اختتم مؤتمر الأطراف (كوب-28) في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أعماله في دبي - الإمارات العربية المتحدة، بعد يوم واحد من الموعد المقرر، حيث تعثرت الوفود في اعتماد الوثيقة الختامية في الوقت المناسب، إذ ناقش ممثلو 198 طرفاً في الاتفاقية معايير الاتفاقية ونقطتها الرئيسية، والتي ينبغي أن تحدد مستقبل الوقود الأحفوري، حتى الصباح الباكر، وذلك يوم أمس الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الأول 2023.
يُشار الى أن التخلي العالمي عن استخدام الفحم والنفط والغاز أصبح من أكثر القضايا إثارة للجدل التي نوقشت في المؤتمر، ومن أجل تحقيق أهداف اتفاقية "باريس"، كانت هناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات المكثفة في الانبعاثات، ولهذا السبب أصرت معظم الوفود على التزامات صارمة - التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وتحديد قيم الذروة للانبعاثات بحلول عام 2025. وقد اتخذ هذا الموقف كل من البلدان المتقدمة والعديد من البلدان النامية، التي ساهمت تاريخياً بأقل قدر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكنها تعاني أكثر من غيرها من آثار تغير المناخ.
في الوقت نفسه، دعت حكومات بعض البلدان التي تعتمد تنميتها الاقتصادية على استخدام الوقود الأحفوري إلى خيار أقل جذرية للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري "الذي لا يلين"، ستسمح هذه الخطوة باستخدام مصادر الطاقة الملوثة، بشرط استخدام تقنيات إزالة الانبعاثات على نطاق واسع، وكان المؤيد الرئيسي لمثل هذا النهج التوفيقي لتحديد الاستخدام المستقبلي للوقود الأحفوري هو الإمارات العربية المتحدة، واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، حيث كانت الدولة التي تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ هذا العام تأمل في إقناع المجتمع الدولي بأن حياد الكربون ممكن دون التخلي تماماً عن الوقود الأحفوري، وللقيام بذلك، عززت دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.
ولم ترضي أي من الصيغ التي تشير إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري المملكة العربية السعودية، وكذلك العديد من دول أوبك وتحالف "أوبك+" الأخرى. وفقاً لمصدر وكالة "تاس" في الوفد السعودي، ضمن المفاوضات المغلقة للأطراف في الاتفاقية، هدد ممثلو المملكة بعرقلة الوثيقة إذا كان هناك حكم بشأن التخلي عن الوقود الأحفوري، بسبب المواقف القطبية للأطراف، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود عندما كان هناك عدة أيام متبقية قبل نهاية المؤتمر.
جدير بالذكر أنه في 10 ديسمبر الجاري، دعا وزير الصناعة والتقنيات المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة - سلطان بن أحمد الجابر، رئيس مجلس إدارة المؤتمر، رؤساء الوفود إلى اجتماع في صيغة المجلس، وهو مجلس تمثيلي يُعقد تاريخياً في دول العالم الإسلامي لاتخاذ القرارات الجماعية. وفي هذا الاجتماع، وفقاً لمصدر "تاس"، عارض رؤساء وفود السعودية والعراق، وبعض دول "أوبك" الأخرى، بشكل قاطع إدراج بند بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في الوثيقة الختامية للمؤتمر، كما انتقد ممثل السعودية، على وجه الخصوص، المعارضين لمحاولات "التأثير سياسياً على قطاع الطاقة".
وكان موقف الإمارات أكثر تحفظاً من موقف حلفائها في التحالف، بالنسبة لسلطات البلد المضيف، كان المؤتمر في البداية مشروعاً للصور، وليس منصة لتعزيز مصالحها التجارية، بما في ذلك في قطاع الطاقة، وتتمثل المهمة الرئيسية لرئاسة المؤتمر في التوصل إلى اتفاق تاريخي تدعمه جميع الأطراف في الاتفاقية.
الوثيقة الختامية
الإنجاز الرئيسي لمؤتمر الأطراف كان الوثيقة المتعلقة بنتائج التقييم العالمي الأول، المكرسة لتحليل التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس، وهذه الوثيقة هي خطة رفيعة المستوى يمكن للمجتمع الدولي استخدامها لتحقيق أهداف المناخ، بما في ذلك الحفاظ على متوسط ارتفاع درجة الحرارة السنوي في حدود 1.5 درجة مئوية، إذ سيتعين على الحكومات الآن دمج هذه الخطة العالمية في السياسات الوطنية من أجل تقديم تقارير إلى الأمم المتحدة عن التقدم المحرز في عام 2025.
