يجري وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم الأربعاء 8 يونيو/حزيران 2022، محادثات مع نظيره وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو في العاصمة التركية أنقرة.
وكما هو متوقع، سيبحث الوزيران آفاق مسألة تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا، وخطط أنقرة لإجراء عملية عسكرية في شمالي سوريا وكذلك قضايا التعاون الثنائي.
هذا وقد وصل لافروف إلى أنقرة يوم أمس. وبحسب قوله، فقد توجه متخصصون روس إلى تركيا يوم الاثنين الماضي. وصرّح المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ودول افريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، لوكالة أنباء "تاس" في وقت سابق بأن وفد الوزير لافروف وخلال زيارته لتركيا سيضم أيضا ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية.
وبحسب تقارير من وزارة الخارجية الروسية يوم أمس الثلاثاء، سيبحث وزيرا خارجية روسيا وتركيا سيرغي لافروف ومولود تشاويش أوغلو الوضع الحالي للأزمة الأوكرانية خلال اجتماع عمل، فضلاً عن آفاق استئناف المفاوضات بين موسكو وكييف.
كما أشارت الخارجية الروسية إلى أن الوزيرين يعتزمان دراسة الوضع في منطقة القوقاز، ومناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وآسيا الوسطى، وكذلك في منطقة البحر الأسود.
وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر مناقشة آفاق التعاون التجاري والاقتصادي في سياق العقوبات الغربية ضد روسيا.
إلى ذلك وبعد أنقرة، سيتوجه لافروف إلى محطته التالية في يريفان، حيث سيجري محادثات مع نظيره الأرمني أرارات ميرزويان ويشارك في اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
وفي هذا الصدد، من المتوقع أن يناقش لافروف مع تشاويش أوغلو الزيارة المرتقبة لأرمينيا وآفاق تحسين العلاقات بين أنقرة ويريفان.
تصدير الحبوب من أوكرانيا
يُشار إلى أنه من المتوقع أن يكون الموضوع الرئيسي للمحادثات هو العملية العسكرية في أوكرانيا وتصدير الحبوب من موانئ البلاد. وقد أكدت روسيا مراراً أنها لا تتدخل في مسألة تصدير الحبوب الأوكرانية.
وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق، تضمن موسكو مرور السفن المحملة بالحبوب الأوكرانية من دون عوائق في حال أزالت أوكرانيا الألغام من موانئها في البحر الأسود، ويمكنها ضمان تصديرها عبر الموانئ التي تسيطر عليها روسيا مثل بيرديانسك وماريوبول. كما أن أوكرانيا، وفقا للرئيس الروسي، يمكنها أيضاً تصدير الحبوب عن طريق البر، والطريق الأكثر منطقية هو بيلاروسيا، والتي يجب رفع العقوبات الغربية عنها.
بدوره، أكد المتحدث الرسمي باسم الكريملِن دميتري بيسكوف في وقت سابق أن الحبوب الأوكرانية ستكون على رأس جدول أعمال زيارة لافروف إلى تركيا. وفي محادثة هاتفية جرت يوم 30 مايو/أيار الماضي، بين الرئيسين الروسي والتركي، أشار بوتين إلى أن موسكو مستعدة، بالتنسيق مع الشركاء الأتراك، لتسهيل عبور البضائع من دون عوائق في البحر الأسود وبحر آزوف، بما في ذلك تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية.
وفي سياق متصل، ذكر الوزير لافروف، بعد محادثة بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تم التوصل إلى اتفاق بأن الزملاء الأتراك سيحاولون المساعدة في تنظيم إزالة الألغام من الموانئ الأوكرانية. كما وشدّد وزير الخارجية الروسية على أن عملية إزالة الألغام يجب أن تتم دون أي محاولات لتقوية الإمكانات العسكرية لأوكرانيا وإلحاق الضرر بروسيا.
وأعرب عن أمله في أنه خلال المحادثات في تركيا سيكون من الممكن وضع خيارات لتصدير الحبوب من أوكرانيا، إلا أنه يتعيّن على قادة الدول وضع النقطة الأخيرة بشأن هذه القضية.
وأضاف بيسكوف في وقت لاحق أن قرارا بشأن التوطيد المحتمل لاتفاق بشأن الأمن الغذائي على مستوى قادة روسيا وتركيا سيُتخذ بعد المحادثات بين لافروف وتشاويش أوغلو.
هذا وسبق أن أشارت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إلى أنّ روسيا على استعداد لتوريد حبوبها إلى جميع الدول المحتاجة، لكن هذا ما يعيقه الغرب وهو الذي فرض قيودا على دخول السفن الأجنبية إلى الموانئ الروسية من أجل مصالحه السياسية والتجارية، وعلى خدمة السفن الروسية في الموانئ الأجنبية، كما أوجد حواجز لا يمكن التغلب عليها حول عمليات التأمين والمعاملات المصرفية.
وجهة نظر من تركيا
بتاريخ 4 يونيو/حزيران، قال المتحدث باسم مكتب الرئيس التركي، إبراهيم كالين، في مقابلة مع وكالة أنباء "الأناضول"، إن شحنات الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية عبر البحر الأسود وعبر المضائق يمكن أن تبدأ في المستقبل القريب، ويمكن تسهيل ذلك من خلال توقيع مذكرة مناسبة خلال زيارة سيرغي لافروف إلى أنقرة.
وبالإضافة إلى ذلك، أفادت وسائل الإعلام التركية عن تطور قضية إنشاء "مركز الحبوب" في اسطنبول وإعداد ممثلي روسيا الاتحادية وأوكرانيا والأمم المتحدة لخريطة طريق لإلغاء حظر تصدير الحبوب الأوكرانية والعمل على تصديرها عبر البحر الأسود والمضيق.
