Ru En

كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟

٢٩ يوليو ٢٠١٩

إن أحد الفرائض الخمسة للدين الإسلامي هو أداء فريضة الحج. ويعتبر هذا هو الحدث الأكثر أهمية في حياة جميع المسلمين. هذا ما تفرضه الشريعة الإسلامية، والتي تشكل الأساس للثقافة الإسلامية بأكملها وهي حج الحجاج المؤمنين في المسجد الرئيسية، الذي يوجد في المملكة العربية السعودية. ويتزامن توقيت أداء فريضة الحج مع بداية الشهر الثاني عشر بالتقويم الإسلامي الذي يسمى شهر ذو الحجة.

 


ويوجد الأن العديد من المؤسسات، التي يمكنها مساعدتكم بأقصى درجات الراحة للوصول إلى المملكة العربية السعودية. وسابقا، كان على الناس السفر سيرا على الأقدام، وكان ذلك قبل حوالي ستة أشهر من بداية فترة الحج، وكان لا بد من القيام بإجراء الكثير من الإختبارات والتأكد من وضع قدراتهم على التحمل والتأكد من قوة إرادتهم في الظروف الصعبة. حيث أننا نقترح العودة لعدة قرون إلى الوراء ومعرفة كيف كانت تجري طقوس الحج.

 


تعود طقوس أداء مراسم الحج إلى الرواية القرأنية وعن التضحية التي قام بها نبينا إبراهيم، حيث أمره الله سبحانه وتعالى بأن يذبح ولده. وفي طريقه إلى المكان الذي أراد أن يذبح فيه ولده، إلتقى إبراهيم عدة مرات إبليس وحاول ثني نبينا عن نيته هذه. ورد عليه برمي الحجارة على إبليس. وفي ذكرى هذه القصة فإنه يتوجب على الحاج بإلتقاط الحجارة ثلاث مرات ورميها على أعمدة خاصة تجسد الشيطان. وبعد ذلك، ونيابة عن الحجاج سوف يتم تقديم الأضحيات، ويقوم الحجيج بقص شعر رأسهم، ويخرجون من حالة الإحرام ويرتدون بعدها الملابس العادية.

 

 

كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟تعود هذه الصورة لعام 1907 ميلادية في المسجد الحرام في مكة / Public domain


في الأيام الخوالي، كان يتطلب من المسلم العادي تجميع كامل قواه البدنية والصحية والدينية للوصول إلى مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة. ولكن الأن، ومع كل سنة حيث يرتفع مستوى ومعيشة حياة الناس. وفي الوقت ذاته، أصبح شروط أداء أحد الفرائض الخمسة للدين الإسلامي أكثر راحة.

 

ثلاث طرق إلى مكة

 

أصبحت الشعوب التي تسكن الأراضي الحديثة لروسيا الإتحادية على دراية ومعرفة بالدين الإسلامي منذ فترة طويلة. على سبيل المثال، في وقت مبكر في عام 22 للهجرة أصبحت مدينة ديربينت الداغستانية جزءا من الخلافة. وبعد سنوات عديدة، ظهرت هنا دول كبيرة ووصلت في نموها، مثل: فولجسكايا بولغار، والقبيلة الذهبية، وخانة قازان، وخانة أستراخان، وخانة القرم، وخانة سيبيريا.

 

وفي ذاك الوقت، كان عدد الحجاج أقل بكثير بسبب العوائق الجغرافية والسياسية. وكانت إمكانية أداء فريضة الحج لمجموعة من الناس فقط – وهي للعلماء المسلمين، وللتجار، وكذلك للشخصيات السياسية. وكان الحج هو الخيط الرفيع، الذي يربط الجالية المسلمة في روسيا بالبلدان الإسلامية. ولم يكن هذا الإلمام بثقافة الشعوب الأخرى فحسب، بل كان أيضا لتبادل الأفكار، وإعتماد وتكييف لإنجازات الحضارة الإسلامية.