وخلال أعمال المؤتمر، تم إعداد العديد من مسودات الوثيقة الختامية، والتي تم تصورها في الأصل على أنها تحدد مصير الوقود الأحفوري، حيث احتوى المشروعان الأولان على أحكام للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ودعا المشروع الثالث إلى "الحد من استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري"، وتضمنت النسخة الأخيرة، التي اعتمدها مؤتمر الأطراف، فقرات تدعو إلى "الانتقال من الوقود الأحفوري في نظم الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، وتسريع العمل في هذا العقد الحرج من أجل تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 وفقا للأدلة العلمية"، وكذلك "التخلي عن الإعانات غير الفعالة للوقود الأحفوري التي لا تحل مشكلة فقر الطاقة أو لا توفر طريقاً إلى انتقال عادل في أقصر وقت ممكن".
في المجموع، تشير الوثيقة إلى ثمانية إجراءات مناخية يعتبرها مؤتمر الأطراف ضرورية لخفض الانبعاثات والحفاظ على الزيادة في متوسط درجة الحرارة السنوية العالمية في حدود 1.5 درجة مئوية، على وجه الخصوص، "مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات على مستوى العالم ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030" و"تسريع الجهود للحد من توليد الكهرباء القائمة على الفحم دون تطبيق تدابير خفض الانبعاثات".
تجدر الإشارة الى أن خيارات العمل المناخي الأخرى تشمل "تسريع الجهود العالمية نحو أنظمة طاقة غازات الاحتباس الحراري ذات التوازن الصفري باستخدام الوقود الخالي من الكربون والمنخفض الكربون قبل منتصف القرن أو حوله بوقت طويل"، بالإضافة الى "تسريع خفض الانبعاثات من السيارات بطرق مختلفة، بما في ذلك من خلال تطوير البنية التحتية والإدخال السريع للمركبات ذات الانبعاثات الصفرية أو المنخفضة "وكذلك" تسريع وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بخلاف ثاني أكسيد الكربون2 ، بما في ذلك ، على وجه الخصوص، الميثان، بحلول عام 2030".
ووصف رئيس المؤتمر الوثيقة الختامية للقمة بأنها "إنجاز تاريخي"، تتفق العديد من البلدان، وكذلك أعضاء مجتمع الخبراء، مع هذا التقييم، حيث تم تحديد الحاجة إلى الابتعاد عن النموذج الاقتصادي للتنمية القائم على الوقود الأحفوري في مفاوضات الأمم المتحدة بشأن المناخ لأول مرة.
تقييمات المستندات
من جانبه قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ - سايمون ستيل، متحدثاً في الجلسة العامة الختامية: "ستكون الوثيقة الختامية لمؤتمر الأطراف 28 "بداية النهاية" للوقود الأحفوري، كما نوّه بأنه "على الرغم من أننا لم نقلب صفحة عصر الوقود الأحفوري في دبي، فإن هذه النتيجة ستكون بداية النهاية، والآن جميع الحكومات والشركات تحتاج إلى ترجمة هذه الوعود إلى نتائج اقتصادية حقيقية دون تأخير".
كما أشار رئيس الوفد الروسي والممثل الخاص للرئيس المعني بقضايا المناخ - رسلان إديلجيريف، في مقابلة مع مراسل "تاس"، تبين أن الوثيقة كانت حلاً وسطاً. من ناحية، يأخذ الحكم المتعلق بالانتقال من الوقود الأحفوري في الاعتبار مصالح اللاعبين الرئيسيين في سوق الهيدروكربون، والتي تضمن أمن الطاقة العالمي. حيث رحب العديد من البلدان المتقدمة، التي دعت في البداية إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بالوثيقة، معتبرة أنها نقطة انطلاق لمزيد من العمل المناخي العالمي.
وخلال المؤتمر عارضت المملكة العربية السعودية أي ذكر للوقود الأحفوري في الوثيقة، علماً أنها الرياض أعربت عن ارتياحها للقرار. وفي هذا الصدد قال رئيس الوفد السعودي إن خيارات العمل المناخي المدرجة في الوثيقة ستحافظ على ارتفاع درجة الحرارة ضمن الحدود المنصوص عليها في اتفاقية "باريس"، ولكن في نفس الوقت تتوافق مع "خصائص كل دولة في سياق التنمية المستدامة".
