Ru En

أمير الشعراء العرب.. الشركسي أحمد شوقي

١٦ ديسمبر ٢٠١٩

يعيش في العالم العربي، من المحيط إلى الخليج، ممثلو شعوب أعراق مختلفة، جاؤوا مهاجرين إلى الأرض العربية حيث استبقلهم السان الأصليون، فاندمجوا معهم في بوتقة واحدة ليشكلوا سوية نسيجاً قومياً استثنائياً. ومن هذه الشعوب التي كان لها إسهاماً كبيراً في شتى مجالات الحياة العربية، العلمية والثقافية والفنية والسياسية والعسكرية، شعوب مسلمة جاءت من روسيا، من شمال القوقاز تحديداً كالأديغيين، الذين يُطلق عليهم مُسمّى (شركس)، والشيشان ومن شعوب داغستان، لمعت منهم شخصيات تركت بصمة واضحة في التاريخ العربي.. لا سيّما في مصر وسوريا والأردن.

أمير الشعراء العرب.. الشركسي أحمد شوقي

قد لا يعرف كثيرون أن الأديب والشاعر المصري الملقب بـ "أمير الشعراء" أحمد شوقي ينحدر من أصول شركسية لجهة والده، وتركية-يونانية لجهة والدته التي كانت والدتها تعمل في قصر الخديوي اسماعيل.


وُلد أحمد شوقي في 17 أكتوبر 1868 في حي الحنفي بالقاهرة. وبحكم عمل جدته الذي مكنها من تحقيق مستوى معيشة جيد، تكفلّت الجدة بتعليم حفيدها، فكان الطفل أحمد يتواجد في القصر الكبير. حينما بلغ الرابعة من عمره التحق بالكتاب وتعلم القراءة والكتابة كما حفظ آيات من سور القرآن الكريم.

ظهرت علامات النبوغ على أحمد شوقي منذ طفولته، ما منحه امتياز إعفائه من النفقات المدرسية. انكب شوقي على دراسة وحفظ قصائد فطاحل شعراء العرب وتمكن وهو في الـ 15 من عمره فقط أن ينتسب إلى مدرسة الحقوق، ثم التحق بكلية الترجمة ليسافر إلى فرنسا على نفقة الدولة المصرية لاتمام تعليمه الحقوقي، فضلاً عن
ممارسة هوايته بالاطلاع فألمّ بالأدب الفرنسي.

عاد شوقي إلى مصر وبدأ يكتب قصصه وأشعاره فذاع صيته. ولكن شهرته لم تقتصر على المجال الأدبي، إذ استغل موهبته في الشعر لكتابة أبيات يستنكر بها الاحتلال البريطاني لبلاده، فتم استبعاده منفياَ إلى إسبانيا في عام 1914، وهو بأوج شهرته في مصر.

انتهز أحمد شوقي فرصة تواجده في بلاد الأندلس، التي طالت لـ 4 يعرف عن قرب على حضارة المسلمين فيها، فنظم قصائد الشعر التي مدح فيها إنجازات المسلمين في إسبانيا، كما امتازت فترة المنفى بتأليفه نونيّة أندلسية (قصيدة يكون حرف الـ نون هو حرف القافية فيها) يرد بها على نونيّة أضحى التنائي الشهيرة لـ ابن زيدون.

يعد أحمد شوقي أحد أكثر الشعراء تعصباً للغة العربية. فعلاوة على أنه كان يكتب بلغة عربية سليمة كان شوقي
يتعمد اختيار مفردات قديمة وألفاظ لم تعد واسعة الانتشار في قاموس عصره.

لم يكن لقب "أمير الشعراء" الذي اشتهر به أحمد شوقي مجرد لقب أطلقه صحفي معجب بموهبته أو ناقد فني متحمس لإسهامه كمجدد للشعر العربي الحديث، بل جاء كتتويج لقدراته وابداعاته في طقس شبه رسمي سُمي بالمبايعة، حيث تم ذلك وأطلق عليه هذا اللقب عام 1927 في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة إعادة طباعة ديوانه "شوقيات"، وهو مكوّن من 4 أجزاء، حضرته كوكبة من أكبر شعراء العالم العربي للاحتفاء بهذا المبدع، كان بينهم أهم شعراء عصره، خليل مطران، وأمين نخلة، وشبلي ملاط، وحافظ ابراهيم الذي نظم قصيدة عبّر فيها عن "بيعته" لـ شوقي وصفه فيها بـ "أمير القوافي".

لم يكن أحمد شوقي مسلماً بالاسم فقط، بل كان الإسلام هو المكوّن الأساس في تحديد هويته، وهو ما انعكس في أشعاره وابداعاته الشعرية والأدبية، إذ كتب ملحمة شعرية من 1726 بيتاً أسماها "دول العرب وعظماء الإسلام"، وقد كتب هذه الرائعة التي يصفها النقاد بأنها "درّة في تاج الشعر والأدب"، في سنوات منفاه
الإسباني، وفي برشلونة على وجه التحديد.

كما عبّر الشاعر العربي-القوقازي المسلم أحمد شوقي عن اعتزازه بهويته الإسلامية، التي تجمع بين كل مسلمي العالم على اختلاف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم، من خلال أبيات مديح لسيد المرسلين النبي محمد عليه الصلاة والسلام.. قال فيها: "وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ".
توفي أمير الشعراء في 14 أكتوبر 1932، قبل ثلاثة أيام من إتمامه عامه الـ 64 ودُفن في مقبرة السيدة نفيسة
في القاهرة. وكان أحمد شوقي قد أوصى بكتابة بيتان من قصيدته "نهج البردة" التي نظمها شوقي في مديح

النبي محمد صلى الله عليه وسلم..
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أمل في الله يجعلني في خير معتصم.