 

وبما أننا بدأنا الحديث عن النخبة الحاكمة، فإنه من المستحيل عدم تذكر بعض الحقائق المثيرة للإهتمام من تاريخ خانة قازان. على سبيل المثال، في عام 1494 ميلادية قامت أميرة قازان نورسلطان بأداء فريضة الحج عن طريق القاهرة. وفي عام 1517 ميلادية، سافرت مرة أخرى إلى الحج. وفي عام 1524 ميلادية غادر خان ساخيبيري عرش قازان وتركه بوصاة إبن شقيقه سفاجيري من أجل السفر إلى الحج في المملكة العربية السعودية. وقام بأداء فريضة الحج كذلك شهاب الدين مرجاني من قازان، والشيخ كونتا حجي كيشييف، والإمام شاميل، والشيخ زين الله إيشان راسوليف من بشكيرتوستان وغيرهم الكثير.

 

أما بالنسبة للتشريعات والقوانين الروسية، فقد ظهرت أول وثيقة قانونية، التي بدأ الحديث فيها عن الحج، وكان ذلك في عام 1802 ميلادية. ونصت هذه الوثيقة على السماح للسفر إلى الحج لسكان بخارى في روسيا. ومع ذلك، فقد أبدى السكان المسلمون في الإمبراطورية الروسية رغبتهم في القيام بأداء مناسك الحج قبل ذلك بكثير: يدور الحديث هنا عن التتار في شبه جزيرة القرم، الذين إحتفظوا بعدد من الإمتيازات، بما في ذلك، للقيام بأداء مناسك الحج والسفر إلى الأماكن المقدسة.

 


وفقط في العام 1855 ميلادية، في 27 من حزيران – يونيو، حصل المواطنون الروس على حق إمتلاك جوازات السفر. ووفقا للوثيقة الروسية، فإن الحاج الروسي قام بأداء مناسك الحج، وإن ذلك غير معروف على وجه اليقين.

 


في القرن التاسع عشر قام الحجاج الروس بأداء مناسك الحج، وكما هو معروف، كان ذلك من خلال ثلاث طرق مقبولة عموما.

 


1. عبر القوقاز والجزء الشمالي من بلاد فارس من خلال مفترق طريق كرمانشاه وبلدة حدودية مع تركيا تسمى خانكين، في إتجاه بغداد – مع زيارة الأماكن المقدسة للشيعة في قزوين، وكربلاء، والنجف، ثم عبر رمال الجزيرة العربية – إلى مكة والمدينة.

 

 

2. عبر سمرقند وبخارى إلى أفغانستان – ومن خلال مزار – شريف، وكابول وبيشاور إلى مومباي، ومن هناك عن طريق البحر إلى جدة أو يامبو، والتي تعد بمثابة موانئ لمكة المكرمة والمدينة المنورة.

 


3. من خلال موانئ البحر الأسود عبر إسطنبول والسويس إلى جدة أو يامبو، ومن هناك إلى مكة والمدينة.

 

 

 

كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟حصن الإمبراطورية العثمانية في مدائن صالح، عام 1907 ميلادية / Public Domain

 

وكان يقدر عدد الحجاج الذين ذهبوا إلى الحج عبر الطريق الأول بحوالي من 12000 إلى 15000 شخص سنويا. أما بالنسبة لأؤلئك الذين سافروا عبر بخارى وأفغانستان، فقد كان عدد الحجاج في المستقبل مختلفا بدرجة كبيرة – وكان عددهم يقدر بين 400 إلى 7000 شخص، ومعظمهم كان من سكان أسيا الوسطى. أما الطريق الثالث، الذي كان الأسهل والأقصر، كان من موانئ البحر الأسود إلى إسطنبول والسويس والتي كانت تستخدم من قبل كل التتار الروس والسنة القوقازيين والكازاخيين القريبين من داخل روسيا. وكان يسافر عبر هذا الطريق حوالي من 2000 إلى 3000 من الحجاج.

 


الميثاق الخاص بجوازات السفر وتخفيف الموقف تجاه أداء فريضة الحج

 


وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، شكلت سلطات الإمبراطورية في روسيا مصالح سياسية معينة في مجال القيام بأداء الحج الديني، وحتى عدد من الإجراءات المحددة التي يجري إتخاذها لتبسيط ذلك. وأحد أسباب ذلك، وفقا لما قاله الملازم أول ف. ي.  ياروفي رافسكوي، هو "عادة ما يعود من الحج، كما كان يلاحظ في كل مكان، ومن جديد، يولد مرة أخرى بروح ومزاج جديد، وكان ذلك بعيدا عن تحقيق أهداف الحكومة الروسية".

