Ru En

أفريقيا - أول جامعة في العالم

١٦ مارس ٢٠٢٠


هل تعلم أن القارة الإفريقية المكتظة بالسكان لها ماض ثري وفي غاية التنوع، بما في ذلك إرتباطها بالإسلام . اليوم سنحاول فتح ستار هذا التراث الغني و التحدث عن أول مؤسسة تعليم عالي في العالم.


تمبكتو هي مدينة صغيرة تقع في مالي، غرب القارة الافريقية وهي مريحة ووثيرة للغاية، تم تأسيسها قبل 1800 عام. من الغباء أن ننكر أنه في العصور الوسطى في أوروبا كان هناك إزدهار للطباعة والكتابة، وبفضله تم إنشاء ملايين المخطوطات، مئات الآلاف منها محتفظ بها حتى يومنا هذا. لكن الجامعة الأولى لم تظهر في أوروبا، بل في مدينة تُمبكتو بمالي في إفريقيا .

 

أفريقيا - أول جامعة في العالم

 

في غرب إفريقيا، أصبحت مدينة تمبكتو مرادفة للعزلة واللغز الغامض، وربما اكثر ما يمكن تخيله. ومع ذلك، على مر القرون، لم تكن مركزاَ كبيرا للتسوق فحسب، بل كانت أيضا مركزا للبحث العلمي والاكتشافات. وصلت المدينة الى عصرها الذهبي في القرن السادس عشر، عندما كانت تحت سيطرة إمبراطورية سونغهي. كتب جون هانويك وأليدا جاي بوي في كتابهما بعنوان "الكنوز المخفية في تمبكتو" ، الذي نشر على نطاق واسع في عام 2008: "من المعروف بالوثائق تم تسجيل حوالي 25000 طالب في تمبكتو، وهذا الرقم يشكل حوالي ربع سكان المدينة".


في هذه المدينة الإسلامية، هناك ثلاثة مساجد كبيرة، دُرس بها القرآن الكريم ، الكتاب المقدس للمسلمين، وطريقة هذا الشكل من التعليم يعتبر الأساس للتعليم التقليدي. وقام أهل العلم بالمدينة بتجميع ونسخ وترجمة الأعمال في العديد من المواد، بما في ذلك علم الفلك والرياضيات والقانون والجغرافيا . في الفلم الوثائقي في الـــــ " بي بي سي " الخاص بالجامعة، لاحظ الباحثون حقيقة أنهم عثروا على وثائق وترجمات علمية توصف كيفية استحضار معجون أسنان يزيد عمرها عن 500 عام .

 

في نهاية عام 2012 ، تعرضت مدينة تمبكتو لهجوم وحشي من قبل الجماعات المتطرفة التي وصلت إلى السلطة في شمال مالي.


يكتب جيفري يورك، مراسل صحيفة جلوبال اند مايل الكندية بعد هذا الهجوم : "هاجم المتمردون الإسلاميون الراديكاليون في شمال مالي مرارا وتكرارا مؤسسة تعليمية رائدة ونبشوا قبور الاولياء والصالحين وكسروا أبواب مسجد يعود الى القرن الخامس عشر". وفقا له ، بالإضافة إلى الدمار المعماري ، فإن مكتبات المدينة، المليئة بالمخطوطات النادرة والتي تعود اصولها إلى عدة قرون ولا تقدر بثمن للعالم كله، مهددة الآن بالزوال.


أين تقع مدينة تُمبكتو؟

 

أفريقيا - أول جامعة في العالم

 

وجدت تمبكتو موقعا ملائما لها في دولة مالي في غرب إفريقيا على الطرف الجنوبي من الصحراء. تأسست المدينة على بعد 12 ميلاً (أو 20 كيلومترا) شمال نهر النيجر. في عام 2009 ، وبلغ عدد سكانها حوالي 54000 نسمة.


تُظهر السجلات و الحفريات التاريخية التي قام بها علماء الآثار أن المدينة تعود إلى 1100 م على الأقل، إن لم يكن الى وقت سابق.


