إن الإهتمام الروسي بالشرق الأوسط وتعزيز مواقع موسكو في هذه المنطقة يجب ألا يتم ربطها بالوضع السوري بشكل حصري. في السنوات الأخيرة، كات روسيا تبني بإستمرار علاقاتها مع العديد من القوة المختلفة في الشرق الأوسط. واحدة من هذه الدول التي ترحب بموسكو وتسعى إلى تطوير العلاقات معها هي العراق.
موسكو وبغداد يربطهما تعاون تقليدي وتاريخ طويل في العلاقات القائمة على إطار قانوني، والذي تم بناؤه على أساس معاهدة الصداقة والتعاون بين الإتحاد السوفياتي وجمهورية العراق (الذي تم التوقيع عليه في بغداد بتاريخ 1972.04.09 ميلادية). حيث أن الإتحاد السوفياتي ساعد العراق في التصنيع وكان من أكبر الموردين للأسلحة إليه.
واليوم، فإن هذه العلاقات يتم إستعادتها تدريجيا على مستويات مختلفة. كما أن نتائج الإنتخابات البرلمانية في العراق في عام 2018 ميلادية كان لها أثر على أفاق التفاعل الروسي – العراقي. للوهلة الأولى، فإن الإئتلاف الفائز الذي فاز بـ 54 مقعدا في الإنتخابات البرلمانية "إئتلاف سائرون" لا يوجد معها أية علاقات مع روسيا. وعلى الرغم من أن حقيقة العلاقة محدودة نسبيا، إلا أن الأطراف لا يمنعها أي شئ من تعميق تلك العلاقات وتوسيعها.
ومع ذلك، فإن النقطة الأساسية هي في داخل الإتفاقات العراقية بتشكيل الحكومة، والتي يمكن لإئتلاف "سائرون" أن يواجه صعوبات معينة. حيث وأن البيان البراغماتي لرئيس الإئتلاف مقتدى الصدر عن ضرورة العمل المشترك مع اللاعبين السياسيين الأخرين في داخل العراق يسمح بالإعتقاد أنه في السياسة الخارجية هو يلتزم بنفس هذا النهج. ثم هناك إمكانية ليس فقط في الحفاظ على المستوى الحالي للعلاقات بين موسكو وبغداد، ولكن لتطويرها أيضا.
موسكو وبغداد: البراغماتية على أساس العلاقات
أثناء هجوم مقاتلي تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام، يعرف هذا الإسم هنا ولاحقا بالمنظمة الإرهابية والمحظورة في روسيا الإتحادية – وفقا لرأي المحرر) في عام 2014 ميلادية، فإن موسكو زودت بغداد على الفور بالأسلحة والمعدات اللازمة (بما في ذلك، الطائرات).
هذه الإمدادات كانت في إطار تنفيذ الإتفاق الموقع عليه بين وزارة الدفاع العراقية والشركة الروسية "روسوابورون اكسبورت" في عام 2012 ميلادية بقيمة 4,2 مليار دولار أمريكي.
من الأمور الحيوية بالنسبة لبغداد هي سرعة تسليم السلاح التي كانت جبهة الحرب مع مقاتلي الدولة الإسلامية على بعد بضعة كيلومترات عن بغداد. في الوقت الذي لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تقديم المعدات والسلاح، حاولت روسيا من تزويد العراق بأسرع ما يمكن وبكل ما هو ضروري ويحتاجه. السفير الروسي في بغداد ماكسيم ماكسيموف أشار إلى ما يلي: "كنا نقول دائما، بأننا مستعدين لتقديم المساعدة الشاملة لهذه الدولة لتعزيز القدرة الدفاعية للقوات المسلحة. في إطار التعاون العسكري – التقني، فقد قدم المجمع العسكري الروسي بالفعل عددا كبيرا من المعدات العسكرية إلى الحكومة العراقية والتي أثبتت جدارتها في ساحات القتال ضد داعش في العراق. الحديث هنا يدور عن طائرات الهيلكوبتر من طراز مي – 35 م.، وكذلك مي – 28 ن.، والطائرات الهجومية من طراز سو – 25، والصواريخ الموجهة والمضادة للدبابات من طراز "كورنيت – إي" وغيرها من المنتجات الأخرى المخصصة للإستخدامات العسكرية".