 

وتم تعزيز الموقف السلبي تجاه أداء فريضة الحج من السلطات الروسية والتي ساهمت من خلال الخلفية السياسية نظرا لأن منطقة الحجاز كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية. وبالتالي، فإنه عشية الحرب الروسية – العثمانية بين عامي 1877 و 1878 ميلادية كان شريف مكة أصدر فتوى خاصة يطالب فيها السلطان بإعلان الحرب على روسيا.

 

والعائدين من أداء فريضة الحج كانوا يحصلون على لقب حجيج. ولقد كانوا يحصلون على مكانة كبيرة بين أقرانهم المؤمنين، وذلك لأنهم قاموا لعملية تجديد ذاتية دينية، ووجودهم المباشر في الأماكن الإسلامية كانت تعطيهم شعور وإحترام خاص من نوعه بين الناس.

 

أما بالنسبة لعدد الحجاج من بين المسلمين الروس، فإنه وفقا لمعلومات روبيرت لاندي، "سنويا ما بين 9000 و 1000 شخص مسلم روسي يقومون بالحج (أداء فريضة الحج) إلى مكة والمدينة. وكان بما لا يقل عن ثلثي هؤلاء الحجاج من وادي فيرغانسك.

 


في عام 1894 ميلادية أجرت القنصلية في جدة إستطلاع بين الحجاج الروس.  وشارك في هذا الإستطلاع 1795 شخصا. وإتضح أن 75 % منهم هم من سكان أسيا الوسطى، وكان 46 شخصا من المشاركين الذي تم إستطلاع أرائهم من التتار. وكان إجمالي عدد الحجاج في ذلك العام من روسيا 3349 شخصا وفقا لإحصائيات القنصلية.

 

وعلى ما يبدو، فإن بيان عبد العزيز دافليتشين، الذي تمت كتابته وفقا لنتائج رحلة عمله أثناء الحج في عام 1898 ميلادية هي أقرب إلى الحقيقة، حيث كتب بأن عدد الحجاج الروس لم يتجاوز 4000 حاجا. وهذا الرقم يجب أن يكون دليلا لعدد الحجاج من روسيا في القرن التاسع عشر.

 


ووفقا لبيانات القنصلية في جدة، فإن عدد الحجاج في عام 1901 ميلادية كان 6000 شخصا، وفي عام 1902 ميلادية – 16000 شخصا، وفي عام 1903 ميلادية – حوالي 5000 شخصا.

 


ووفقا لنتائج التقرير الذي أعده دافليتشين بنفسه، والذي فضل عليه الإمبراطور، فإن السلطات الروسية كانت تخفف تدريجيا موقفها تجاه الحج، ويتم تخفيض الرسوم الحكومية للحصول غلى جواز السفر. في عام 1903 ميلادية تضمن قواعد مؤقتة لجوازات السفر للحجاج المسلمين في الميثاق (النظام الأساسي)، والذي ينص على أن أتباع الديانة الإسلامية يتم إصدار جوازات سفر خاصة بهم، ويتم تحديد متلطلبات وشروط لإجراء الفحص الطبي والنظافة الطبية، والمسؤولة عن الحجر الطبي والصحي، ومؤسسات المراقبة الطبية. وبالتالي، فإنه في بداية القرن العشرين، بدأت السلطات الروسية بالفعل في الترويج لأداء فريضة الحج. هذا، وعلى وجه الخصوص، ما كتبه السفير الروسي في إسطنبول نيكولاي تشاريكوف في عام 1911 ميلادية: " حكومتنا كما هو معروف جيدا، بعيدة كل البعد عن أداء فرائض الحج، ليس فقط من جانب مواطنينا، ولكن أيضا من قبل مسلمي دول أسيا الوسطى المجاورة لروسيا، الذين يستخدمون السكك الحديدية الروسية والبواخر للسفر إلى مكة. تهتم حكومتنا بسلامة الحج، وراحة الحجاج، والأسعار الرخيصة، والضمان الصحي، ولهذا الغرض، ومن بين أمور أخرى، تنظم وتسمح بتسهيل حركة المرور على البواخر بأسعار تفضيلية عبر القسطنطينية وبمشاركة نشطة لمكاتب القنصليات الروسية".