كما سيتيح تنفيذ هذه الخطط، بحسب ما ورد، تصدير نحو 20 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق العالمية. وتعليقاً على هذه التقارير، قال تشاويش أوغلو إن تركيا منفتحة على التعاون مع جميع الدول بشأن مسألة إنشاء ممر أمني لتصدير الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية عن طريق البحر.
وأيضاً في معرض تعليقها على تقارير الجانب التركي حول أفق المفاوضات مع أوكرانيا في اسطنبول من خلال وساطة الأمم المتحدة، أشارت ماريا زاخاروفا إلى أن موسكو ممتنة لأنقرة لهذه المبادرة، لكن حتى الآن لا توجد أي نتيجة كي يتم الحديث عنها.
من جهتها، ذكرت وكالة "بلومبيرغ"، أن روسيا وتركيا اتفقتا مبدئيا على استئناف نقل المنتجات الزراعية، بما في ذلك تصدير الحبوب، عبر البحر الأسود، من أوديسا، ولكن كييف متشككة في هذه الخطة.
العملية العسكرية في سوريا
الجدير بالذكر أنّه من المواضيع المهمّة للمحادثات، خُطط أنقرة لإطلاق عملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في 23 مايو/أيار الماضي، الاستعدادات لعملية عسكرية في منطقتي منبج وتل رفعت شمالي سوريا من أجل توسيع المنطقة الأمنية بعمق 30 كيلومترا والتي تم إنشاؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بعد عملية "نبع السلام".
وفي 4 يونيو/حزيران الجاري، أشار الرئيس التركي إلى أنّ أنقرة تعتزم إجراء عمليات جديدة عبر الحدود في شمالي سوريا لضمان الأمن على حدودها الجنوبية.
وبذلك أبدى السلك الدبلوماسي الروسي انزعاجه من التقارير التي تتحدث عن هذه العملية العسكرية.
وبحسب ما أشارت إليه زاخاروفا، فإن مثل هذه الخطوة من دون موافقة الحكومة السورية ستكون انتهاكاً مباشراً لسيادة الجمهورية ووحدة أراضيها، وسيؤدي كذلك إلى تصعيد إضافي للتوتر في ذلك البلد.
وأعربت الدبلوماسية عن أمل موسكو في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور الوضع في سوريا.
وفي الوقت نفسه، كما أكدت زاخاروفا، تتعامل موسكو بفهم مع مخاوف تركيا فيما يتعلق بالتهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي من المناطق الحدودية في سوريا.
وعلى حد قولها، لا يمكن ضمان الأمن الموثوق به على الحدود السورية - التركية إلا من خلال نشر عناصر عسكرية من قوات الأمن السورية في المنطقة المحاذية لها.
هذا وتعتزم كازاخستان، منتصف يونيو/حزيران الجاري، إجراء جولة أخرى من المحادثات بصيغة "أستانا" بشأن سوريا، تشارك فيها روسيا وتركيا وإيران. ومن المُمكن أن يناقش الوزراء كيفية تطوير هذا الصيغة بشكل أكبر، مع مراعاة الأحداث الأخيرة.
موقع تركيا في الـ "ناتو"
من المحتمل أن يتطرق لافروف وتشاويش أوغلو إلى موضوع توسع حلف شمال الأطلسي، الـ "ناتو"، على خلفية خطط فنلندا والسويد للانضمام إلى الحلف. وأكد الرئيس التركي مراراً أن أنقرة لن تدعم قبول هذه الدول في الحلف حتى تحدّد موقفها من المنظمات الإرهابية، ولا سيما "حزب العمال الكردستاني".
وفي هذا الإطار، قال المتحدث الرسمي باسم أردوغان يوم 4 يونيو/ حزيران، إن أنقرة ليس لديها حدود زمنية لاتخاذ قرار بشأن عضوية السويد وفنلندا في الـ"ناتو". وأشار إلى أن هذه الدول بحاجة إلى الوفاء بالمتطلبات التي تطرحها تركيا لها بشأن مسألة عضوية الـ "ناتو".
وفي تعليقه على موقف أنقرة من عضوية هذه الدول في الحلف، أشار سيرغي لافروف إلى أن هذه المسألة هي شأن سيادي لتركيا، وإلى أن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف المذكور، بحسب الوزير، لن يجعل الوضع أفضل من الناحية السياسية.
الاقتصاد والسياحة
من المعروف أنه لدى موسكو وأنقرة علاقات تجارية واقتصادية وثيقة ومتطورة.
وفقاً لنائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية، الرئيس المشارك للجنة الحكومية المشتركة الروسية - التركية، ألكسندر نوفاك، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا 33 مليار دولار في عام 2021، وفي عام 2022 تتوقع موسكو زيادتها.
كما تنفذ روسيا في تركيا مشروع أول محطة للطاقة النووية في البلاد، "أقويو".
وبحسب رجب طيب إردوغان، فإن المحطة النووية، التي بنتها شركة "روس أتوم" الحكومية الروسية، ستُطلق قبل نهاية عام 2023.
وبالإضافة إلى ذلك، تظل تركيا واحدة من أكثر الوجهات شعبية بين السياح الروس بسبب حقيقة أن سلطات البلاد لم تنضم إلى العقوبات المفروضة على روسيا بسبب العملية الخاصة في أوكرانيا، ولم تشرع في إغلاق الحركة الجوية.
وتوقعت السلطات التركية في البداية أن تستقبل حوالي 7 ملايين سائح روسي هذا العام. ولكن بسبب الأزمة الأوكرانية، انخفض هذا الرقم إلى 3.5 مليون سائح. وينتظر معظم الروس الذهاب إلى المنتجعات الساحلية، وخاصة إلى أنطاليا.
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: وزارة الخارجية الروسية
المصدر: تاس