Ru En

الإسلام والمسلمين بالأدب الروسي في القرن الـ 19

٠٤ سبتمبر ٢٠١٩

قد لا يبدو غريبا على عربي مسلم أن يسمع مواطنه العربي المسيحي يقول إنه مسيحي العقيدة إلا أنه مسلم الثقافة، وذلك بحكم الاختلاط اليومي وتماهي الثقافات في بوتقة واحدة.

 

لكن أن يكون الإسلام مكوّن، ولو إلى حد ما، في هوية شعب بعيد، نسبياً، عن الشرق الإسلامي كروسيا، وإن عرفت هذه البلاد الإسلام والمسلمين عن قرب ومنذ زمن طويل، فإن ذلك يبدو غريباً بعض الشيء للبعض.. فما بالك وأن الإسلام حاضر في كلاسيكيات الأدب الروسي، في القصيدة والرواية، سطرتها أياد أساطين الإبداع باللغة الروسية في هذا المجال، الذي يحظى باهتمام كبير من قِبل كافة فئات الشعب الروسي وممثلي الإثنيّات التي تقطن هذه البلاد.

 

بوشكين، ليرمنتوف، تيوتشيف، دوستويفسكي، تولستوي.. أسماء من روسيا لمعت في سماء الأدب والشعر العالميين، حُفرت أعمالهم الخالدة في ذاكرة الإبداع، وربما لا يعلم كثيرون من قرائهم أنهم أولوا، عبر مؤلفاتهم، اهتماما كبيراً بالإسلام.

 

وضعت الحرب الروسية-العثمانية الثانية، من أربعة حروب بين الطرفين شهدها القرن الـ 19، وضعت أوزارها في عام 1829 بتوقيع معاهدة أدرنة بعد مواجهات استمرت لأكثر من عام.

 

والجدير بالذكر أن اثنين من الروس، ممن خطوا أسماءهم بالذهب في عالم الأدب، شاركا في هذه الحرب، هما ألكسندر بوشكين وفيودور تيوتشيف، وكانا في صفوف الجيش الروسي الذي سيطر على أرض روم تحت إمرة الجنرال إيفان باسكيفيتش.. علماً أن تيوتشيف كان يمثّل الدبلوماسية الروسية في أوروبا.

 

وقد ربط تيوتشيف بين هذه الحرب والحملة الروسية على القسطنطينية في عام 907 بقيادة الأمير أوليغ، مستلهماً منها واقعة تثبيت الأمير درعه على بوابة المدينة القديمة إعلاناً للنصر، فكتب الشاعر قصيدة تضرع بها إلى الله، إي إله المسلمين إذ قال فيها:

 

يا الله.. الق نورك علينا

أنت البديع والعون (النصر) للمؤمنين

أنت رعب الكفار والمرائين (المنافقين)

رسولك محمد.. خاتم المرسلين

 

أمضى الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي 4 سنوات في السجن، بعد تخفيف الحكم الصادر في حقه بالإعدام، وذلك على خلفية انضمامه إلى مجموعة سرية مناهضة للقيصر. وكان يراسل شقيقه ميخائيل فطلب منه في إحدى رسائله أن يبعث له نسخة من القرآن الكريم. علّق دوستويفسكي على كتاب المسلمين بقوله إنه يحث على عمل الخير. كما أنه درس التاريخ الإسلامي وسيرة النبي محمد الذي بدا واضحاً تأثيره عليه في رواياته، إذ كان يستشهد بأقواله، بالإضافة إلى لجوئه في أعماله الأدبية إلى مفردات تحمل معاني قرآنية وإسلامية خالصة.

 

الإسلام والمسلمين بالأدب الروسي في القرن الـ 19

فيودور دوستويفسكي / Public Domain

 

كان دوستويفسكي يؤكد على أن ألكسندر بوشكين تعمّق في روح القرآن، وأنه أول شاعر وصف الإسلام بأنه دين عالمي، عبّر دوستويفسكي عن علاقة بوشكين بالإسلام بقراءة قصيدة "الرسول" التي استوحاها مؤلفها من القرآن ومن حياة النبي محمد، تحدث فيها عن حادثة شق الصدر، التي ربما لا يعرفها بعض المسلمين، وذلك في فعالية احتفاء بشاعر روسيا الأول في ذكرى وفاته في عام 1880.

