أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، أن "أصعب وضع إنساني في سوريا هو في الأراضي التي لا تسيطر عليها دمشق، والتي تتحمل مسؤوليتها دول تحتلها بشكل فعلي". صرّح نائب وزير الخارجية الروسي بذلك يوم أمس الاثنين 29 مارس/آذار 2021، خلال اجتماع عبر الإنترنت عقده مجلس الأمن الدولي حول الوضع الإنساني في سوريا.
وقال فيرشينين إنها "مفارقة، لكنها صحيحة. لقد لوحظ تدهور كبير في حياة الأهالي في سوريا على وجه التحديد خلال العام الماضي، عندما تم تحقيق انخفاض كبير في العنف على الأرض، يُشار إلى أن أصعب الأوضاع تتطور في المناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق في الشمال الغربي، وفي الشمال، وفي الشمال الشرقي لسوريا، والتي كما أذكركم أن مسؤوليتها تقع على عاتق البلدان والسلطات المحلية المحتلة بحكم الأمر الواقع".
وأضاف سيرغي فيرشينين أن روسيا "تشارك بشكل عام" التقييمات المقلقة للوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي في سوريا، التي عبر عنها ممثلو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، منوهاً بأن "الغالبية العظمى من السوريين اليوم، أكثر من 90%، يعيشون تحت خط الفقر، 60% يعانون من سوء التغذية، وهناك 2 مليون طفل لا يحصلون على حقهم في التعليم".
من جهته، قال نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك في وقت سابق إن "حوالي 13.4 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وقد زاد هذا العدد بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي".
وقد تبنّى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، في شهر يوليو/تموز 2020، قراراً بقضي بتمديد آلية المساعدة عبر الحدود إلى سوريا لمدة عام، والتي كانت سارية المفعول منذ 2014، حيث تتم عمليات التسليم هذه عبر نقطتيّ عبور على الحدود مع تركيا، "باب السلام" و"باب الهوى"، علماً أن موسكو ودمشق تصرّان على الإلغاء التدريجي لهذه الآلية، وذلك مع عودة المزيد من المناطق في سوريا إلى سيطرة الحكومة.
إلى ذلك أشار الممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا عدة مرات، إنه يمكن الآن إيصال المساعدات من داخل البلاد بالتنسيق مع دمشق، وذلك على النحو المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي.
مساعدات إنسانية إلى إدلب
وفي شأن متصل صرّح الدبلوماسي الروسي سيرغي فيرشينين بأن "الإرهابيين في منطقة خفض التصعيد في إدلب يعيقون وصول المدنيين إلى المساعدات الإنسانية المرسلة إلى هناك".
وأوضح أن "المساعدة لا تصل إلى المستفيدين، بل تستقر في أيدي الإرهابيين الذين يفرضون الجزية على الإمدادات الإنسانية، ويقومون بقمع السكان المدنيين بوحشية، وفي الواقع، يستخدم المسلحون المدنيين السوريين كرهائن لتلقي الدعم الإنساني من خلال آلية مُبهمة، لا تستطيع الأمم المتحدة السيطرة عليها بسبب عدم الوصول إلى شمال غرب سوريا".
واستشهد فيرشينين، على سبيل المثال، بحادثة وقعت في قرية رامي في 11 مارس/ آذار الجاري، "عندما استولى المسلحون على الطعام من المدنيين، خلال تقديم المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى حصول اشتباك مسلّح أسفر عن مقتل 10 أشخاص".
كما أشار نائب وزير الخارجية في روسيا الاتحادية إلى أنه "لا يمكن إرسال القافلة الإنسانية المشتركة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري المتفق عليها في ابريل/نيسان 2020".
وأضاف: "ومن إحاطة إلى إحاطة أخرى، نسمع تفسيرات غامضة حول ضرورة الحصول على موافقة جهات معينة في إدلب من أجل إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة. وبالطبع نحن نتحدث هنا عن نفس الأطراف التي تسمح بمرور قوافل مماثلة، ولكن في إطار الإمدادات عبر الحدود".
كما قال المسؤول الروسي إنه "إذا تذكرنا أن منطقة خفض التصعيد في إدلب تخضع لسيطرة (هيئة تحرير الشام) وتنظيم "حراس الدين" (من تنظيمات الإرهابية المحظورة في روسيا الاتحادية)، فسيتضح نوع هذه الأطراف والحال التي هي عليها".
