوطة من الأحاديث البخارية ، العصر المملوكي ، القرن الثالث عشر ، مصر. مجموعة أديلنور ، السويد / CC BY-SA 4.0

 

ومسيحياً فقد كانت مصر ملاذ السيد المسيح والعائلة المقدّسة من بطش الملك هيرودوس، فضلاً عن أنه على أرضها الكثير من المعالم المسيحية المهمة، ككنيسة القديسة كاترين في سيناء.

 

أما إسلامياً فإن مصر قد ذُكرت في القرآن، علاوة على أحاديث صحيحة، تمت الإشارة بها إلى فضائل مصر والوصاية بأهلها خيراً.

 

لذا كان الكثير من الحجاج، المسيحيين، الذين يقصدون الأرض المقدسّة يشدّون الرحال إلى مصر لزيارة سيناء. ولكن إذا اقتصر  الأمر على زيارة سيناء، لما لها من مكانة في نفوس المؤمنين إذ أنها الموضع الذي تلقّى فيه النبي موسى ألواح الوصايا العشر، فإن الرحالة الروس أبدوا اهتماماً كبيراً بكل الأراضي المصرية، حتى بلاد النوبة.

 

اعتمد الدراسون الروس للتاريخ المصري القديم في بادئ الأمر على المسلّات، التي تُعد واحدة من أبرز رموز الحضارة والفن الفرعوني، للتعرف على ثقافة وحضارة المصريين القدماء. وظل الحال على ما هو عليه حتى نهاية القرن الـ 19، حين ظهرت مجموعة من علماء المصريات، مثل فلاديمير غولينيشيف (1947-1856) وبوريس تورايف (1920-1868).

 

مصر بعيون الحجاج والرحّالة الروس في القرنين الـ 16 والـ 18

فلاديمير غولينيشيف / Public Domain

 

قبل القرن الـ 17 زار عدد من الحجاج والرحالة الروس مصر وقاموا بتدوين انطباعاتهم التي اقتصرت على المعالم المسيحية فيها، فلم يولي هؤلاء اهتماماً يُذكر بآثار البلاد القديمة بما في ذلك المسلّات أو حتى الأهرامات، كالراهب فارسونوفي (1576-1495) الذي  يعتبر أول روسي يزور مصر ويوثّق تفاصيل زيارته، إذ أمضى فيها 6 أسابيع في عام 1461، علماً أن اهتمامه لم يتجاوز المعالم المسيحية، ليستمر الأمر كذلك حتى القرن الـ 17 حين بدأ الحجاج والبحّاثة يهتمون أكثر بالإرث المصري التاريخي العريق.

 

وتذكر المخطوطات الروسية أن الراهب، السياسي والكاتب الروسي أرسيني سوخانوف (1668-1600) زار الإسكندرية عام 1649 وتحدث عن مسلّة الفرعون تحتمس الثالث، التي كانت قد نُقلت إلى القسطنطينية بناء على أمر الامبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول، علماً أن هذه المسلّة الآن باتت معلماً من معالم مدينة اسطنبول التركية حيث تُزيّن ساحة السلطان أحمد.

 

الملفت أنه وحتى منتصف القرن الـ 17 تقريباً لم يأتي أي من الحجاج أو الرحالة الروس على ذكر أهرامات مصر، إلى أن أشار إلى هذه الحقيقة دون إسهاب، التاجر، الرحالة الروسي فاسيلي غاغارا في شهر ديسمبر من عام 1635.

 

شهد مطلع القرن الـ 18 ازدياداً ملحوظاً في اهتمام الرحّالة الروس، كـ فاسيلي غريغوروفيتش-بارسكي (1747-1701) الذي قرر في عام 1723 مغادرة كييف في رحلة استكشاف للعالم ولم يكن يهدف إلى زيارة مصر من منطلقات دينية.

 

مصر بعيون الحجاج والرحّالة الروس في القرنين الـ 16 والـ 18

القاهرة. رسم من مخطوطة  1727-1728 - فاسيلي غريغوروفيتش-بارسكي / Public Domain

 

كان بارسكي يتنقل دون مال ويقتات على ما يحصل عليه كمتسوّل. زار الرحّالة عدداً من مدن أوروبا والمشرق العربي، ووصل إلى مصر حيث مكث فيها في الفترة ما بين 1727 و1730، وحرص على توثيق انطباعاته بتدوينها، ما مهّد لاحقاً لإصدار كتاب بعنوان "رحلات فاسيلي غريغوريفيتش-بارسكي"، الذي نال إعجاباً كبيراً لتعاد طباعته 6 مرات.

 

وزار المؤرخ الكنسي أندريه مورافْيوف مصر بين عاميّ 1829 و1830 بصفته حاج، كما زار، مورافْيويف، الكاتب الذي ينتمي إلى طبقة النبلاء الروس، أماكن مقدسّة عدة في الشرق، ليصدر كاتباً في عام 1832 بعنوان "رحلة إلى الأراضي المقدسة في 1830".

 

مصر بعيون الحجاج والرحّالة الروس في القرنين الـ 16 والـ 18

هزم نابليون قوات المماليك في معركة الأهرامات ، 21 يوليو 1798 ، التي رسمها ليجون / Public Domain

 

ينتمي الأديب، المستشرق الروسي أفرآم نوروف (1869-1795) إلى طراز نادر من الرحّالة، لا لقدرته على دراسة المواقع المتميزة المجهولة والمثيرة للاهتمام فحسب، بل لموهبته الأدبية النادرة في وصف هذه المواقع. يُشار إلى أن آفرآم نورف سليل أسرة نبيلة، شارك وهو في الـ 17 من عمره بحرب "بورودينو" التي انتصرت فيها روسيا على فرنسا بقيادة نابليون في عام 1812، وتولّى حقيبة التعليم في الامبراطورية الروسية (1858-1854) ليكون الوزير الثامن الذي يشغل هذا المنصب.

 

مصر بعيون الحجاج والرحّالة الروس في القرنين الـ 16 والـ 18

رتيشتشيفو. ختم افتراضي مخصص للذكرى 210 لميلاد أفرآم نوروف ، 2005 / CC BY 3.0

 

وقد أُحيل العضو في أكاديمية العلوم أفرآم نوروف على التقاعد من القوات المسلحة في عام 1823 على خلفية إصابته في الحرب، ومن ثم تم تكليفه برحلة عمل طويلة من وزارة الداخلية، التي انتقل إلى العمل فيها ما بين 1834 و1835، لزيارة مصر والأراضي المقدسّة. مكنّته هذه الرحلة من جمع مادة زاخرة بالمعلومات وضعها في عملين كبيرين بعنوان.. "رحلة إلى الأرض المقدسّة" و"رحلة إلى مصر والنوبة في 1834 و1835"، وصفهما عالم المصريّات الروسي أوليغ بيرليوف (2000-1933) بأنهما "أفضل ما كتبه الرحّالة الروس عن مصر، لما فيهما من فائدة عظيمة للمتخصصين في هذا المجال".

 

الصورة: كل أهرامات الجيزة / CC BY-SA 2.0 , Ricardo Liberato