 

وقد كان القرآن الكريم مصدر إلهام للشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، الذي يوصف بأنه كل شيء في روسيا، إذ أنه عكف على دراسته والتأمّل في مفرداته ما أن حصل في عام 1790على نسخة منه مترجمة إلى الروسية عن الفرنسية، هدية من صديقته بولينا أوسيبوفا، علماً أنه قرأ كتاب المسلمين المقدّس باللغتين، فاستوحى من معانيه أسلوب صياغة استثنائي فكتب يقسِم في مطلع قصيدته "محاكاة القرآن":

 

أقسم بالشفع وبالوتر

أقسمت بالسيف وبالنصر

وقسما بنجمة الفجر

وبصلاة الظهر والعصر

 

الإسلام والمسلمين بالأدب الروسي في القرن الـ 19

ألكسندر بوشكين / Public Domain

 

أما ميخائيل ليرمنتوف، سليل أسرة ليرموث الاسكتلندية العريقة، أحد أهم شعراء روسيا الرومانسيين، فقد لامس الإسلام وتعاليمه مبكراً، وذلك من خلال القوقاز الذي كان بمثابة البوابة التي دخل عبرها إلى الشرق، الأمر الذي انعكس على أعماله حتى أنه لُقّب بشاعر القوقاز.

 

درس ليرمنتوف اللغة التترية، وكان يردد «أما أي محدثيه أنه تعلم الكثير من الآسيويين (في إشارة إلى الشطرين الشرقي والجنوبي من روسيا)، "وأتوق إلى سبر أغوار الروح الآسيوية الغامضة وفلسفتها، التي نجهل الكثير عن حاذقيها ولكن كن على ثقة بأنه هناك في الشرق مخبأ اكتشافات جديدة».

 

كتب ليرمنتوف رواية "بطل من هذا الزمان" في الـ 24 من عمره، أي قبل سنتين من وفاته، وتدور أحداثها حول ضابط شاب يخدم في القوقاز. تعد هذه الرواية علامة فارقة في حياة الأديب الروسي، إذ أنها جاءت كحد فاصل بين مرحلتي الرومانسية والواقعية التي مهّد لها الروائي الشاب، ليكون صاحب التأثير الواضح على علمين من أعلام الأدب العالمي في روسيا.. فيودور دوستويفسكي وليف تولستوي.

 

الإسلام والمسلمين بالأدب الروسي في القرن الـ 19

ميخائيل ليرمنتوف / Public Domain

 

من الأفكار المهمة التي يطرحها ليرمنتوف في هذه الرواية هي أنه لا ملحدين في الحرب، إذ كثيراً ما يتحدث المحاربون عن الإله، وهي الفكرة في جزء من الرواية بعنوان "المؤمن بالقدر"، حيث يسلّط ميخائيل ليرمنتوف الضوء على الإيمان بالقضاء والقدر في الإسلام وأن لكل انسان نصيبه المحدد في الحياة، وأن هذه الفكرة تلقى رواجاً بين مسيحيين كُثر.

 

ليف تولستوي. يصعب القول إن هناك في العالم من لم يسمع باسم هذا الروسي أو لم يقرأ معلومة عنه، حتى وإن لم يقرأ أبداً أي رواية من ابداعاته أو لم يقع بصره على مقولة من أقواله الفلسفية العميقة.

 

من المعروف أن تولستوي كان باحثاً عن الدين منذ صغره، وأنه قرأ في كتب الأديان على مختلف توجهاتها، ومنها، بطبيعة الحال، القرآن الكريم. بالإضافة إلى ذلك راسل الأديب الروسي الأشهر مفتي الديار المصرية محمد عبده، الذي تصفه الأدبيات الإسلامية بالإمام التنويري والشيخ المجدد، وعبّر في رسائله عن إعجابه بالدين الإسلامي وبالنبي محمد "الذي اختاره الله ليكون آخر المرسلين".

 

ابتدع ليف تولستوي، ذو النزعة الإنسانية بامتياز، منظومته الخاصة التي جسّد بها رؤيته في الإيمان بالرب الخالق، عبارة عن أحجية تُسمّى مثلث تولستوي، حيث وضع الأديب الروسي إنساناً في إحدى زواياه وفي الزاوية الثانية وضع الإله، ثم طرح سؤاله عمّن يجب أن يكون في الزاوية الثالثة، ليقدم الإجابة بنفسه وهي: إنسان آخر.. بمعنى أن وصول الانسان إلى الرب لا يتم إلا من خلال علاقته بأخيه الإنسان.

 

 

الصورة: TheUjulala / Pixabay