ومع ذلك، فإن الصياغة التوفيقية، التي ليس من الواضح تماماً ما هو "الانتقال" من الوقود الأحفوري، أصبحت موضع انتقاد للعديد من البلدان النامية التي تعاني من آثار الاحتباس الحراري، التي اعتبرت أن الوثيقة تخلق ثغرة لكل من منتجي ومصدري الهيدروكربونات، وكذلك لمعظم البلدان المتقدمة ذات الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وعلى وجه الخصوص، قالت ممثلة ساموا - آن راسموسن ، متحدثة باسم تحالف الدول الجزرية الصغيرة التي يشكل الاحترار العالمي تهديدا وجودياً لها، في الجلسة العامة "لم يتم توفير التصحيح اللازم للمسار".
نتائج أخرى
من الإنجازات الهامة الأخرى للمؤتمر هي إنشاء صندوق للتعويض عن الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ التي تلحق بالبلدان النامية، إذ وافقت الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على الاتفاقية ذات الصلة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يوم افتتاح المؤتمر، وقد اتخذ قرار إنشاء الصندوق عقب نتائج مؤتمر القمة السابقة للمؤتمر، الذي عقد العام الماضي في شرم الشيخ. ويعمل ممثلو البلدان المتقدمة والنامية على الاتفاقية طوال عام 2023. وينص على إطلاق آلية مالية خاصة تساعد البلدان الضعيفة على مواجهة الأضرار الناجمة عن الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر. وخلال المؤتمر، جمع الصندوق ما يقرب من 800 مليون دولار.
كما يُشار الى أن صندوق المناخ الأخضر تلقى مساهمات جديدة كجزء من دورة التجديد الثانية، وبلغ إجمالي المساهمات المعلنة رقماً قياسياً قدره 12.8 مليار دولار. وقد أعلنت ثماني حكومات مانحة عزمها على تخصيص أموال لصندوق أقل البلدان نموا والصندوق الخاص لتغير المناخ بأكثر من 174 مليون دولار، وقد جمع صندوق التكيف لمساعدة البلدان النامية ما يقرب من 188 مليون دولار، في المجموع، خلال المؤتمر، وعدت الحكومات وممثلو الشركات الكبيرة والمنظمات الخيرية بتخصيص أكثر من 83 مليار دولار لتنفيذ مختلف المبادرات المناخية.
في مؤتمر الأطراف الحالي، استمرت المناقشات حول تحديد "هدف جماعي جديد للتمويل الكمي للمناخ" في عام 2024، مع مراعاة احتياجات وأولويات البلدان النامية، سيصبح هدف التمويل الجديد، الذي يجب أن يكون 100 مليار دولار على الأقل سنوياً، الأساس لتطوير الخطط المناخية الوطنية وتنفيذها لاحقا. وسيتعين على الحكومات تقديم هذه الخطط بحلول عام 2025.
وبالإضافة إلى ذلك، اعتمد المشاركون في المؤتمر 11 إعلاناً تغطي مجالات عديدة، أعلنت أكثر من 150 دولة عزمها على تحديد هدف منفصل لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في قطاع الأغذية، ووعد أكثر من 130 دولة بمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، ووقع أكثر من 120 دولة إعلاناً يدعو إلى تحديث النظم الصحية الوطنية مع مراعاة مخاطر المناخ، كما تعهد أكثر من 20 دولة بمضاعفة إمكانات الطاقة النووية العالمية ثلاث مرات بحلول عام 2050.
المؤتمرات التالية
وفقاً لمبدأ التناوب، ينبغي عقد مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للمناخ في إحدى دول أوروبا الشرقية، وأصبحت أذربيجان المنافس الرئيسي لقمة المؤتمر المقبلة، ولكن الموافقة على طلبه تتطلب دعم أعضاء مجموعة أوروبا الشرقية الذين شاركوا في مؤتمر الحالي، وفي اجتماع الكتلة الإقليمية، الذي عقد في إطار المؤتمر، أيدت الدول طلب أذربيجان، وأصبح هذا ممكناً بعد أن سحبت أرمينيا ترشيحها لمؤتمر الأطراف 29 لصالح ترشيح أذربيجان.
وفي 11 ديسمبر الجاري، وافق المؤتمر، على ترشيح أذربيجان والبرازيل لاستضافة مؤتمر الأطراف (كوب -29) ومؤتمر الأطراف (كوب -30). كما من المفترض أن تكون القمتين التاليتين حاسمتان للعمل المناخي في المستقبل، وفي مؤتمر الأطراف 29، يجب على الحكومات تحديد هدف جديد لتمويل المناخ، في مؤتمر الأطراف 30- إعداد خطط وطنية جديدة لمكافحة تغير المناخ، والتي ستغطي جميع قطاعات الاقتصاد.
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
Photo: Tim Reckmann/Creative Commons 2.0
المصدر: تاس