Ru En

السوفيت يحققون حلم عالم مسلم في مصر

٢٥ نوفمبر ٢٠١٩

مم بدأ تاريخ العلاقات المصرية الروسية؟ وما هي ماهيتها وكيف تطورت مع مرور الزمن؟


من الوارد جداً أن هناك من لا يدرك مدى عمق العلاقات بين مصر وروسيا، لا سيّما في ما يتعلق بالمعتقد الديني.
وبما أنه في روسيا، ومن ثم في الاتحاد السوفيتي، تعيش شعوب تعتنق الدين الإسلامي، من العرقية التركية والتترية، فضلاً عن شعوب القوقاز في الجنوب الروسي، فقد مهّد هذا الواقع إلى تدشين علاقات روسية - إسلامية من جهة ومصرية من جهة ثانية، عبر جامعة "الأزهر"، التي قصدها الكثير من أبناء المسلمين في روسيا لتلقي العلم تحت قبتها، علماً أن الجامع "الأزهر" بات بمثابة رمز للإسلام وللغة العربية.


لم يقتصر التعاون بين مصر وروسيا على العنصر الديني، إذ تعزز التواصل بين شعبيّ البلدين على المستوى الثقافي، وذلك بفضل  حركة الترجمة للكتب والإبداعات الأدبية من وإلى اللغتين العربية والروسية، لا سيّما تلك التي تعود إلى القرن الـ 19.
وفي مرحلة تاريخية، بدأت في القرن الـ 20، اتخذت العلاقة بين مصر وروسيا وجهاً آخراً، قائم على المنظومة الاشتراكية، وذلك بعد ثورة 1917 التي أطاحت بالنظام القيصري عل يد الشيوعيين بزعامة فلاديمير لينين.
ومن جوانب التلاقي بين روسيا ومصر كان الفكر المتمثل في الحركة الاشتراكية - الشيوعية التي تبلورت في روسيا ومنها إلى العالم، بما في ذلك في الشرق وتيارات محددة في مصر. وقد كانت هذه العلاقة، التي تستند إلى الاشتراكية كقاسم مشترك بين الجانبين، محط انتقاد من قِبل العديد في مصر وفي العالم العربي بشكل عام، وكانت تثير استياء الكثيرين من أبناء المجتمع المصري المحافظ والمتمسك بدينه الإسلامي.
وازداد الاستياء وساورت المتحفظين عليها شكوك حول الإحساس بالانتماء الوطني لدى القوى الشيوعية في العالم العربي، على خلفية تلك القوى إزاء تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، الذي جاء انعكاساً للموقف السوفيتي في حينه.
ولكن الموقف السوفيتي في هذه القضية الحساسة بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي، لم يمنع موسكو من اتحاذ مواقف داعمة للعرب، ولمصر على وجه التحديد، من منطلق تعزيز موقعها في الشرق لمواجهة الخصم التقليدي الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا الإطار سعى الاتحاد السوفيتي إلى مساعدة مصر في بناء سد أسوان المائي في جنوب مصر، المعروف بمُسمّى السد العالي، وهو يعد علامة بارزة في محطات التعاون السوفيتي المصري، إذ أشرف خبراء سوفيت على تشييد هذا المَعلَم الذي بات أحد بطاقات التعريف بمصر الحديثة، وقد استغرق بناء السد 10 سنوات، حيث افتتح عام 1970.
وقد أسهم بناء السد العالي، الذي تم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بالتحكم في المياه المتدفقة والحد من آثار فيضانات نهر النيل، فضلاً عن أنه استخدم في توفير الطاقة الكهربائية، وشارك في بنائه 400 خبير سوفيتي.  
وتجدر الإِشارة هنا إلى أن فكرة بناء السد العالي لا تعود إلى السوفيت، وإنما تعود حسب بعض المصادر إلى العالم العربي المسلم أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، الذي ولد في البصرة عام 965، ومات في القاهرة عام 1040. ويعد ابن الهيثم عالماً موسوعياً في الكثير من مجالات العلم، كالرياضيات والفلك والفيزياء والهندسة، وهو ما ساعده في بلورة فكرته لبناء السد العال، إلا أن ذلك تعذّر في حينه، لأن عهده لم يعرف الآلات اللازمة لتحقيق ذلك.
عاد المشروع الذي ساهم السوفيت في تنفيذه بإيجابيات على مصر، منها توسيع مساحات الأراضي الزراعية، وتخزين المياه في البحيرة للاستفادة منها في مواسم الجفاف، أطلق عليها اسم بحيرة ناصر، تيمناً بالرئيس المصري.

لمصدر: مجلة "الأرشيف الشرقي"