Ru En

مُخلصة بوبي - أول قاضية مسلمة في تاريخ روسيا

٢٨ أبريل ٢٠٢١

في الـــــــ 6 من أيار/ مايو من عام 1917 ، كان هناك حدثا تاريخيا مهما ليس فقط في حياة الأمة التتارية، ولكن في الإمبراطورية الروسية بأكملها- في مؤتمر المسلمين لعموم روسيا تم انتخاب مفتيًا وإدارة دينية  لمسلمي روسيا تكونت من ستة قضاة، أحدهم مخلصة بوبي. وكان هذا حدثًا غير مسبوق في تلك الأيام بأن تتولى امرأة منصب قاضٍ مسلم.

فقط ممكن للمرء إلا أن يتخيل ما مدى عمق المعرفة التي كانت تمتلكها مُخلصة بوبي وما هو الدور الذي لعبته في النضال من أجل مساواة المرأة بين الشعوب المسلمة في روسيا والاتحاد السوفيتي.

 


أول امرأة - قاضي


دعنا نعود إلى عام 1917 ، عندما أفتتح مؤتمر المسلمين لعموم روسيا في مدينة موسكو أعماله في الأول من أيار/ مايو، بمشاركة حوالي 900 مندوب، من بينهم 112 امرأة.

من بين العديد من القضايا التي تم مناقشتها في المؤتمر تم تبني عدد من القرارات حول حقوق المرأة ، من بينها ليس مجرد بيانات توضيحية حول المساواة، ولكن أيضًا قائمة كاملة من التدابير العملية اللازمة للتحرك نحو المساواة. على سبيل المثال، تضمن برنامج العمل الذي اعتمده المؤتمر بندًا حول أهمية إنشاء رياض أطفال في أماكن ومؤسسات الأعمال.


كان هذا أول مؤتمر للمسلمين لعموم روسيا شاركت به النساء، حيث انتخبت سليمة ياكوبوفا رئيسة المكتب المركزي للمرأة المسلمة في روسيا لعضوية هيئة رئاسة.


  في ذلك المؤتمر تم أقتراح ثلاث مرشحات لشغل منصب القاضي: مخلصة بوبي ومريم بوطاشيفا وفخرالبنت أكشورينا. منهن فقط مخلصة بوبي حصلت على عدد كافٍ من الأصوات وأعلن عن فوزها بحصولها على 302 صوتًا مقابل 208 من الأصوات ضدها.


عُقد المؤتمر في فترة ذروة صعود الحركة النسائية في روسيا، بما في ذلك داخل التجمعات النسائية الإسلامية نفسها، كان هناك بروز حثيث للحركات النسائية. بدأت في الظهور الجمعيات النسائية الأولى بين النساء المسلمات في روسيا في مطلع القرن - عام 1898. في البداية، كما في أي مكان آخر، هذه الجمعيات كانت خيرية. من المهم الإشارة الى انهم ركزوا منذ البداية على الأنشطة الخيرية في مجال تعليم المرأة. تمت كتابة العديد من الأعمال، التي أثبتت التأكيدات حول المساواة المفروضة بين الرجل والمرأة في القرآن أو على الأقل التقريب في المساواة بناء على افكار الكتاب المعاصرين. في كتابات الناشطين في ذلك الوقت، تمت مناقشة ضرورة تعميم تعليم المرأة من أجل تنمية المجتمع وإحياء العالم الإسلامي.

 


رحلة في التاريخ


ولكن قبل الخوض في أنشطة بوبي، علينا على الأقل أن نتعرف على سيرتها الذاتية ولو مختصرة .


ولدت مخلصة في عائلة الملا عبدالعلامة وأبيستاي بدرالبانات نجماتولين في قرية إيز بوبيا. لقد تلقت تعليمها في مدرسة محلية، عمليا على يد والدتها، التي فتحت فصولًا للفتيات والنساء في المدرسة في عام 1857. في سن الثامنة عشرة ، تزوجت مخلصة من ملا من قرية أخرى. ومع ذلك، كان الزواج فاشلاً للغاية، ونتيجة لذلك في عام 1895، أخذ الأخوان عبد الله وعبيد الله ، اللذان جاءا للزيارة، أختهما وابنتيها بالتبني معهما. في هذا الوقت تسلموا المسؤولية من والدهم وترأسوا المدرسة المحلية، التي لم تكن معروفة حتى الآن رغم انها موجودة منذ القرن الثامن عشر، وبدأوا مع زوجاتهما حُسنيفاطمة ونسيمة والشقيقة إصلاحات تعليمية واسعة النطاق فيها.

