استمرت المحادثات بين قادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا في الكرملين حول قضية ناغورني قره باغ، قرابة 4 ساعات واتضح أنها كانت مثمرة. وتم خلالها الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل على مستوى نواب رؤساء حكومات الدول الثلاث، وتركز المجموعة في عملها على إقامة روابط النقل والعلاقات الاقتصادية في المنطقة.
وسيعقد الاجتماع الأول لهذا الهيكل الجديد في يناير/كانون الثاني 2021، وستكون هناك قائمة بالمشاريع المحددة جاهزة بحلول شهر آذار/ مارس المقبل.
وتوجّه كل من الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، يوم أمس الاثنين 11 يناير 2021 إلى موسكو، حيث التقى بهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المكتب التمثيلي للمبنى الأول للكرملين. ورحّب رئيس روسيا الاتحادية بضيفيه بحفاوة، وتبادل المصافحة والعناق بالتناوب مع علييف وباشينيان. وجلس الرئيس الأذربيجاني ورئيس الوزراء الأرمني على طاولة المحادثات مقابل بوتين ورحبّا ببعضهما البعض عن بعد.
متطلبات التسوية الكاملة
يُشار إلى أنه تم إجراء المحادثاتخلف الأبواب المغلقة، باستثناء تصريحات فلاديمير بوتين الافتتاحية قبل بدء المباحثات،
.
وفي افتتاح الاجتماع، أعرب بوتين عن امتنانه لعلييف وباشينيان على زيارتهما موسكو، وعلى التصور الإيجابي لجهود الوساطة التي يبذلها الجانب الروسي لوقف إطلاق النار في إقليم ناغورني قره باغ.
كما لفت إلى أن روسيا سعت طوال الوقت لمتابعة التطورات الرئيسية التي تحققت في إطار مجموعة "مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتواصل التحقق بشكل منتظم من إجراءاتها مع الدول الأخرى التي تشارك في رئاسة هذا التنسيق (الولايات المتحدة وفرنسا).
وصرّح رئيس الدولة الروسية بأن تنفيذ الاتفاقات بشأن ناغورني قره باغ، التي تم التوصل إليها في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 "يتم بثبات"، مشيراً إلى أن هذا "يخلق الشروط اللازمة لتسوية طويلة الأجل وكاملة للنزاع طويل الأمد على أساس عادل، لصالح الشعبين الأرمني والأذربيجاني"، كما نوّه بنشر وحدات من قوات روسية لحفظ السلام في ناغورني قره باغ وإنشاء نظام فعّال لضمان الامتثال لنظام وقف إطلاق النار هناك.
كما شدّد الرئيس الروسي على أن "الوضع هادئ الآن في المنطقة"، لافتاً إلى أنه منذ 14 نوفمبر عاد أكثر من 48 ألف شخص إلى قره باغ، وأنه تم تبادل الأسرى وجثث القتلى بوساطة روسية.
ووصف بوتين عمل مركز الاستجابة الإنسانية الدولي، الذي ينخرط في إقامة حياة طبيعية في المناطق السكنية، وإعادة بناء البنية التحتية المُدمّرة، وحماية الآثار التاريخية والدينية والثقافية، واستعادة إمدادات الطاقة والحرارة، بأنه "عمل ناجح".
هذا وصرّح رئيس روسيا الاتحادية بأنه تم بالفعل تسليم أكثر من 800 طن من مواد البناء من روسيا إلى منطقة النزاع، وما يزيد عن 1.5 مليون طن من المساعدات الإنسانية، كما تم تطهير مساحة تتجاوز 479 هكتارا من الألغام، مؤكداً أن "مهمة فتح الحدود والروابط الاقتصادية والتجارية والنقل في المنطقة تستحق اهتماماً خاصاً".
مجموعة عمل جديدة
إلى ذلك وصف فلاديمير بوتين الاجتماع بأنه "بالغ الأهمية ومفيد"، وذلك خلال حديثه أمام وسائل الإعلام عقب المحادثات. وبحسب بوتين، سيتم تشكيل مجموعة عمل برئاسة نواب رؤساء الوزراء في أذربيجان وأرمينيا وروسيا من للعمل على تطوير مشاريع البنية التحتية، وتنظيم خطوات ملموسة لإقامة علاقات اقتصادية في المنطقة، وقد انعكس هذا القرار في البيان المكتوب المشترك للزعماء الثلاثة.
وكما هو مبيّن في الوثيقة، سوف يعقد الفريق العامل اجتماعه الأول قبل 30 يناير 2021، وبناءً على نتائجه، سيشكل قائمة بمجالات العمل الرئيسية لإلغاء الحظر على الروابط الاقتصادية وطرق النقل في المنطقة، "مع وضع خطوط السكك الحديدية والطرق في الأولويات"، كما سيحدّد الفريق مجالات التفاعل الأخرى... وسيتم إنشاء مجموعات فرعية من الخبراء لإعداد قائمة بالمشاريع ذات الصل، على أن تُقدّم هذه القائمة بحلول الأول من مارس من أجل الموافقة عليها من أعلى مستوى.
وكما أشار الرئيس الروسي، فإن تنفيذ خطط محددة لتطوير البنية التحتية للنقل والاقتصاد في المنطقة "سيعود بالنفع على كلا الشعبين الأرمني والأذربيجاني، كما أنه سيعود بالفائدة على المنطقة ككل من دون أدنى شك، وبالتالي على مصالح روسيا الاتحادية".
