Ru En

لماذا يعتبر المسلمون القدس مدينة مكرمة ؟

١٣ فبراير ٢٠٢٠

إذا كان لديك زميل مسلم في العمل أو ربما صديق أو جار يدين بالإسلام ، فعندئذ أعتقد أنك تلاحظ في كثير من الأحيان كيف يختلي بهدوء في أوقات معينة لإتمام أحد أركان الإسلام - إقامة الصلاة . من المعروف اقامة الصلاة في اتجاه الكعبة المشرفة، يمكنك في كثير من الأحيان مشاهدة كيف يدور الشخص حول نفسه، في البحث على الاتجاه الصحيح نحو الكعبة.


ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال دائما. سابقا، صلى المسلمون والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في اتجاه المسجد الأقصى في القدس والذي يوصف في القرآن كمكان مبارك. وبالتالي ، يعتبر الاقصى ثالث الحرمين الشريفين للمسلمين (بعد مسجدي مكة والمدينة). إذا نظرنا في التاريخ وتأملنا في سيرة الأنبياء والمرسلين مثل سيدنا إبراهيم وسليمان وموسى وعيسى (عليهم السلام) ، سنرى أن القدس كانت دائماً ذات اهمية في تاريخ البشرية لانها اولى القبلتين.


يعرف المسلمون أن الله سبحانه وتعالى اسرى بسيدنا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليلاَ من المسجد الحرام إلى القدس الشريف على البراق . حيث كان هناك في استقباله جميع الأنبياء الذين ارسلهم الله  لهداية البشرية، حيث كلهم صلوا جماعة وراء سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم). في هذا الصدد، ليس من المستغرب أن يكون المسجد المبني على جبل النبي سليمان ( عليه السلام) ويديم ذكرى جميع الأنبياء والأديان السماوية مهماَ للمسلمين في جميع أنحاء العالم.


في وقت لاحق، حين كان سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) مازال حياَ، تم تغيير اتجاه القبلة إلى مكة. لكن لماذا لم يصلوا المسلمون في اتجاه الكعبة منذ البداية؟ أولاً ، كان الاتجاه الأصلي هو تمثيل رمزي للمعتقدات والتراث المشترك للمسلمين واليهود والمسيحيين. اعتبر الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) جميع الأنبياء السابقين اخوانا له، وكان من خلال الصلاة في اتجاه القدس يمثل الاشادة بالارث المتراكم. تغير اتجاه القبلة لاحقًا تم حتى يسهم الإسلام مساهمة فريدة في هذا الإرث النبوي. ومع ذلك، لاحظ أنه على مدار التاريخ، سوف يستمر تبجيل المسلمين للقدس ومقدساتها بالقيمة التي كانت لديهم لكل رسل الله عليهم السلام.


أهمية للدين


سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ألهم وشجع المقربين منه وأتباعه على حبهم للقدس والمسجد الأقصى: قال النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة واحدة تقرأ في الأقصى تساوي  500 مرة في الأهمية. وأمر المسافرين: "إذا كنت ستسافر إلى أي مكان في العالم ، فلتكن زيارة المسجد في القدس الشريف من الأولوية".


كما أشار النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى أنه إذا كانت النية عند زيارة المسجد نقية وصادقة، فإن الله سبحانه وتعالى سيغفر له كل الذنوب. ومع ذلك، ربما، يجدر التنويه الى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا لم تتمكن من زيارة المسجد الاقصى، فأرسل مايساعد على الأقل لإضاءة المصابيح فيه". بمعنى آخر، بذل قصارى جهدك لدعم المسجد والمصلين فيه، بغض النظر عن موقعك الجغرافي".


معالم في التاريخ


بعد سنوات قليلة من وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أصبح  سيدنا عمر بن الخطاب خليفة من بعده. خلال فترة حكمه فتح المسلمون القدس. وعندما انطلق الخليفة عمر نحو المقدسات ، دعاه البطريرك إلى الصلاة في كنيسة المقدس الا انه رفض الصلاة هناك، لأنه كان يخشى أنه إذا اُقميت الصلاة في الكنيسة، فإن المسلمين سيرغبون بعد ذلك في تحويلها إلى مسجد. واحتراماَ لسيدنا المسيح عليه السلام، اختار الخليفة عمر الصلاة في مكان قريب من الكنيسة. وفي نفس المكان الذي اقام سيدنا عمر الصلاة، بنى المسلمون في وقت لاحق مسجداَ سمى باسمه، والذي مازال حتى يومنا هذا مكاناَ مقدساَ للمسلمين تقام به الصلوات .


خلال هذه الزيارة، عقد سيدنا عمر اتفاق مع سكان القدس، ووعدهم بسلامة ارواحهم وحفظ ممتلكاتهم وتأمين حرمة الكنائس وضمان امن المجتمع ككل، مؤكداً لهم  أن لن يصب احدا منهم بأذى ولن يجبر على ترك دينه لدخول الاسلام، ولن يتم تدنيس الأماكن المقدسة او العبث بها. كان هذا الاتفاق ساري المفعول به خلال معظم الحكم التاريخي الإسلامي في القدس. على سبيل المثال، على الرغم من سنوات سفك الدماء خلال الحروب الصليبية، التي سبقت الاستيلاء على القدس، كان صلاح الدين رحيماً بالآلاف من المدنيين كما ترك تقريباَ جميع الأضرحة الدينية دون أن يمسها أحد . بالمثل، في عهد السلطان العثماني سليمان، تم توسيع وتحسين الجدار الغربي للمبنى، وأصبح في النهاية مكاناَ للعبادة للعديد من اليهود في القدس. كما أن ادارة المحاكم العثمانية تشهد على مشاركة اليهود في المحاكم الإسلامية بوصفهم اما مدعين أوشهود، أو في تبوئهم مناصب إدارية.


المسلمون والقدس


كرّم المسلمون عبر التاريخ محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الحقيقة للقدس وكل ما يرمز إليها. لقد كان تقليدًا احترام الاماكن المقدسة حيث كان الانبياء يخافون علهيا من العبث.  نحن المسلمون نعتبر مدينة القدس مكرمة ، ليس فقط لأنها تعتبر رمزا لجميع الأديان، ولكن أيضاَ لأننا نسعى بجدية لحماية مكانتها كرمز للإخاء بين الرسل والشعوب. وقبل كل شئ نحن نحب القدس، لأن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يعتز بتراثها الإلهي، رغم كل الأفراح والمحن التي عاصرتها ومرت بها القدس.

 

Ilmira Gafiyatullina

Photo: Walkerssk / Pixabay