Ru En

لمحة عن أدب روسي بروح إسلامية

١٢ سبتمبر ٢٠١٩

شكّل الإسلام بالإضافة إلى المسيحية عاملين روحانيين مهمين من الشرق، في تكوين الشخصية الروسية، ومصدر إلهام للإبداع في روسيا على المستويين الفني والأدبي، وذلك بحكم أن روسيا كانت بيئة حاضنة لمختلف الثقافات. وفي هذا الشأن كتب فيودور دوستويفسكي عن رحابة صدر الشعب الروسي لتقبّل الآخرين بأريحية. ويبلغ عدد العرقيات التي تعتنق الإسلام في روسيا وفي الجوار حوالي 40 عرقية، موزعة ما بين التتار والباشكير وشعوب شمال القوقاز وآسيا الوسطى وأذربيجان.

 

تعود أولى المخطوطات التي جاءت على ذِكر الإسلام في الأدب الروسي القديم إلى القرن التاسع الميلادي، في سياق الترجمات عن سرديات يونانية وكتابات في الجدلية المسيحية. وعلى الرغم من خضوع الكثير من مساحات روسيا في منتصف القرن الـ 13 إلى حكم القبيلة الذهبية، إلا أنه لم يكن قد تبلور اهتمام كبير بالإسلام وبالقرآن في حينه. أول من ذكر لبلاد المسلمين في مخطوطات كُتبت باللغة الروسية كانت على يد الراهب دانييل، أول روسي كتب في وصف الأراضي المقدسة، والرحالة ستيفان نوفوغوروديتس الذي زار القسطنطينية، وذلك في القرنين الـ 12 والـ 14 على التوالي.

 

ولكن شيئاً فشيئا بدأت التقاليد الثقافية والأعراف الدينية لدى الشعوب الإسلامية تلفت الانتباه في روسيا لا سيما في صفوف المفكرين. من هؤلاء التاجر الروسي من مدينة تفير أفاناسي نيكيتين، المعروف أيضاً باسمه خوجه يوسف خرساني (1475-1433)، صاحب مؤلفه الشهير في روسيا "رحلة إلى ما وراء البحار الثلاثة"، الذي لم يقتصر تناوله فيه على عادات وتقاليد المسلمين، وإنما أشار من خلاله بإسهاب إلى نمط حياة المسلمين في بلاد العرب الهند وفارس. وقد طعّم التاجر-الرحالة كتابه بمفردات عربية وتركية وفارسية، علاوة على أنهه وثّق به أحداثاً تاريخية لم يلقَ عليها الضوء في أي من مصادر عصره التي وصلت روسيا.

 

لمحة عن أدب روسي بروح إسلامية

افتتاح النصب التذكاري أفاناسي نيكيتين في الهند / Crab111CC BY-SA 4.0

 

حتى منتصف القرن الـ 15 لم تحمل الروح الأدبية في روسيا أي نفحة من العداء أو الخصومة للإسلام، واستمر الحال على ما هو عليه إلى سيطرة القيصر إيفان الرهيب على مدينة قازان عام 1552، الحدث الذي مهّد إلى تحول في هذا الشأن. وجراء الأزمة المتواصلة مع المسلمين في الجوار، بدأ الصراع يكتسب ملامح المواجهة السياسية مع الدولة.

 

أول عمل أدبي تناول التعاليم الواردة في القرآن الكريم قام به الأرشمندريت الأوكراني إيونيكي غالياتوفسكي (1688-1620)، وكان عبارة عن ترجمة من اللغة البولندية إلى الروسية، مع الأخذ بعين الاعتبار الإلمام السطحي بجوهر القرآن الروحي، ما أدى إلى ظهور المزيد من المؤلفات التي كانت تحتوي على معلومات غير صحيحة عن ماهية الدين الإسلامي.

 

اتخذت أولى محاولات إعادة النظر في الإرث الإسلامي في القرن الـ 18، الذي شهد ظهور أول ترجمة لمعاني القرآن إلى اللغة الروسية. في عام 1722 صدر في بطرسبورغ كتاب مترجم عن اللغة اللاتينية بعنوان "المنظومة أو حال العقيدة المحمدية"، أشرف على ترجمته الأمير دميتري كانتيمير (1723-1663).

 

كما كان للراهب، الكاتب فاسيلي غريغوروفيتش-بارسكي أيادٍ بيضاء إذ علّم بما عرفه عن الإسلام، بعد أن طاف هذا الناسك على قدميه فلسطين وسوريا ولبنان ومصر واليونان حاملاً عصاه، ليعود إلى مسقط رأسه كييف التي وُلد ومات فيها (1747-1701).

 

ويُذكر أن الشاعر الروسي جافريلا ديرزهافين كان يفاخر بأصوله التترية، علماً انه عاش سنوات طفولته في مدينة قازان. ومع سيطرة روسيا على إقليم القوقاز أصبح القرآن والقصص المذكورة فيه، والإسلام عموماً، محط اهتمام أكبر في صفوف الأدباء والشعراء الروس ومصدر إلهام لهم، ما جعل الإسلام جزء لا يتجزأ من الثقافة الروسية.

 

لمحة عن أدب روسي بروح إسلامية

جافريلا ديرزهافين / Public Domain, Vladimir Borovikovsky

 

اتخذ العديد من الأدباء الروس محاولات للغوص في بحر الثقافة والمعتقدات الإسلامية، يُذكر منهم، على سبيل المثال، أندريه بودولينسكي (1886-1806)، وذلك في ملحمته الشعرية "ديف وبيري"، وكذلك في أشعار فييلمير خليبنيكوف (1922-1885) وسيرغي يسينين (1925-1895) وآنا أخماتوفا.. واسمها الحقيقي آنا غورينكو (1966-1889). وقد شهدت الفترة ما بين نهاية القرن الـ 19 ومطلع القرن الـ 20 حركة ترجمة إبداعات أدبية من اللغتين العربية والفارسية إلى اللغة الروسية أشرفت عليها كوكبة من المستشرقين، ما أعاد الضوء إلى الثقافة الإسلامية بزخم أكبر.

 

وقد اقتبست ميرا لوخفيتسكايا (1905-1869) فكرة ملحمتها الشعرية "في الطريق إلى الشرق" من قصة النبي سليمان الحكيم وملكة سبأ بلقيس القرآنية، كما ظهر تأثير القصص القرآني وطريقة صياغته على الشاعر، الروائي والمترجم إيفان بونين (1953-1870)، الحائز على جائزة نوبل في الأدب لعام 1933، إذ كان يستعين بمفردات قرآنية ويستلهم من القصص المذكورة في كتاب المسلمين ما يساعده على الإبداع.. ما يعكس علاقته الوجدانية العميقة التي ربطته بالإسلام.

 

ثمّن الأدباء والشعراء الروس شجاعة أبناء الأمة الإسلامية وإخلاصهم اللامتناهي لدينهم، وكذلك سمو أخلاقهم ونقاءهم الروحي، إذ كانوا يترفعون عن السياسة، كما جعلتهم الحياة التي جمعتهم بهم يتلمسون الكثير من صفاتهم الحميدة. وما تزال إبداعات الأدب الروسي التي تناولت البطولة الإسلامية والروح الإسلامية تُلهم القرّاء، وتحفّز في نفوسهم اهتماماً حقيقياً بالثقافة الإسلامية.

 

 

الصورة: afiq pilus on Unsplash

مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي"