Ru En

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

٠٦ فبراير ٢٠٢٠

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

تقع مدينة غرناطة التاريخية  التابعة لاقليم الاندلس عند سفح سلسلة جبال سييرا – نيفادا. منذ ما يقرب من 250 عامًا ، ما بين 1238 و 1492 ، ظلت المدينة، التي كانت آنذاك

 جزءًا من مملكة بني النصر( النصريون ـ بنو الاحمر )  في الفترة ما بين القرنين ال 13 وال 15 ، آخر معقل للثقافة الإسلامية في شبه الجزيرة. حيث اصبحت مركزاَ للرخاء الاقتصادي والتأثير الثقافي والتنمية الفكرية والابداع.


عودة الى التاريخ


يعود أول ذكر للمسلمين في غرناطة إلى عام 711 م ( أثناء الفتوحات الاسلامية ) ، أي قبل عدة قرون من القرن "الذهبي" ، الذي أنشأه محمد بن يوسف بن نصر ، الذي أسس الإمارة في عام 1230. تشكلت الهوية الإسلامية لغرناطة متأخرا بعد انهيار قرطبة وإشبيلية المسلمتين ، اللتين لم تستطعا مقاومة هجوم الجيوش الكاثوليكية في الشمال. وأصبحت غرناطة فيما بعد واحدة من أغنى المدن في أوروبا، تعج بالمثقفين والحرفيين والتجار.


كما هو مصير العديد من الإمبراطوريات، أدت الحرب الأهلية  خلال تاريخ وجودها في نهاية المطاف إلى انهيار أسرة  بني النصر، وتمكنوا الملوك الكاثوليك الحاكمون في الشمال من الاستفادة الكاملة من الدولة الضعيفة، وانتهاء آخر إمارة إسلامية التي سلمت عام 1492.


يكفي مرة واحدة فقط ان تزوروا غرناطة حتى هي تستحوذ على قلوبكم إلى الأبد. على غرار مملكة بني النصر القديمة ، تمتلئ المدينة بالمتاجر المزينة وبالأناقة والأجواء المغرية حتى وقت متأخر من الليل ويمكن رؤية تراث  بني النصر (أو حتى سماعه) في جميع أنحاء المدينة، في الفن المعماري والأماكن التاريخية ، والمأكولات الوطنية التي تسمى بعضها بسميات أصلها تعود الى اللغة العربية.


في الآونة الأخيرة، يمكن للمرء أن يلاحظ الإحياء التدريجي للتراث الإسلامي في غرناطة - التراث الذي حاولت الملكة إيزابيلا وخلفاؤها دفنه وتدميره بالكامل خلال سنوات حكمها. جنبا إلى جنب مع نمو السياحة، يمكن مشاهدة قصر الحمراء وكل ماهو قديم رمم في الاماكن الشعبية، حتى الأقل شهرة . فعلى سبيل المثال، على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية ، تم بناء مسجدين جديدين في المدينة (لأول مرة منذ 500 عام).


البيازين

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

يُعد حي البيازين أقدم حي عربي في المدينة، وموطناً لعدد كبير من السكان المسلمين ، معظمهم من أصول مغربية (وهنا توجد العديد من المطاعم المغربية). لا يزال الحي يحافظ على الرونقة  التاريخية بالشوارع الضيقة من عصر حكم بني النصر ، تعج هذه المنطقة النابضة بالحياة والمطاعم والمحلات التجارية حيث يمكنك الاستمتاع بتذوق الشاي المغربي الأصلي. ولخصائصه هذه ادرجته منظمة اليونسكو ضم قائمة التراث العالمي، لان العمارة الإسبانية الإسلامية مازالت واحدة من أفضل المباني المحفوظة في جنوب إسبانيا.


كل من زار مقاهي الشاي المغربية مرة واحدة على الأقل فانه يهتم ويعجب بالأنماط الهندسية المعقدة للمنازل على نحو غير اعتيادي بكل أسبانيا حيث نوافذها وأبوابها تفتح على مصرعيها حتى وقت متأخر من الليل.