 


أول مدرسة نسائية


بعد الإصلاحات الأولى، كانت مدرسة "إيز- بوبين" لا يزال مستواها متدني بكثير مقارنة بالمدارس الدينية الجديدة الأخرى العاملة في ذلك الوقت سواء من حيث الشعبية أو من عدد المواد العلمانية أو في مدة الدراسة. في البداية، كانت نقطة قوتها هي انها للنساء فقط وكان برنامج التعليم يعتمد على نفس البرنامج المقرر في صفوف الذكور. كما عوضن المعلمات نقص التعليم من خلال دروس مسائية منتظمة مع معلمين آخرين.


كانت القرية غنية جدًا: كان بها مصنعان للطوب وظهرت العديد من العائلات التجارية في القرية، لذلك لم يكن هناك نقص في المتبرعين لاعمال الخير . تمكنت نجماتولين - بوبيا من جمع مكتبة مهمة في ذلك الوقت وجذب العديد من المعلمين الذين تلقوا تعليما عاليا في أوروبا وتركيا وعملوا على تأسيس مختبران للكيمياء والفيزياء.


في ظل هذه الظروف، أصبحت الفصول المسائية برنامجًا مستقلاً كاملًا، وتحولت إلى دورات للمعلمين لكل من الرجال والنساء، حيث كان يأتي لتلقي هذه الدورات خريجي وطلاب المدارس الدينية والمكتبات من شتى بقاع الإمبراطورية الروسية لتعميق تعليمهم ورفع مستواهم.


في عام 1905، أصبحت مدرسة إز- بوبي واحدة من أشهر المدارس الدينية في روسيا، وجزءها النسائي -  كان من أشهر المدارس النسائية في الإمبراطورية الروسية. بحلول هذا الوقت، كان حجم البرنامج العلماني هو نفسه في المدارس النموذجية بالإمبراطورية، حيث كان الإلتحاق بها لأتباع ديانة اخرى أمرًا صعبًا للغاية.


كان الهدف السامي في حياة مخلصة أبيستاي هو تعليم وتربية الفتيات وإنشاء مجمع تعليمي -  تنويري لهذا الغرض تابع لمدرسة بوبي القديمة بهدف تنشئة وتعليم الجيل الصاعد.


خلال عشر سنوات، أنشأت عائلة بوبي بأكملها مجمع تعليم مكتمل، والذي تضمن مدرسة ذكور مدتها ثماني سنوات دراسية ومدرسة إناث لمدة ثماني سنوات ايضا ومدرسة ابتدائية لمدة أربع سنوات. ومن الجدير بالذكر أن هذا كان أول مدرسة لشعب التتار حيث يحصلوا على التعليم الثانوي العلماني وبلغتهم الأم. وهنا قاموا بتدريب المعلمين والمعلمات لمدارس التتار الجديدة.

 

 

إنعدام الكادر المؤهل


نظر شقيقا مخلصة بوبي إلى أن تنشئة المرأة وتدريبها وإتاحة الفرص الوافرة لها للارتقاء بمستوى التعليم والثقافة من أهم العوامل التي تسهم في التغلب على التخلف وضمان تقدم الوطن. ومع ذلك، كانت المشكلة الأولى التي واجهتها عائلة بوبي هي إنعدام الكوادر لتدريب الفتيات. لذلك قرر الاخوين إعداد أختهم وزوجاتهم للعمل القادم في مدرسة البنات.


بالتوازي مع التحضير لأعمالها، درست مخلصة العلوم الدينية في إطار برنامج مدرسة الذكور وتحت اشراف الإخوة. في عام 1905 ، أصبحت مخلصة امرأة متعلمة تعليماً جيداً ولديها معرفة جيدة بالعقيدة الإسلامية. أوكل الإخوة إلى أختهم العمل بالكامل لقيادة مدرسة المعلمات. وكان الاعتراف بهيبتها كرئيسة للمدرسة وكعالم ديني من خلال تسميتها ومناداتها "الملا أبيستاي".


أما بالنسبة لمنهج المدرسة، فقد شمل مواد رئيسية، علم العقيدة (بما في ذلك أصول الشريعة الإسلامية) واللغة التتارية وآدابها واللغة الروسية وآدابها والرياضيات. بالإضافة إلى ذلك، تم تدريس مواد اخرى مثل اللغة العربية والجغرافيا والعلوم الطبيعية وعلم التربية والمنهجية والخط والرسم والاقتصاد المنزلي والحرف اليدوية.


في 1905-1908 ، أُفتتح معهد معلمين (تربوي) في المدرسة، وسمح لهم بإجراء الاختبارات وإصدار شهادات لمنح لقب معملة ومعلم . كانت هذه الشهادات بلا شك وثيقة رسمية معترف بها من قبل السلطات الإدارية لروسيا.


