Ru En

الشركس في الأردن.. انتماء للدولة وتمسك بالهوية

١٧ ديسمبر ٢٠١٩

هاجر إلى بلاد العرب عدد كبير من شعوب القوقاز، الذين يشكل الشعب الأديغي، أو الشركس كما يوصفون بالأدبيات العربية، نسبة كبيرة ضمن هؤلاء الشعوب. وكانت بلاد شرق نهر الأردن مقصد الشعوب القادمة من روسيا، وهي قادمة بالمعنى الحرفي للكلمة إذ وفدت إلى البلاد الجديدة سيراً على الأقدام.


وقد سكن الأديغيون الأردن واندمجوا اندماجاً تاماً حتى درجة التماهي مع شعب المنطقة، واختلطوا بهم في مصاهرات جمعت بينهم وبين عرب الأردن، من أردنيين وفلسطينيين وسوريين وسواهم، دون التخلي عن هويتهم الشركسية والتعبير عن اعتزازهم بجذورهم في القوقاز، وهو ما يعبرون عنه بالحفاظ على لغتهم وعاداتهم وتراثهم المحكي وكذلك على أطباقهم الشعبية والفلكلور من أزياء وموسيقى ورقص باتت إحدى أبرز بطاقات التعريف بالإنسان الشركسي في الأردن كما هو الحال في روسيا.


وللشركس في الأردن حالة خاصة تميّزها عن سواها في محيطها العربي، علماً أنهم باتوا مكوّنا أصيلا في المجتمع الأردني الحديث، إذ حمل شركس الأردن اسم بلدهم ليرفعوه عالياً في محافل دولية بأكثر من مجال.


ويعتر المسلمون القادمون من روسيا من أوائل الشعوب التي سكنت عمّان في نهاية القرن الـ 19، وأسهموا بشكل كبير في ازدهار المدينة وتطوّرها وتولّوا مناصب هامة وحساسة في الأردن، وتُقرن أسماء الكثير من أعلام الشركس في المملكة بمفردة "أول".


فمنهم الشيخ عمر لطفي أول من تولّى منصب المفتي العام في الأردن، وذلك عام 1921، وظل في منصبه هذا حتى أُحيل على التقاعد عام 1944، علماً أن فضيلة الشيخ عمر شادجي البسلاني (وهذا اسمه عند الولادة) لم يكن أردنيا من أصل شركسي بل هو شركسي وُلد في القوقاز حاصل على الجنسية الأردنية.


ومما يُذكر من سيرة الشيخ عمر المفتي هو أنه ينتمي لعائلة تخصصت في علوم الشرع طوال 400 عاماً، وأنه جاء إلى الأردن بتكليف من المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية، ليتولى تأسيس معهد للعلوم الشرعية في شرق الأردن، فشرع في ذلك ليكون أول مدير له وأول مدرس فيه، علماً أن شقيقه، الشيخ يحيى المفتي كان يشغل منصب المفتي في مدينة منبج السورية.   

  
ومن أسماء الشركس ضمن "الأوائل" في الأردن.. أول وزير عدلية في الأردن عام 1931 حكمت جانخوت، والدكتور شوكت المفتي، وأول طبيب عيون أردني، وأول رئيس لبلدية عمّان (1909) إسماعيل بابوق، وثاني رئيس للبلدية أحمد الخطيب، وسعيد المفتي الذي شغل منصب رئيس وزراء الأردن لأربعة مرات، كما ترأّس مجلس الأعيان لعدّة سنوات، والإعلامية توجان فيصل قلجري، أول أردنية تُنتخب نائباً لمجلس النواب الأردني (1993).


وما أن يُذكر الأردن لا بد أن يُذكر الشراكسة الذين يشكلون العمود الفقري في واحدة من أهم مؤسسات المملكة، وهي حراسة القصور الملكية، التي أُسندت لهم تكريماً لاسهاماتهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الأردن الذي شهد اضطرابات في مخاض استقلاله وقبيل الإعلان عن تأسيس المملكة الهاشمية.  
وكان الفريق ميرزا باشا وصفي أبزاخ (1932-1837)، قائد سلاح الفرسان الأردني منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، وأول من تولّى حراسة الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين، بعد أن شكّل فوجاً من المقاتلين الشركس كوّنوا نواة الحراسة الملكية عام 1920.


حمل شركس الأردن، وسواه من دول العالم العربي، هموم بلادهم الجديدة، وتبنوا مواقف وطنية لطالما عبّروا عنها بالوقوف جنباً إلى جنب مواطنيهم في وجه قوى الاستعمار الغربي، واستبسلوا في الدفاع عن أوطانهم العربية في مواجهات السياسية والعسكرية منذ مطلع القرن الـ 20.


ومن أبرز المبدعين الأردنيين ذوي الأصول الشركسية الكاتب، والمؤرخ، والموسيقار، والمخرج محي الدين قندور، الذي أنتج وأخرج أفلاماً سينمائية في هوليوود، وعمل مساعداً لكبار المخرجين في أحد أهم مراكز صناعات الفن السابع في العالم.


شهدت السنوات الأخيرة عدة الكثير من أبناء الشركس إلى وطنهم التاريخي في القوقاز، وساعدت روسيا في استقبال هؤلاء العائدين، من شركس الأردن، وسوريا سيّما بعد الأحداث المأساوية التي عصفت بسوريا، ما دفع أبناءها إلى النزوح والهجرة.


ويُشار في شأن عودة الشركس إلى القوقاز إلى أن عبد الله أمين دوراك، الذي يعتبر أول عائد إلى روسيا في عام 1964، أي في روسيا السوفيتية، وهو ما يشير إلى رمزية تكمن في أن ذلك تم بعد مرور 100 عام على الأحداث التي شهدتها روسيا القيصرية، ودفعت الشركس إلى الهجرة من وطنهم.

 

Art by Faruk Kutlu