بالإضافة إلى ذلك، يتم تنفيذ العقود التي تم توقيعها في عام 2017 ميلادية لتوريد الدبابات ذات السمعة الطيبة من طراز ت – 906. وعلى الرغم من الأخبار عن إهتمام العراق لشراء منظومة الصواريخ الروسية س 400 في بداية عام 2018 ميلادية، لم يتم تأكيد هذا من قبل سفير العراق في موسكو حيدر هادي. حيث إن شركات الطاقة الروسية التي كانت موجودة في العراق حتى قبل عام 2003 ميلادية حصلت على إمكانية المشاركة في المناقصات لتطوير حقول وأبار النفط والغاز. اليوم في العراق، يتم تنفيذ مشاريع الشركة المساهمة العامة "غاز بروم نيفت"، التي تعمل على تطوير الحقل النفطي "بدرا" في محافظة واسط ومنطقتين هما (شاكال" و "كارميان") في إقليم كردستان العراق. وبتاريخ 6 كانون الأول – ديسمبر 2017 ميلادية، قامت شركة "غاز بروم نيفت" بتشغيل مصنع الغاز الصناعي في حقل "بدرة" في العراق. بالإضافة إلى ذلك، لغاية شهر اذار – مارس 2018 ميلادية، فإن حجم إستثمارات الشركة المساهمة العامة "غاز بروم نيفت" في تطوير حقل "القرنة الغربية – 2" والمجمع 10" تقدر بـ 8 مليار دولار أمريكي.
ويبقى الوضح لا يزال غير واضح بالنسبة للشركة الروسية "روسنيفت". أبرمت الشركة إتفاقية مع حكومة إقليم كردستان حول تطوير حقول النفط في كركوك. ولكنه مع نقل كركوك إلى سيطرة حكومة بغداد، فإن وزارة النفط العراقية أكدت أنها لا تعترف بأية إتفاقيات سابقة تجاوز إبرامها الحكومة المركزية. كما أن العملاق النفطي الروسي ما زال يحافظ على وجوده في العراق. ووفقا لتقارير وسائل الإعلامـ كانت هناك إمكانية لإجتماع رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي ورئيس شركة "روسنيفت" ي. سيتشين لحل هذه المشكلة، ولكن الشركة لم تؤكد هذه المعلومة.
ووفقا لوكالة الأنباء رويترز، فإن شركة "روسنيفت" قامت بنقل البنية التحتية، ووخطوط أنابيب كركوك – جيهان التي تبلغ طاقته بحوالي 300 ألف برميل يوميا، والذي يتم توريد الجزء الأكبر من النفط من إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي إلى الأسواق العالمية عن طريق الأراضي التركية. وهذا أيضا يجعل الشركة واحدة من اللاعبين الأساسيين في الإتفاقيات بين بغداد وبين إربيل. بالنسبة لروسيا، العراق مهم من وجهة نظر العلاقات التجارية والإقتصادية، وكذلك في سياق تسويق سياساتها الإقليمية. وفي نفس الوقت، فإن موسكو تعمل بطريقة براغماتية ضمن قدراتها المحدودة في هذا البلد.
إن اللاعبين الرئيسيين الخارجين الذين لهما تأثيرا مباشرا في العراق هما: إيران والولايات المتحدة الأمريكية. أما المملكة العربية السعودية فهي أقل تأثيرا منهما، والتي إتخذت خلال العام الماضي العديد من الخطوات نحو تعزيز مواقعها في العراق، بما في ذلك، بفضل العلاقات مع أحد أفراد العائلة الدينية للأسرة الشيعية، التي فازت في الإنتخابات في عام 2018 ميلادية في إتحاد "سائرون" الزعيم مقتدى الصدر. أما الصين، لإغنها شريك إقتصادي رئيسي للعراق، والذي فضل الحد من تدخلاته في العملية السياسية الداخلية في شؤون العراق.
حيث أن موسكو كونها شريكا مناسبا ومريحا لبغداد، والتي يمكن أن تكون بمثابة وظيفة بديلة إضافية للعراق في علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. كما أن العراق لا يسعى فقط إلى العودة إلى السياسة الإقليمية فحسب، بل يجتذب أيضا إهتمام اللاعبين الفاعلين ذات على أساس المصلحة المتبادلة. وكواحدة من اللاعبين البراغماتيين والذين لهم تأثير، بالتأكيد هي موسكو.
إن الإتصالات بين السياسيين الروس والعراقيين لا تسمح فقط بتبادل وجهات النظر فحسب، بل تمهد لإعداد الطريق لتحقيق تقدم أكثر جدية في العلاقات الثنائية. وتجدر الإشارة إلى أنها كانت دائما متعددة في جميع المجالات، ومن أهمها كانت الطاقة والتعاون التقني والعسكري. كما أن إيران يحتمل أنها تدعم، أما الولايات المتحدة الأمريكية لا تعارض علنا مثل هذا التعاون بين موسكو وبغداد.
