Ru En

"المسلم".. فيلم روسي يتناول إسلام جندي سوفيتي في أفغانستان

٢٤ ديسمبر ٢٠١٩

تتزامن هذه الأيام مع حلول الذكرى السنوية لأحد أهم الأحداث التاريخية التي ألقت بظلالها على العلاقات السوفيتية، وربما الروسية في ما بعد، والعالم الإسلامي ككل، ألا وهي ذكرى دخول القوات السوفيتية لأراضي أفغانستان (في 25 ديسمبر 1979)، علماً أن الانسحاب قد تم بعد أقل من 10 أعوام من ذلك، وتحديداً في 15

فبراير 1989 حين أعلنت موسكو انهاء عملية الانسحاب.

 

ترك هذا الحدث التاريخي بصمة واضحة على العلاقات بين موسكو وكابول، تجاوز الإطار السياسي والاقتصادي إذ كان له أثر كبير على العلاقات الانسانية بين شعوب الاتحاد السوفيتي وشعوب أفغانستان، على تنوّع الانتماءات العرقية في البلدين، بل وكان له التأثير الكبير أيضأً حتى على مستوى العلاقات في البلد الواحد وفي العائلة الواحدة، في الاتحاد السوفيتي ولا سيّما روسيا، وهو ما تجسّد في فيلم "موسيلمانين"، أي المسلم، الذي أنتج في روسيا عام 1995.

 

الفيلم من إخراج فلاديمير خوتينينكو ويتناول قصة شاب سوفيتي عاد إلى قريته التي غادرها جندياً مشاركاً في الحملة العسكرية على الحدود الجنوبية. لكن الجندي الشاب، نيقولاي، لم يعد كما كان بل عاد شخصاً جديداً في كل شيء.. ابتداءً من اسمه الذي أصبح عبد الله بعد أن اعتنق الإسلام.

 

تجدر الإشارة إلى أن تعامل كل من مخرج الفيلم ومؤدي دور البطولة فيه يفغيني ميرونوف (نيقولاي - عبد الله) مع القضية الحساسة كان بمنتهى المهنية، إذ أن فلاديمير خوتينينكو عكف على دراسة الإسلام وقراءة القرآن كي يقدم عملاً موضوعياً بعيدا عن الانحياز العاطفي، مع كل ما تحمله فكرة الفيلم من انحياز لحساب عقيدة على حساب أخرى. أما بطل الفيلم فتعلم الكثير عن الإسلام بما في ذلك كيفية الأذان للصلاة، فكان يؤذن في الفيلم على نحو نال استحسان مسلمين شاهدوا الفيلم.  

 

تدور أحداث الفيلم حول الجندي السوفيتي (نيقولاي إيفانوف) الذي وقع في أَسْر المجاهدين، وظل في قبضة أيدهم طوال 7 سنوات، انتهت بإصدار قرار يقضي بتنفيذ حكم الإعدام فيه. وفي أثناء اقتياده لتنفيذ الحكم فيه رمياً بالرصاص، رق له قلب مزارع أفغاني فدفع بالمال لافتدائه، فصار بالنسبة له معيناً في الأرض عوضاً عن ابنه الذي قُتل في الحرب. اعتنق نيقولاي الإسلام وغيّر اسمه، ولم يكن ذلك قرارً بدافع المجاملة أو بهدف استجداء التعاطف معه وإنما عن قناعة تامة، إذ ظل الشاب على دينه حتى بعد عودته إلى قريته في الوطن.

 

وهنا، أي مع عودته، يخوض عبد الله مواجهة ولكن من نوع آخر، مع أقرب المقرّبين إليه من أهل وأصدقاء وأهالي في القرية، يتبلور باختلافات في الرؤى أدت إلى خلافات تدور حول متناقضات لم تكن للقرية أي معرفة بها، وذلك عبر إظهار كيفية تعاطي المسلم مع أمور حياتية بسيطة ومألوفة في روسيا، على خلفية العلاقات الأسريّة والمال وتناول الكحول وما إلى ذلك، ما أدى إلى  مشاحنات أسفرت عن احتكاك مباشر بين عبد الله وشقيقه المسيحي فيودور (بأداء الممثل ألكسندر بالويف)، تجاوزت التعنيف اللفظي من قِبل الأخير الذي  تمادى ليعتدي على شقيقه المسلم بالضرب.

 

ومن أكثر الأقوال اانتشاراً واقتباساً مما جاء الفيلم، ما جاء على لسان "عبد الله" حين قال لجمع من أبناء قريته: "إذا لا تقدرون على الصلاة فلا تصلوا، لا تقدرون على الإيمان بسسوع المسيح لا تؤمنوا به، لا تقدرون على الإيمان بمحمد لا تؤمنوا به. ولكن فلتعلموا يقيناً أن الشيطان سيأتي وسستؤمنون به لأنه سيرغمكم على ذلك.
تم تصوير الفيلم في إحدى قرى مقاطعة ريازان، بكل ما تحمله القرية من معنى بعدم توفر سبل الراحة، علماً أنه كان بالإمكان تصوير الفيلم في أحد الاستوديوهات. ويُشار إلى أن عدد الممثلين الحقيقيين في هذا الفيلم قليل، إذ اعتمد المخرج على أهالي القرية، وهو ما يفسر إرشاداته للفنانين المحترفين المشاركين في "موسيلمانين" حين قال لهم: "لا تمثلوا.. عيشوا المشاعر الانسانية على سجيّتهم"، وقد أبدع كل الممثلين في أدائهم، بالإضافة إلى كاتب السيناريو والمخرج، حتى أنهم نالوا جوائز متعددة في أكثر من مهرجان محلي، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم في روسيا عن عام 1995.

 

وعلى الرغم من أن تقييم النقاد السينمائيين في روسيا للفيلم كان إيجابياً، إذ نال هذا العمل الكثير من كلمات المديح والإطراء، إلا أن بعض المهتمين بالفن السابع أشاروا إلى أن الفيلم صوّر حياة الريف الروسية بشكل سلبي، وإن أكد هؤلاء على أن ذلك لم يكن بتجاوزات مثيرة للاستياء بشكل عام، علماً أن الجمهور أثنى على فكرة الفيلم وأسلوب طرحها، لما تثيره من قضايا حساسة قد يفضل الكثيرون عدم الخوض فيها

Images: "A Moslem" Film