وكتب دوغلاس بارك، عالم الآثار من جامعة ييل، الذي أجرى أعمالا في تمبكتو في عام 2008 ، في نشرة جمعية أبحاث غرب إفريقيا ومركز أبحاث غرب إفريقيا: " تشير الحفريات إلى أن المستوطنات الحضرية الكبيرة الدائمة في تمبكتو قد نشأت في 200 للميلاد. وتعود المستوطنات الأولية إلى أواخر العصر الحجري ".


ويلاحظ أيضا أن هذه المدينة القديمة كانت لها علاقات وثيقة جدا مع " قبائل البروتو البربرية " التي جاءت إلى هذه الأراضي من الصحراء الشرقية. "هناك أدلة على أن تمبكتو أصبحت جزءا من طريق التجارة عبر الصحراء بحلول عام 600 م ، كما يتضح من الخرز الزجاجي والنحاس الموجود في مقابرهاعلى غرار شمال افريقيا.


وتجدر الإشارة إلى أن التجارة المحلية بالمدينة بدأت بالذهب القادم من الجنوب مرورا عبر الصحراء وصولا مباشرة إلى شمال إفريقيا. وكتب هانفيك وبويئ : "كان الملح الصخري هنا أهم عنصر للتبادل مقابل الذهب" ، وكما أشاروا أيضا إلى أن المؤرخ العربي العُمري في القرن الرابع عشر في كتاباته ليس كانا مبالغا عندما قال أن الناس في غرب إفريقيا يتبادلون وعاءاَ من الملح يقابله وعاء من الرمال الذهبية" .


المسجد الكبير


تم بناء ثلاثة مساجد كبيرة في تمبكتو وسرعان ما أصبحت من أكثر المعالم الأثرية شهرة في المدينة. الاعمدة المرئية على جوانب المباني ليس فقط تعطي شكلاَ جماليا فحسب، بل أيضا ليتمكن عمال البناء من إعادة ترميم سطوح هذه المساجد.


كتب الباحثان، جوناثان بلوم وشيلا بلير في موسوعة غروف للفن والعمارة الإسلامية (اعمال جامعة أكسفورد ، 2009) أنه في عام 1325 تقريبا، عاد إمبراطور مالي من الحج في مكة مثقلاَ بالذهب، كانت اعمال بناء مسجد في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة قد بدأت (المعروف أيضا باسم "المسجد الكبير"). حيث قاد المهندس المعماري والشاعر أبو إسحاق الساهلي الأعمال المعمارية والإنشائية  . وأعيد بناء المسجد من جديد في القرن السادس عشر، وبعد ثلاثة قرون أخرى تم تعديله قليلاً  من ترميمه.


وكما كتب بلوم وبلير: " بُني المسجد من الطوب والحجر المسحوق، ويضم أبراج ركنية مخروطية الشكل، ومئذنة يبلغ ارتفاعها حوالي 16 مترا [50 قدما] ، وسقفا مسطحا يرتكز على أروقة من الدعامات الحجرية والعديد من أقواس الحجر الجيري المقبب".

 

أفريقيا - أول جامعة في العالم

 

تم بناء مسجد آخر يسمى "سانكوره" في الجزء الشمالي من المدينة وأصبح مركزا للمعرفة. الجدران الداخلية لبيت الله سبحانه وتعالى، وفقا بلوم وبلير، تتوافق مع الاشكال الخارجية لما هو في الكعبة في مكة المكرمة.


أصبحت منطقة المدينة التي يقع فيها مسجد سانكوره، والمعروفة باسم حي سانكوره، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتعليم. جذبت إليها العديد من العلماء ليس فقط للتدريس، ولكن للبقاء والعيش، وبالتالي أرتفعت مكانة الجامعة وازدادت أهميتها.
يوجد مسجد آخر بني في وسط المدينة في القرن الخامس عشر. يطلق عليه مسجد " سيدي يحيى". بعد خمس سنوات، سيتم ترميم المبنى باستخدام الاحجار من قبل اصحاب الفن المعماري الفرنسيين. 


