الأكاديمي مروان سوداح
يتضح للقاصي والداني أن الحملة الدعائية الضخمة المناهضة لروسيا التي تعمل على توجيهها آلات الحرب الإعلامية والنفسية الغربية، وإلى جانبها مَن لفَّ لفَّها أيضاً من الأتباع والتابعين السياسيين و"الماليين"، لم تنجح ولن تنجح، فقد باتت مفضوحة وتعج بالتناقضات، إذ تم بكل بساطة تجريدها من أوراق التوت التي سترت عورتها في الأيام الأولى من العملية الجراحية الخاصة لتصفية النازيين الجُدد أصحاب السطوة على أوكرانيا والشعب الأُوكراني السلافي الشقيق، وذلك بحكمة المتابعين الأذكياء للأخبار وتعريتها، ولنباهتهم بفضح الأنباء المشوهة وتلكم الفيديوهات المزيفة التي راجت لزمن محدود، والمُلاحظ أن فضائيات عربية حتى ساهمت بجهودها المشكورة في كشف عورات "الفيك نيوز"وتناقضاتها وتآكلها.
لقد تبيَّن للعَالم، ولغير المُكرَّسين، ولغير الراسخين في العِلم والصحافة والتقنيات، "الغث مِن السمين"، وذلك بعد أقل من أسبوعين على بدء القتال، وتكشَّف "الصالح من الطالح"، و"الصح من الخطأ"، و"الخير من الشر"، كما وفضحت العملية الجراحية الروسية الخاصة الراهنة النازية والنازيين والفاشية والفاشيين وأعداء الإنسان والبُنيان، وجميع أولئك الذين أنتشوا لوهلة من انتصار تبيَّن وهميته، اعتقاداً منهم بأنهم فازوا على روسيا بمجرد تسويد صورتها من خلال أبواقهم المخروقة أصلاً، والعارية حتى من أوراق التوت أمام مختلف شعوب الكرة الأرضية وأُممها وقومياتها التي اكتوت بحرائق متلاحقة ارتكبها الاستعمار والكولونيالية الغربية دهوراً كثيرة، شهدت بالجُملة جَزَّ رؤوس شعوب دول لا حصر لها وقارات ليس أولها الصين، وإفريقيا، وليبيا، والجزائر، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وليس آخرها أمريكا الجنوبية، وآسيا، ويوغوسلافيا، وفيتنام، وكوريا، وتشيلي، بالإضافة لـ "الهنود الحمر في القارة الحمراء"، التي صارت في غفلة من الزمن تُسمَّى استعمارياً بـِ "الأمريكية"، بهدف تجريد أصحابها الشرعيين منها، فلونهم يمقته المُستعمِر الأبيض القادم بحِرابِه من غرب أوروبا، لمجرد أنه لون لا يتفق مع مزاجهم الأنغلوسكسوني التوسعي، وغيره من أعراق العواصم الاستعمارية، إذ كان الهدف الأساسي للمُستعمر الأشقر؛ كما هو حاله في الحرب الإمبريالية الحالية المشنونة على روسيا؛ الاستحواذ على الأراضي الشاسعة لهؤلاء "الحُمر" كونها "خصبة" بالذهب والمعادن النفيسة، وبغيرها الكثير التي صبَّت وما زالت تصب للآن في جِعَابِ أصحاب الكارتيلات الاقتصادية والصناعية والمالية.
إضافة إلى ذلك، تؤكد الحرب الدائرة في أوكرانيا، أن النظام القائم فيها لم يُدرك مصالحه الوطنية والإقليمية طوال السنين المنصرمة، فانغمس عميقاً في وُحُولِ التحدي والحرب التي جَبَلَهَا لنفسه وتناولها لتشكل لديه عُسر هضم دائمية لا يقوى على معالجته سوى بعملية جراحية دقيقة، لكن هذه المرة لن يتفوق في ذلك سوى بعد تخليه عن كل ما لديه من أوراق سياسية واقتصادية ودبلوماسية إن بقيت لديه، ذلك لأنه فَقَدَ كل الآليات التي عوَّل عليها سابقاً للحفاظ على مكاسبه، بعدما تأكد له بأن الغرب ذاته لا يريد تفعيل أيِّ ميكانيزمات لوقف القتال، بل لاستمراره، وصولاً كما يعتقدون في عواصم أوروبية وواشنطن وكييف إلى "نجاح إنهاك روسيا"، لكن غاب عن أذهانهم، أن للروس تاريخاً طويلاً يُعدُ بمئات السنين في الخبرات القتالية في أجواء الصقيع، والوحول الطبيعية، وفي تذليل الموانع على اختلافها، وفي طرد المعتدين عن أرضهم، وإذلالهم على مدار قرون زمنية متلاحقة، ولا أدل على ذلك سوى انتصار السوفييت بكل قومياتهم وأعراقهم على جميع مَن تجرَّأ على مهاجمتهم، ليتم ملاحقتهم إلى أعماق أعْقَار ديارهم، على شاكلة نابليون الذي داس الروس على رأسه بعدها لاحقوه إلى عُقْر دارته الباريسية، وكذلك المُجرم الدولي الفوهرر "أدولف هتلر - شيكل غروبر"، الذي انتحر ختام نيسان/إبريل1945م في قبوه – تابوته العسكري المُعتم المُدَّمر والمَحروق تماماً، لكنه تجرَّأ على نحر عشيقته "إيفا براون" قُبيل انتحاره بثوانٍ في قبو تحرسه عناصر الـ "إس إس" النازية، التي تم تصفيتها على يد القوات السوفييتية المنتصِرة على النازية، التي دلفت إلى غرفة هتلر – قبره بُعيد دقائق قليلة من توجه روحه المُثقلة بجرائم قتل عشرات ملايين الأبرياء في كل بلدان الدنيا إلى مثواها الشيطاني في جنهم أبدية، وبعدما أحرق جنوده الفيرماخت المقبورين أيضاً معظم جسده تحت قصف وابل القذائف السوفييتية التي سقطت على مقر المستشارية النازية، فتحول الجزء من الجثتين إلى رماد، والباقي بقي في حالة قميئة وقبيحة، في علامة انتقام ربانيَّة من جرائم "شيكل" البشع هذا، الذي اعتقد أن التاريخ والبشر والحَجَر مُلك يديه، فتبيَّن له العكس تماماً بعد فوات الأوان، لتغدو هذه القصة عبرة لمَن لا يعتبر اليوم.. وبعد اليوم أيضاً! وختاماً، نتمنى السلام لروسيا وأوكرانيا وكل البشرية.
*كاتب يحمل الجنسية الروسية.