وهناك رأي قائم يقول بأن طهران هي التي تدعو موسكو إلى العراق، وبهذه الطريقة تأمل في خلق توازن لواشنطن، وهذا الأمر لا لبس فيه. السلطات في بغداد في السنوات الأخيرة زادت فرصة إجراء السياسات الخاصة بهم والتي بشكل عام هي إيجابية تجاه موسكو. وهذا يتم التعبير عنه في المناقشات والتساهل لأنشطة الأعمال التجارية الروسية وفي غيرها من التدابير الأخرى. والشئ الوحيد الذي يمكن لطهران أن تربحه هو قدرتها على تقديم دعم أكثر جدية ومساندة في داخل العراق. ولكن روسيا لا ترغب في التدخل في العملية السياسية الداخلية للعراق وهي تقيم علاقات براغماتية وإتصالات تجارية مما تفيد جميع الأطراف.
إن بغداد تدعم وجود موسكو، لأنه في هذه الحالة يظهر قطبا أخر مؤثرا. وبالمناورة بين جميع الأقطاب، فإن العراق يحصل على فرصة إضافية لتحقيق مصالحه الخاصة. بغداد وموسكو تنسقان بإنتظام حول عمل القضايا الإقليمية ومكافحة الإرهاب. بتاريخ 25 من شهر أيلول – سبتمبر 2015 ميلادية تم التوصل إلى إتفاق رباعي لتبادل المعلومات بين روسيا، العراق، إيران وسورية وإنشاء مركز معلومات في بغداد ("المركز الرباعي لتبادل المعلومات"). كما أن هذا التنسيق غير موجه لمحاربة أي دولة ثالثة. يتم حل مهام محددة جدا بتنسيق العمليات العسكرية في محاربة داعش، وتحديد هوية الإرهابيين، والبحث عن الأطفال، الذين تم إخراجهم من روسيا الإتحادية من قبل أبائهم الذين إنضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ... إلخ.
وهذا العمل له تأثير إيجابي في مكافحة الإرهاب وتم تنفيذه لوفقا لمصالح موسكو، بغداد، طهران، دمشق، وكذلك لمصلحة واشنطن. كما أن مركز بغداد للمعلومات كان الهدف منه هو ضمان توثيق التعاون بين الأطراف في مجال محاربة الإرهاب وعلى وجه التحديد تنظيم داعش. وبالنظر إلى أن محاربة التنظيم الإرهابي تتضاءل أهميته إلى المرتبة الثانية، فإنه يمكن إعادة النظر في قيمة المركز والحصول على تطوير إضافي. في حد ذاته، فإن هذه السابقة على هذا النحو الجديد غير متوقعة للكثيرين ولا سيما إذا كانت روسيا تجربة إيجابية. موسكو لديها العديد من أليات للحفاظ على التفاعل المتبادل مع كل من الدول الأطراف المعنية على أساس ثنائي. كما أن جميع الدول يمكنها تفهم الحاجة إلى تعزيز العلاقات الثنائية أو التعاون المتعدد الأطراف في إطار أشكال أخرى (ربما، تأسيس علاقات جديدة).
حيث إن العراق أظهر إهتمامه بالمشاركة في مؤتمرات، مثل عملية "أستانا" بالملف السوري، والحديث هنا يدور ليس فقط عن رغبة بغداد في مواكبة الأحداث والنقاشات، وإنما تعزيز دوره في المنطقة، وأن يصبح طرفا قادرا على العمل كوسيطا في حل الصراعات. وفيما يتعلق باللاعبين الاخرين، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، فإنه يمكنهم الإنضمام للحوار والتوصل إلى مبادرات مشتركة لإنشاء منظمة للأمن على أساس جماعي أو تأسيس مجموعة عمل مشتركة من نوع ما لوقف المخاطر المحتملة.
ويجب هنا لفت الإنتباه إلى إكتمال التفاعل المؤسسي بين موسكو وبغداد. ومن بين الأليات الرئيسية المذكورة يمكن ذكر مركز بغداد للمعلومات، ومجموعة العمل الروسية – العراقية للتعاون في مجال الطاقة، ومجموعة العمل بإعادة النساء والأطفال من العراق وسوريا. كما أن الهيئة الرئيسية الحكومية للتفاعل فيما بينها هي اللجنة الروسية – العراقية في التجارة، والإقتصاد، والتعاون العلمي – والتقني، والتي يرأسها من الجانب الروسي نائب رئيس مجلس الوزراء يو. بوريسوف (في وقت سابق كان يشغل هذا المنصب د. روغوزين)، ومن الجانب العراقي – وزير الخارجية العراقي مـحمد علي الحكيم (قبل تشكيل الحكومة في العراق – كان يترأسها إبراهيم الجعفري).
وبالتالي، فإن إستراتيجية موسكو في الإتجاه العراقي مرتبطة بالتطور التدريجي للعلاقات مع بغداد، والإلتزام بالسلامة بسلامة أراضي الدولة، والإتجاهات المتعددة (الإتصالات "على الأرض" مع القوة المختلفة – من رئيس العراق وحتى قادة الحشد الشعبي).
رسلان ماميدوف، منسق البرمجيات في المجلس الروسي للشؤون الدولية