مسجد غرناطة الكبير

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

افتتح هذا المسجد في عام 2003 ، وعلى الرغم من حداثته، فإن المظهر المعماري  للمبنى تذهل الزائر حيث تأخذ ه الى العصر الأندلسي. نصيحة لأولئك الذين يرغبون في الوصول إلى هذا المسجد: أفضل طريقة للوصول إليه من غران فيا دي كولون ، الشارع الرئيسي والأكثر ازدحامًا في غرناطة، هي أن تأخذ واحدة من العديد من الحافلات الصغيرة الحمراء. بعد عبور العتبة ، تظهر حديقة رخامية جميلة مع نافورة في الوسط مباشرة أمام أعين الزائر، ويرى منظر خلاب لقصر الحمراء. الجزء الداخلي من المبنى عبارة عن فسيفساء من جميع أنحاء العالم الإسلامي. المحراب، على سبيل المثال، هو نسخة طبق الأصل لما هو موجود في المسجد الكبير في قرطبة، والبلاط الرخامي مطابق لذلك الموجود في المسجد الأقصى في فلسطين، ونوافذه تشبه نوافذ مسجد السلطان أحمد في اسطنبول. الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو أن النافورة في الفناء صممها حرفي من مدينة فاس، الذي اعتمد في عمله على تصميم أندلسي عمره يقارب ألف عام.


نصيحة أخرى: ينصح العديد من المرشدين والسياح وحتى التوصيات عبر الإنترنت بالذهاب إلى دير سان نيكولاس للاستمتاع بمناظر قصر الحمراء خصوصا اثناء غروب الشمس. والجميل ان ترى المسجد بجوار المعبد مباشرة . بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد قليل من الناس ، و المتعة الكبرى في رؤية قصر الحمراء الذي هو أيضا قمة في الجمال. ومع ذلك يجب التأكد من ساعات الصلاة في المسجد، حيث إنه ليس مفتوحاً دائماً وقد يتم غلق البوابات لدخول الفناء.


كما يوجد في غرناطة، ايضا مسجد آخر - مسجد الشيخ بن زايد بن سلطان آل نهيان، يقع في شارع جانبي في حي البيازين.

 

المدرسة

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

تقع في قلب غرناطة، بجانب كنيسة غرناطة الملكية (ضريح إيزابيلا وفرديناند) وكاتدرائية غرناطة (في موقع مسجد من عصر ابو النصر )، مدرسة  التي تؤكد تأكيدا واضحا للعيان على الاندماج الثقافي في المنطقة. يتميز المبنى بالمعمارية الأندلسية، والأساليب المعمارية الحديثة والمدمجة معًا. والمدرسة تعتبر في نفس الوقت جامعة بنيت في عام 1349 من قبل السلطان يوسف الأول، ولا تزال المدرسة تابعة لجامعة غرناطة، ومملوكة لها.


يوجد في الطابق الأرضي قاعة أندلسية كلاسيكية للصلاة مع محراب مزين بشكل معقد. هنا تتداخل آيات القرآن الكريم مع الفسيفساء الملونة. تم تزيين السقف وفقًا لأسلوب كلاسيكي (هذا هو نمط الإيبيرية الذي أثر بشدة على الفترة الإسلامية). خلال فترة السلطان يوسف الأول، احتوت الجامعة على مكتبة وغرف نوم وفصول دراسية وقاعة الصلاة وهي للأسف الغرفة الوحيدة المتبقية من المبنى الأصلي. اثناء الحكم المسيحي، كان المبنى مخفي عن أعين الاخرين حتى أعمال الترميم التي بدأت في القرن التاسع عشر.


عند الصعود إلى الطابق العلوي، يمكنك الدخول إلى قاعة محاضرات حديثة تسمى " قاعة الفارس"، والتي كانت تستخدم في الأساس كقاعة مؤتمرات مجلس المدينة. ربما هذا هو الدليل الأكثر وضوحا على استمرار تقاليد الفن والثقافة الأندلسيين في قلب غرناطة، بجوار ضريح الفاتحين الإسبان الذين حاولوا دون جدوى محو هذا التراث من وجه الأرض.


الحي الملكي في سانتو دومينغو


وجود الحي الملكي في سانتو دومينغو، يعتبر سابقة معمارية لمجمع القلعة المحصن . والذي تم فيه بناء قصر النصرية ( قصر بني النصر) من قبل السلطان محمد الثاني ( محمد الفاتح ) عام 1273-1302. الحصن مخبأة في منطقة هادئة في ريليخو سان ماثياس، اليوم تبقى جزء بسيط من القصر الأصلي . بعد سقوط مملكة النصرية ، سقط القصر في يد الملوك الكاثوليك، ومن ثم نقل إلى الرهبنة الدومينيكية الكاثوليكية ، وهي دينية أسسها الكاهن الإسباني دومينيك دي جوزمان. وسقط في نهاية المطاف في أيدي القطاع الخاص، وبعد ذلك تم هدم معظم المبنى.

