Ru En

أقدم مسجد في روسيا اليوم... كيف يبدو منظره ؟

٠٩ فبراير ٢٠٢٢

الإحتفال هذا العام بالذكرى 1100 لدخول بولغار الفولغا دين الإسلام يوضح لجميع الناس أن للإسلام في روسيا تاريخ طويل، وهو جزء لا يتجزأ من الهوية الروسية. في كل عام تظهر مساجد جديدة في جميع أنحاء البلاد ويتعرف المزيد والمزيد من الناس على التعاليم الحقيقية للإسلام، وينبذون كل الأفكار السابقة والصور النمطية القديمة. واليوم سنتحدث عن أقدم مسجد في روسيا وأين موقعه وهل لا يزال قائماً وعن الأحداث التي شهدها خلال تاريخه؟


يقع مسجد الجمعة في مدينة دِربند إحدى أقدم مدن روسيا. في أواخر العشرينات من القرن الثامن عشر، وصف الكاتب الديسمبري  ألكسندر بستوجيف مارلينسكي مسجد الجمعة بالطريقة التالية: "... الآية القرآنية تضي فوق الأبواب الرئيسية. ادخل الجامع وفجأة ترى نوع من الشفق يعانقك ويسود صمت لا إرادي من الروحانية ... صلاة المؤمنين تقام بهدوء، الذين يجلسون على ركبهم أو يتكئون على السجادة وينغمسون في الخشوع، فلا السمع ولا البصر يُلفت انتباههما إلى الأشياء المحيطة. إلى اليمين واليسار، صفان من الأقواس المدببة، تتشابك ظلال أعمدتها مع المنصة وتنتهي في مكان شبه معتم . هنا وهناك، تضيء حشود المصلين قليلاً من النور من خلال النوافذ الصغيرة. يُحلّق السنونو في فضاء المسجد وتحت القبة، وتطير إلى السماء مع كلمات آذان الصلاة التي تسمع في كل مكان. كل شيء يتنفس مع غياب الحاضر ... ويثير مشاعر لطيفة وممتعة في قلب متعب.


تم بناء مسجد الجمعة في القرن الثامن وأصبح يجذب حتى يومنا هذا السياح والمؤمنين، ليس فقط من مختلف المناطق الروسية ولكن أيضاً من مناطق أخرى من العالم. فوق مدخل المسجد يوجد نقش عبارة انه " رُمم بعد الهزة الارضة عام 1368- 1369، باشراف تاج الدين، وبحلول عام 1815 تم توسيعه وتم الانتهاء من بناء المجمع". لسوء الحظ، تم إغلاق مسجد الجمعة في ثلاثينيات القرن الماضي.


منذ ذلك الوقت، أصبح المسجد مَعْلَمَاً تاريخياً جديدا. لذلك، من عام 1938 إلى عام 1943، تحول المسجد الى سجن في المدينة. وفقط في عام 1943 وبقرار من موسكو تم إعادته إلى المسلمين للعبادة .


المسجد اليوم عبارة عن مجمع كامل يضم، بالإضافة إلى مكان العبادة، مكتبة ومبنى مدرسة يتكوّن من عدة غرف وحديقة صغيرة. من المثير للاهتمام أنه يوجد أمام مدخل كل غرفة شرفة، والتي بفضلها تشكلت واجهة جميلة وممتعة للمدرسة.


 بالمناسبة، تنمو أشجار فريدة من نوعها في الحديقة الواقعة على أراضي المسجد. يقول أبناء السكان المحليين إن هذه الأشجار زُرعت في القرن التاسع على يد العلامة الكبير أبو القاسم الجنيد البغدادي. كان من المُخطط أن تلعب الأشجار أحد الأدوار الرئيسية في حماية المسجد من الكوارث الطبيعية، وهو ما تقوم به منذ قرون، من خلال إخراجها لكل الرطوبة من الأرض. وبفضلها يكون المسجد جافاً دائماً ولا يمكن الخوف من الرطوبة التي تكون قاتلة لمبنى من القرن الثامن. كما أن نظام جذورها قوي ثابت بقوة في الأرض، وبالتالي يحمي المبنى من الزلازل القوية والكوارث الطبيعية الأخرى. 


أما بالنسبة للتصميم الداخلي للمسجد، فعندما ترفع رأسك للنظر إلى السقف، فانك ترى البناء القديم كما هو محفوظ. بشكل عام. يتكوّن مسجد الجمعة من ثلاثة أجزاء، تفصل بينها أعمدة مربعة تعتبر في نفس الوقت داعمة للمبنى. إرتفاع قبة المسجد يصل إلى 17 متراً، وتبلغ أبعاد المبنى 68 متراً من الغرب إلى الشرق و28 متراً من الشمال إلى الجنوب.


يوجد صفان متوازيان من الأعمدة القوية، يلتقيان بواسطة مجموعة من القباب والأقبية التي يمكن رؤيتها من خلال ضوء النوافذ الصغيرة، مما يخلق منظراً مدهشاً. نظام الألوان للأقبية المبنية من الطوب والجدران والأعمدة المطلية باللون الأبيض، التي تغطي الأرضية بالسجاد اللامع والضوء الضعيف والبرودة السائدة هنا حتى في يوم الصيف الحار، كل هذا يخلق الروحانية الكبيرة في الجامع .


المؤرخون وعلماء الآثار على يقين من أنه حتى قبل ظهور العرب وانتشار الإسلام هنا، كان المعبد موجوداً، فقط دوره كان مختلفا. بالفعل مع انتشار الإسلام تم تحويل المبنى إلى مسجد وهو ما ينعكس في المدخل - يمكنك الدخول إلى المسجد فقط من الجنوب وليس من الشمال كما هو الحال عادة. يُشار إلى أن مسجد الجمعة ليس به مآذن وهو موجه نحو الشرق وليس باتجاه مكة .


وللعرب تسميتهم لمدينة "دربند"، هي " باب - الأبواب" ، حيث من خلال هذه الأبواب وتقريباً سنة 642 - 644 (سنة عشرين حسب التقويم الاسلامي)، دخل رُسل الخلافة الاسلامية الذين ادخلوا السكان المحليين دين الإسلام.


في عام 2015، تم الاحتفال بمرور 2000 عام على تأسيس مدينة دربند، ومن ضمن الإحتفالات بهذه الذكرى تم ترميم مسجد الجمعة.

 

تغيرت العصور وحدثت كوارث طبيعية، توفيت أجيال من الناس وتغيرت المدينة، لكن لا يزال مسجد الجمعة قائماً حتى اليوم كالحصن المنيع، صامد أمام كل كوارث ومِحَن العصور. المسجد لا يزال في حالة جيدة جداً، على الرغم من فترته التاريخية التي تمتد لقرون. وتتضح أهميته ليس فقط للمسلمين الروس ولكن أيضاً للمجتمع الدولي من خلال إدراجه في سجل قائمة التراث الثقافي لليونسكو.

 


إلميرا جافياتولينا