من جهته يرى الرئيس الاذربيجاني إلهام علييف آفاقاً كبيرة لتنفيذ هذه الاتفاقية، مشيراً إلى أنه بعد أكثر من 30 عاماً، سيكون لأذربيجان وسيلة للنقل عبر أراضي أرمينيا مع جمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، وأه سيتسنّى لأرمينيا التواصل مع الأرضي الروسية بواسطة خط سكة حديد عبر أراضي أذربيجان إلى روسيا وإيران.
وقال علييف "سنتمكن أيضا من الوصول إلى السوق التركية عبر جمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، وسيتم ربط شريانيّ السكك الحديدية التركية والروسية. يمكن أن يعطي هذا زخماً كبيراً جداً لتنمية المنطقة وتعزيز أمنها".
بدوره، أشاررئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان إلى أهمية البيان الموقّع. وقال "لن أخفي حقيقة أن تطبيقه قد يغير ببساطة الصورة الاقتصادية لمنطقتنا ومظهرها"، معرباً عن أمله في في أن تصبح الإصلاحات الاقتصادية "ضامناً موثوقاً للأمن ايضأً"، وأن تزيد من جاذبية الاستثمار في المنطقة.
مواقف باكو ويريفان
هذا وتوجّه كل من إلهام علييف ونيكول باشينيان بالشكر إلى الرئيس الروسي على مبادرته لتنظيم الاجتماع الثلاثي، وكذلك بشكل عام لقاء الجهود المبذولة لحل النزاع في ناغورني قره باغ، واستعادة الاستقرار والأمن في المنطقة.
وبحسب رئيس أذربيجان، فإن حقيقة المفاوضات تشير إلى أن أطراف النزاع "على استعداد لتحقيق نتيجة"، و"رسم حد" في ظل أحداث سبتمبر/أيلول - نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وبحسب علييف، فإن البيان المشترك حول وقف إطلاق النار يتم تنفيذه بنجاح، وقال "إن بعثة حفظ السلام الروسية تقوم بعملها بشكل فعال، وفي غضون شهرين، باستثناء حوادث صغيرة، لم تكن هناك أسباب جدّية باعثة على القلق".
كل هذا، وفقاً لزعيم أذربيجان، يزرع الثقة في أن "نزاع ناغورني قره باغ أصبح من الماضي"، ويجب على المرء أن يفكر في المستقبل، "حول كيفية العيش سوية في الجوار".
من جانب آخر يرى باشينيان أن "هذا الصراع لم يتم حله بعد"، وقال "لقد تمكنّا من تأمين وقف إطلاق النار، ولكن لا يزال هناك الكثير من القضايا التي يجب حلها"، ووصف وضع ناغورني قره باغ كواحد من هذه الموضوعات. وأن من أكثر الأمور إيلاماً أيضاً القضايا الإنسانية، ومسألة تبادل أسرى الحرب، مشيراً إلى هذه المسألة، من البيان المشترك للقادة في نوفمبر، بالتنويه إلى أنه "لم يتم تنفيذه بالكامل". لكن رئيس وزراء أرمينيا أعرب عن أمله في أن يتمكن الطرفان "من التوصل إلى قرار ملموس في أقرب وقت ممكن".
بنود جدول الأعمال الثنائية
عقب انتهاء المحادثات الثلاثية، عقد الرئيس الروسي اجتماعات منفصلة مع إلهام علييف ونيكول باشينيان.
وخلال المحادثات مع الرئيس الأذربيجاني، أشار بوتين إلى الأهمية القصوى للبيان المشترك الموقع بشأن قره باغ، ولفت الانتباه إلى عدد من القضايا على جدول الأعمال الثنائي.
وبحسب فلاديمير بوتين، فإن العلاقات بين موسكو وباكو تتطور بنجاح كبير، ولا سيّما في المجال الاقتصادي. وأضاف: "لديّ أمل كبير أن يفيد العمل بشكل عام على حل الوضع في جنوب القوقاز، وأن تسمح لنا علاقاتنا الثنائية ببناء علاقاتنا بشكل أوثق، على أساس أكثر منهجية ليس فقط في مجال الاقتصاد، ولكن أيضا في المجال الانساني".
بدوره، وصف إلهام علييف موسكو وباكو بالشركاء الاستراتيجيين القدامى في المجال السياسي، مشيراً إلى الديناميكيات الجيدة لتنمية العلاقات. لافتا إلى أنه حتى في العام 2020، لم يكن مستوى التراجع في حجم التجارة بين البلدين كبيرا للغاية، وذلك على الرغم من الصعوبات بسبب الوباء، معرباً عن ثقته في أنه في عام 2021 سيتم تعويض جميع الخسائر.
وفي اجتماعه مع نيكول باشينيان، أعرب الرئيس الروسي عن أمله في إمكانية الاتفاق على جميع المشاكل المتبقية في التسوية الخاصة بغقليم ناغورني قره باغ، بما في ذلك القضايا الإنسانية.
كما شدّد فلاديمير بوتين على أن العلاقات بين روسيا وأرمينيا "كانت وستبقى علاقات تحالف" في جميع الاتجاهات، منوهأً بقوله: "نحن شركاء وثيقون في العديد من المنظمات الدولية". إلى ذلك الرئيس الروسي الانتباه إلى أنه على الرغم من الصعوبات في العام الماضي، إلا أن معدّل التجارة بين روسيا وأرمينيا قد ازداد في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2020 بنسبة 4% تقريباً.
بدوره، أشار نيكول باشينيان أيضاً في الاجتماع الثنائي إلى أن "روسيا كانت وستظل" الحليف الاستراتيجي الرئيس لأرمينيا.
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: الموقع الرسمي لرئيس روسيا الاتحادية
المصدر: تاس