في عام 1914 ، أُفتتحت مدرسة نسائية أخرى، وفي الوقت نفسه تم الحصول على إذن لافتتاح مدرسة لتأهيل المعلمات. أصبحت مخلصة بوبي رئيسة لهذه المدرسة، وفي هذه الفترة تم انتخابها لمنصب قاضي الإدارة الدينية للمسلمين في الامبراطورية الروسية.

 

 

تشكيل لجان نسائية


وصفها المعاصرون بأنها إمرأة واسعة الإطلاع وتتحدث بطلاقة، بالإضافة إلى اللغة التتارية تجيد العربية والفارسية. لقد نالت احترامًا كبيرًا من قبل المحيطين بها. سيقول ابنها عبد الله بعد فترة إن هيبة والدته كانت إستأنف عندما يبدي شخص ما عدم الثقة في الابتكارات التي تم إجراؤها في المدرسة.


أنهمكت مخلصة بوبي بنشاط في أعمال المجلس المركزي الديني الإسلامي المركزي وكانت تحال القضايا المتعلقة بالإجراءات العائلية إليها. في الوقت نفسه، أطلق المكتب المركزي للمرأة المسلمة عملاً نشطًا لإنشاء لجان المرأة. كانت العملية غير متشابه إلى حد ما: على سبيل المثال، في الجزء الأوروبي وفي سيبيريا، ظهرت لجان نسائية جديدة في العديد من القرى، في القوقاز وآسيا الوسطى فقط في بعض المدن. أرسلت لجان النساء المسلمات محاضرات وأحيانا محاضرات مع محاضرات وتفسيرات لقرارات مؤتمر موسكو لعموم المسلمين في القرى وحاولوا تنظيم إنتاج المنشورات وجمع التبرعات. لاقت الدعم من قبل زملائها القضاة والمفتي المنتخب عليم جان بارودي.


كانت الفكرة الرئيسية لجميع أعمالها لخير الأمة المسلمة الروسية هي الاقتناع بأن المرأة المسلمة يمكنها وينبغي لها أن تحصل على المساواة مع الرجل مع الحفاظ على الأخلاق وعدم انتهاك تعاليم الإسلام. وتحدثت عن ذلك في إحدى مقالاتها - "المرأة في عالم الإسلام": "إن عدد النساء اللواتي يخدمن القضية الكبرى لتأصيل الإسلام في العالم من خلال المعرفة ليس بالعشرات، بل المئات.

 


المؤتمر الإسلامي لعموم روسيا حول قضية المرأة


للفهم الأفضل لعمل مخلصة بوبي وغيرها من النساء المسلمات القائدات، دعونا نتعرف على أهم قرارات المؤتمر الإسلامي العام لعموم روسيا بشأن قضية المرأة بعد اجتماع خاص في 9 أيار / مايو 1917.


"الأمة يمكن أن تكون قوية، فقط حينما تتمتع نسائها بحقوق متساوية ، والتي يمكن تحقيقها فقط في حالة اذا النساء على استعداد للمشاركة في عمل المؤسسات التي تقر التشريعات الخاصة بالمرأة، لذلك، يجب أن تكون المرأة المسلمة متساوية مع الرجل في الحقوق السياسية و يجب أن تنتخب المرأة وتُنتخب للجمعية التأسيسية".


"يجب أن يؤخذ في الاعتبار التقاليد الاجتماعية في تركستان والقوقاز وكذلك في كازاخستان، كان من المعتاد زواج الفتيات وهن قاصرات تتراوح أعمارهن بين 11 و 12 عامًا، لهذا اتخذ قرار في المؤتمر بمنع زواج الفتيات تحت سن السادسة عشر سواء في الشمال أوفي الجنوب، مع الأخذ في الاعتبار الضعف الجسدي الناتج عن ذلك والموت المبكر لهن".

 


من قرارات المؤتمر 10 ايار/ مايو 1917


- يحظر إشراك المرأة في الأعمال الضارة بالصحة. تُمنح المرأة اجازة خلال فترة الحمل من أربعة إلى ستة أسابيع، مع الاحتفاظ بأجرها[...].


- في أماكن عمل النساء، يجب أن يكون هناك حضانة للأطفال مع ضرورة إعطاء الأمهات المرضعات استراحة لرضاعة اطفالهن كل ثلاث ساعات[...].


- لتفتيش ورصد الامتثال لقوانين العمل وظروفه وفي جميع أماكنه، حتى الحكومية منها، حيثما تعمل النساء، يجب أن يكون المفتشون منهن.