 


كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟جبل عرفات، 2007 ميلادية. المؤلف: Ali Imran, Creative Commons BY-SA 2.5

 

وقبل الثورة، كانت الأماكن المقدسة للإسلام جزءا من الإمبراطورية العثمانية، وكان الأشراف يحكمون مكة. وعلى وجه التحديد، كان تنظيم الحج كان معروفا بما يسمى بـ: "دليل الحج"، الذين هم متخصصون في الشعوب الإسلامية. وكان هؤلاء "دليلين للحج" يتم إعتمادهم والسماح لهم من خلال إصدار فرمان (موافقة) خطية تصدر من قبل شريف مكة.

 

علر سبيل المثال، وفقا لتقرير القنصل الروسي العام في جدة ليفيتسكي، فإنه في عام 1893 ميلادية تم تقديم قائمة بأسماء دليلي الحج بشكل خاص لشعوب أنديجان، وشعوب أوش، وخيوة، والشركس، ولتتار القرم، وللداغستانيين، وكوكاندس، وللكازاخيين، ولتتار قازان، ولشعوب بخارى ولغيرهم. ولذلك، فإن دليلي الحج من تتار قازان كانوا من نسل ميكانتس  علي – سوروجا، وكان وكيله في مدينة جدة اليمني عبد الرسول. وفي المدينة المنورة عمل الدليل سعيد – الشافي مع تتار قازان في ذلك العام. وفي كل عام، يسافر هؤلاء اي دليلي الحج إلى روسيا للإجتماع بالحجاج، أو يقومون بإرسال من 2 إلى 3 أشخاص ممثلون ينوبون عنهم، والذين كانوا يبيعون ماء زمزم، ومسبحة اليد للعبادة، والتمر  إلخ...  ولكن الأهم من ذلك، أنهم كانوا يدعون الناس إلى الحج. وهكذا، فإنه في القرن التاسع عشر، كانت بعثات الحج هي الجهة المقابلة: كان يوجد لكل قومية أشخاصا مسؤولين عن الحج، أي يقصد به أشخاص دليلين للحج، الذين كانوا مهتمين بتدفق كمية كبيرة من الحجيج من المناطق التي يشرفون عليها. وكانوا يلتقون في مكان معين ويشاركون في تنظيم وتقنية تنظيم الحج، ولقد كانوا يقومون بهذا العمل بأنفسهم، وبالطبع ببعض الأنانية.

 

وفي هذا الصدد، فإنه من المستحيل عدم لفت الإنتباه إلى نشر كتاب في قازان في عام 1909 ميلادية وهو كتاب غالي رضا بعنوان: "دليل للحجاج أو قصة عن خداعهم". وفي هذا الكتاب يتضمن جميع الاسعار، وتشير إلى الفنادق الموثوق بها ويكشف فيها عن طرق خداع الحجاج من قبل دليلي الحج.

 

 


الطرق الجديدة

 


في القرن العشرين، ظهرت هناك طرقا جديدة للحج. ولذلك، فإنه من موسكو كانت هناك إمكانية للسفر بالقطار والوصول إلى وارسو، وفينا، وإسطنبول. ووكانت هذه الرحلة تستغرق 6  أيام، ولكن تكلفة التذكرة الواحدة كانت 100 روبل. وكانت البواخر تنطلق من ميناء باتومي، وسيفاستوبل وأوديسا، وظهرت هناك رحلات بحرية مباشرة عن طريق البحر إلى مدينة جدة. وسافر العدد الأكبر من الحجاج عن طريق أوديسا، لأن القنصلية التركية كانت موجودة هنا، حيث كان يتم فيها إصدار التأشيرات (الفيزا) "إلى مكة المكرمة عبر إسطنبول". وفي أوديسا تم بناء مسجد تتاري، وكان الإمام الذي يخدم المسجد هو صابرجان سافاروف، الذي كان يساهم إلى أقصى حد ممكن بمساعدة الحجيج.

 

م. إي. نيكولسكي في مقالته بعنوان "حج المسلمين إلى مكة" في عام 1911 ميلادية حيث كتب فيها بأن عدد الحجاج من روسيا في السنوات الأخيرة يتراوح بين 6000 و 10000 شخص. كما ويلاحظ المؤلف عموما بأن الحجاج الروس يسافرون إلى الجزيرة العربية قبل شهرين قبل بدأ الحج ويتوجهون بشكل رئيسي عبر أوديسا وسيفاستوبل، ونادرا عبر باتومي. حيث يكون في خدمة الحجاج بواخر خاصة ومجهزة وهي تابعة للجمعية الروسية للشحن والتجارة والأسطول الطوعي.