مركز التعليم والتأهيل

 

أفريقيا - أول جامعة في العالم

 

في حين كان الذهب هو السلعة المصدرة الرائدة في تمبكتو ، فقد اعتبرت الكتب واحدة من أهم السلع المستوردة. "هناك العديد من القضاة والعلماء والأئمة في تمبكتو، يتقاضون أجورا جيدة مقابل عملهم من الخزانة العامة للدولة. والسلطات المحلية تقدر الناس المتعلمين.العديد من الكتب المكتوبة بخط اليد القادمة من البربري تعرض للبيع وهذه المبيعات أكثر ربحية من أي سلع أخرى "، ويمكن العثور عليها في السجلات التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر.


على الرغم من أن المساجد مثل سانكور كانت المراكز الرئيسية للتعلم ، فإن معظم الأنشطة التعليمية اليومية تتم في مكان غير رسمي - في منازل أهل العلم أنفسهم: "جوهر التقليد الإسلامي للمعرفة هو نقل المعرفة من المعلم الى الطالب من خلال مجموعة تسلسلية". مثلا يستمع الطالب إلى إملاء المعلم ، ويكتب نسخته الخاصة، و يعاد قراءتها بنفسه، ثم يستمع إلى طالب آخر يقرأها. لاحظ الباحث عبد القادر حيدرة أن المخطوطات الباقية في حالة سيئة، حيث أصبحت ضحية للنمل الأبيض والرطوبة وغيرها من المشاكل والتي لولها لكان عدد المخطوطات المقدر الان بالمدينة وضواحيها بالملايين.


مواد مكتوبة بخط اليد

 

أفريقيا - أول جامعة في العالم

 

تمت كتابة مخطوطات تُمبكتو بالخط العربي ومعظمها باللغة العربية، بالاضافة الى لغات محلية أخرى أيضا. إذا تحدثنا عن مظهر المخطوطات، فقد كانت أوراقا عادية موضوعة وسط غلاف، وأحيانا كانت كلها مغطاة بشريط من القماش. بسبب نقص أنماط الخياطة أو أي علاقة بين اجزاء النصوص والأغلفة، فمن الصعب فهم العلاقة بين الغلاف ومحتويات الكتاب. وهناك حقيقة أن الأغطية الملفوفة بأوراق عديدة ربما تم نقلها من كتب إلى أخرى وهذا صعب عمل الباحثين. يمكن أن تتكون المخطوطة من نصوص ووثائق مختلفة ، تتكون من عدد مختلف من الأوراق ، تتراوح من عشرات إلى مئات. اليوم ، تُحفظ مخطوطات تُمبكتو بشكل رئيسي في منازل خاصة بالعائلات ، حيث يتم الاحتفاظ بها تقليديا، وايضا في معهد أحمد بابا الذي يعتبر مؤسسة حكومية


الدراسات الأوروبية


بدأ تراجع مدينة تمبكتو كمركزا للتعلم في عام 1591 ، بعد أن تم احتلاله من قبل جنود المغرب. على الرغم من حقيقة أن هناك أعمال عظيمة ستسود المدينة في المستقبل، الا انها لم تتمكن من استعادة مكانتها وروعتها السابقة.


باحثون أوروبيون، جذبتهم الى هنا أكثر حكايات الذهب، حيث بذلوا جهودا كبيرة للعثور على المدينة، ولكن فقط في عام 1828 ، تمكن المستكشف الفرنسي رينيه كايو من زيارة تمبكتو والعودة إلى الوطن . في وقت لاحق، في القرن التاسع عشر ، بنى الفرنسيون إمبراطورية استعمارية في معظم أنحاء غرب أفريقيا. حكموا تمبكتو حتى عام 1960 ، حتى استعادت مالي استقلالها.


رغم الاستيلاء الأخير على السلطة من قبل الجماعات المتطرفة، الا ان أمناء المكتبات، والعلماء حققوا نجاح كبير في الحفاظ على المخطوطات الحضرية. الآن هذه الإنجازات، بما في ذلك المخطوطات القديمة، في خطر الانقراض. وإذا فقدت هذه المخطوطات فالى الابد لم نجدها لان نسخ اخرى منها لا توجد.

 

  إيلميرا غافياتولينا