في العقود القليلة الماضية، بدأ علماء الآثار الأسبان أعمال الترميم لإستعادة القليل من الذي تم حفظه من القصر ، والذي كان مهيباً في السابق. ربما تكون هذه الأنقاض هيالمكان الأكثر روعة و الأكثر هدوء حيث يمكنك قضاء بعض الوقت في التأمل في التاريخ الغني الذي مر عبر هذا الجزء من المدينة.


قصر الحمراء

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

لا تكتمل الرحلة إلى غرناطة دون زيارة إلى جاذبيتها الرئيسية . على الرغم من أن المدينة لديها الكثير ما تقدمه للسائح المدلل والأكثر رفاهية، إلا أن قصر الحمراء هو بلا شك جوهرة المدينة. هذا هو النصب التذكاري الأكثر زيارة في كل البلاد . بني في القرن الثامن، ويعتبر آخر هيكل ملكي باق للحضارة الإسلامية في أوروبا الغربية ، وكانوا آخر سكانها من النصيريين . الحمراء سميت بسبب إحمرار الجدران والاسوار، وهناك على طول المدخل مكتوب بالعربية "الحمراء". أدرج في قائمة التراث العالمي لليونسكو إلى جانب منطقة ألبازينسكي في عام 1984


المجمع ضخم للغاية، ويمكنك أن تضيع بسهولة في تلك المساحة . في حد ذاته ، هذا القصر هو مدينة منفصلة، والتي تم توسيعها بشكل كبير في وقت لاحق، وترك كل حاكم

علامته وبصمته التي لا تمحى مهما مر الزمن. فعلى سبيل المثال، قام تشارلز الخامس ببناء قصره الخاص داخل هذا المجمع في عصر ما بعد بنى نصر.

 

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

إهتمام استثنائي بالتفاصيل والتناظر والآيات القرآنية الجميلة والتناوب المثالي بين الساحات المفتوحة والمساحات الداخلية. لقرون عديدة، حافظت قصور النصريين على هويتهم الإسلامية الخاصة. على الرغم من تدمير أجزاء كثيرة من قصر الحمراء من قبل الكاثوليك، والقصف الفرنسي في القرن التاسع عشر 1800 ، واستمر النسيان. والإهمال في القرنين 18 و 19, لكن رغم ذلك بقيت قصر النصري والقصور المتاخمة بلا مساس ولا تزال سليمة إلى حد كبير. وتتكون من ثلاثة مبان منفصلة، تسمى مجوار، وقصور كوماريس، وقصر الأسود.

غرناطة المسلمة: العودة إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى

 

القصبة - هو أقدم جزء من قصر الحمراء ، وهو حصن أصلي عتيق بني قبل ظهور القصور والحدائق. النصريين أستخدموا القلعة كقاعدة عسكرية للحرس الملكي، وفيه ترتفع الأبراج ، وكل واحد منها أعلى من الأبراج الاخرى، سترى المدينة محاطة بالقبعات الثلجية المهيبة من سييرا نيفادا . يمكنك أن تنظر من خلال هذه الأبراج مدينة غرناطة بكل جمالها، الذي لا يوصف، وسترى ما رآه السلاطين أنفسهم ذات مرة.


ولعل السمة الأكثر تميزا في غرناطة، تشبُعها بالعبارة المشهورة باللغة العربية  "لا يوجد فائز سوى الله" بكل المساجد ، وفي كل تذكار أو مكان تاريخي ، وهذه العبارة منقوشة على جدران الحمراء المقدسة وغيرها من القصور والمساجد في إشبيلية وقرطبة . رغم طرد المسلمين من مملكة إيبيريا، الا ان بقاء هذه الهياكل المعمارية الاسلامية مع عبارة "لا يوجد فائز سوى الله" هو تأكيد لا جدال فيه لحقيقة ان الفتوحات الاسلامية وصلت الى الاندلس.

Photo: Creative Commons