 

حيث أن الطريق عبر أفغانستان أقل تكلفة وأرخص بـ 5 مرات من الطريق عبر إسطنبول. وإذا كنا نتحدث عن أؤلئك الروس، الذين ظلوا يعيشون في مكة، فكان هؤلاء أساسا من التركستان وبخارى. ولكنه، وفي الوقت ذاته، فإن "المسلمين" من روسيا، الذين إستقروا في الحجاز لم يقطعوا إتصالاتهم مع بلادهم، وهم بإستمرار يدعونهم إلى الحج. وفي بعض الأحيان هم أنفسهم يسافرون إلى روسيا لإستقبال"بدل الحج". كما ويكتب هو، بأنه لأداء الحج يأخذون من روسيا بما لا يقل عن ألف روبل. وفي روسيا هذا الحج منتشر في مقاطعات قازان، وأروينبورغ، وأوفا. حيث أن هذا جعل التركستان يقومون بأدائه بشكل نادر.

 

 


كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟جبل عرفات، 2007 ميلادية. المؤلف: Ali Imran, Creative Commons BY-SA 2.5

 


القنصلية الروسية في جدة

 


إن البنية التحتية للأوقاف تتطور تدريجيا في مكة والمدينة. ومن المعروف أن هناك ما لا يقل عن 9 منازل للأوقاف للحاج التتار من قازان في مكة. وفي المدينة كذلك هناك مسجد قازان ومدرسة، و 3 منازل أوقاف. وإجمالا، أنشأ المهاجرون من روسيا أكثر من 100 وقف في مكة وجدة.

 

إن القنصلية الروسية في جدة لعبت دورا إيجابيا في تطوير تنظيم الحج في روسيا. وكان أول قنصل من التتار وإسمه شاجيموراد ميرياسوفيتش إبراغيموف، الذي تم تعيينه بموجب مرسوم عالٍ صدر في 22 تشرين الثاني – نوفمبر من عام 1890 ميلادية. ولقد أوضحت التعليمات بوضوح لمهمة القنصل الأساسية – وهي "رعايا شؤون حجاجنا، وفي كل عام، تذهب أعدادا كبيرة للعبادة في الأماكن المقدسة في مكة والمدينة". حيث تم إصدار الأوامر للقنصل "لفهم ومشاركة إحتياجات (الحجاج)، ووجوده معهم وبعلاقة طبية وقريبة منهم".

 


في عام 1895 ميلادية، كان ترجمان القنصلية تتاريا وإسمه شاكيرزيان  إيشايف، والذي قام أيضا بأداء فريضة الحج.

 

 

كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟قافلة من الحجاج تعبر عبر قناة السويس، عام 1885 ميلادية،
Tropen Museum / Creative Commons BY-SA 3.0

 

ولرعاية الحجاج، وضعت القنصلية نظام الودائع التي يتركها الحجاج. على سبيل المثال، خلال موسم الحج في عام 1907 ميلادية، تم ترك ما يقرب من 50 ألف روبل. حيث سهلت هذه الطريقة تسوية المسائل المتعلقة لسلامة الأموال خلال العودة وفي حالة الوفاة، عند إعادة الأموال إلى الوطن.

 

إستمر عمل القنصلية في جدة حتى بداية الحرب العالمية الأولى في عام 1914 ميلادية، حيث تم إعلان الحرب على الإمبراطورية العثمانية.

 


مرة أخرى، تم فتح القنصلية تحت الحكم السوفيتي. في عام 1924 أقامت الحكومة السوفيتية علاقات دبلوماسية مع الحجاز، وتم إفتتاح القنصلية في جدة.

 

المملكة العربية السعودية وجولة جديدة من التفاعل الديني

 


في شباط – فبراير 1926 إعترف الإتحاد السوفيتي بمملكة الحجاز، وسلطنة نجد والأراضي التي ضمتها إليها – أصبحت الأراضي منذ أيلول – سبتمبر 1932 ميلادية تسمى المملكة العربية السعودية. حيث تم هذا الإعتراف مباشرة من قبل القنصل السوفيتي الذي كان من التتار كريم خاكيموف. وعلاوة على ذلك، كان الإتحاد السوفييتي أول دولة أقامت العلاقات الدبلوماسية مع المملكة الجديدة.

 

 

كيف كان المسلمون الروس يؤدون فرائض الحج في الماضي؟الجِمَالُ مع الخيام للحجاج، تقريبا في عام 1910 ميلادية / Public Domain

 

في العام 1925 ميلادية أدى خاكيموف العمرة. وبعد ذلك بعامين وبعد توقف طويل دام 10 سنوات بدؤوا بنقل الحجاج مرة أخرى عن طريق ميناء أوديسا البحري. وهكذا، إستمر الحج من أراضي الإتحاد السوفيتي حتى الإغلاق الكامل للحدود الجنوبية للإتحاد السوفيتي في بداية الثلاثينيات، وعلى الرغم من ذلك، طبعا كان هناك إنخفاض حاد في عدد الحجاج.

 

وفي العام 1928 ميلادية، منعت السلطات السعودية الوصل إلى مكة المكرمة "للأوروبيين، الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين"، ولكنهم في الواقع ينكرون الدين. وكما يعتقد المؤرخون، فإن أخر مواطن سوفييتي كان يقوم بأداء فريضة الحج بشكل قانوني في ذاك الوقت، كان القنصل السوفيتي الثاني الكازاخي نذير تيورياكولوف. وحصل على تصريح وموافقة لأداء فريضة الحج من قبل مفوضية الشؤون الخارجية في الإتحاد السوفيتي. وحول هذا الحدث يكتب الكاتب التتاري المهاجر غياز  إسخاكوف: "في شوارع مكة توجد أصوات لا تنقطع، ويوجد هناك سيارات مزينة بالأعلام الحمراء ويوجد بداخل الأعلام المطرقة والمنجل"، ويتابع بقوله: "وبعد الترحيب بالجميع وبعد أداء جميع المراسم الدينية، السيد تيورياكولوف ذهب إلى مكة لكي يسجد أمام قبر النبي محمد صل الله وعليه وسلم". وكتب غياز  إسخاكوف، بأنه عندما طرحوا أسئلة على القنصل: "لما لم يعد يأتي الحجاج من روسيا، الذين كان أعدادهم كبيرة في السابق"، حيث أنه صرح بدون أي إحراج بأن هؤلاء الحجاج لا يمكنهم القدوم من روسيا إلا عن طريق البحر.

 


وخلال زيارة الأمير فيصل بن عبد العزيز في عام 1932 ميلادية إلى الإتحاد السوفياتي، حيث تمت إثارة التساؤلات حول وصول الحجاج من الإتحاد السوفياتي بعدد يتراوح بين 10 و 15 ألف شخصا. ومع ذلك، فقد تركت الحكومة السوفيتية هذه القضية دون أي إهتمام. وفي العام 1938 ميلادية تم إستدعاء البعثة السوفيتية في جدة، ومنذ عام 1935 ميلادية مرة أخرى والتي كان يترأسها كريم خاكيموف. وتم إستئناف الحج من الإتحاد السوفياتي فقط في عام 1945 ميلادية، عندما تمكنت مجموعة صغيرة من الحجاج برأسة المفتي  إيشان باباخانوف من الذهاب إلى الحج. ومنذ عام 1945 ولغاية عام 1990 ميلادية، قام حوالي 900 ألف مواطن سوفييتي بأداء فريضة الحج.

 

وفي العام 1953 ميلادية ترأس زياد الدين باباخانوف مجموعة أخرى من الحجاج إلى مكة المكرمة وخلال رحلته إلتقى بملك المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن أل سعود، الذي إستقبل بحرارة المسلمين الروس. وفي ذلك العام، إتفق باباخانوف مع رئيس جامعة الأزهر لبدأ قبول الطلاب من الإتحاد السوفياتي للدراسة فيها. وفي عام 1961 ميلادية، تم إفتتاح قسم الإتصالات والعلاقات الخارجية، المعني بالإشراف على قضايا الحج، وإستقبال وإرسال الوفود، وكذلك المراسلات مع المسلمين الأجانب.

 

إلميرا غافياتوللينا