وبحسب سيرغي فيرشينين، فإن هؤلاء المسلحين أنفسهم يعيقون الخروج الطوعي للسكان المدنيين من إدلب عبر ممرات إنسانية، فُتِحت خصيصا بمساعدة الجيش الروسي.
تسييس القضايا الإنسانية
إلى ذلك سلّط سيرغي فيرشينين الضوء على أن "الدول الغربية تقوم بالتمييز ضد المناطق التي تسيطر عليها السلطات السورية فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية".
وأوضح أنه "بشكل عام، هناك تسييس صريح للقضايا الإنسانية المحضة، ويتم التمييز ضد المناطق التي تسيطر عليها دمشق من حيث تقديم المساعدة الإنسانية، ورفض المساعدة في التعافي وعودة اللاجئين، وتشديد العقوبات على خلفية وباء انتشار وباء (كوفيد -19)، والرغبة في الحفاظ على الآلية العابرة للحدود التي تنتهك القانون الدولي الإنساني، والمبادئ التوجيهية الواردة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 46/182. وكل ذلك بهدف تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها لأسباب سياسية خلافية مع قيادة البلاد".
هذا وشدّد المسؤول الروسي على أن "موسكو في هذا الصدد، تأسف وتدين الانتهاك المستمر من قِبَل عدد من الدول الغربية لروح ونص قرار مجلس الأمن الدولي 2254، بدءً من الأحكام الخاصة بالالتزام الراسخ بالسيادة والاستقلال ووحدة الأراضي السورية، وكذلك أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
الحرب على الإرهاب
هذا وأكد سيرغي فيرشينين أن محاولات تبييض صفحة الإرهابيين في سوريا وتمييزهم على أنهم معارضة مسلحة "غير مقبولة". مبيناً أن "ن محاولات تبييض الإرهابيين وتمثيلهم على أنهم معارضة مسلحة بمساعدة - على وجه الخصوص - من العاملين في المجال الإنساني الزائف من أصحاب "الخوذ البيضاء"، أمر غير مقبول ويستحق الإدانة".
وشدّد على ضرورة استمرار الكفاح الذي لا يمكن حله ضد الإرهابيين العاملين في سوريا. مضيفا أن "إجراءات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها قوات الحكومة السورية بدعم من الجيش الروسي يتم معايرتها وتأخذ في الاعتبار ضرورة ضمان سلامة المدنيين".
تأثير العقوبات الغربية
واسترسل المسؤول الروسي قائلاً إن ممثلي الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لم يتطرقوا، في خطاباتهم خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في سوريا إلى الأثر السلبي الكبير للعقوبات اُحادية الجانب التي فرضتها واشنطن وبروكسل على حياة السوريين العاديين.
وقال نائب الوزير في اجتماع عبر الإنترنت لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في سوريا إن "رد فعل واشنطن وبروكسل(الاتحاد الأوروبي) على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإضعاف ورفع العقوبات أُحادية على خلفية جائحة فيروس كورونا كان على العكس من ذلك، تجسد بتشديد غير مسبوق للقيود التي تم تبنيها عبر تجاوز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك مع الأسف، إدخال تنفيذ قانون قيصر سيئ السمعة في يونيو/حزيران 2020. وفي خطابات اليوم التي ألقاها ممثل الولايات المتحدة الموّقر وغيره من الزملاء الغربيين، قيل الكثير، باستثناء عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتأثيرها السلبي بشكل كبير على المواطنين السوريين العاديين".
كما أشار سيرغي فيرشينين إلى أنه "في سياق التدهور المقلق للوضع في سوريا، فإن موظفي المنظمات الدولية ذات الصلة العاملة هناك يحثّون ليس فقط على زيادة المساعدات الإنسانية العاجلة، والتي تغطي فقط الاحتياجات الأساسية للسوريين، ولكن أيضا من أجل العمل على تنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر ودعم الأهالي".
وأكمل قائلاً إنه "رداً على عدد من الأعضاء المسؤولين في المجتمع الدولي، وفي البداية، الولايات المتحدة وأوروبا، نسمع تصريحات بأن السوريين لن يحصلوا على أي شيء لإعادة الإعمار، حتى يتم تنفيذ الإصلاحات السياسية في البلاد".
واختتم نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية تصريحاته الخاصة بهذا الملف في الاجتماع بالإشارة إلى أنه"لا داعي للحديث عن الاستثناءات الإنسانية المعلنة، في سياق النقص الكامل بالخبز والوقود، وبقطع الغيار والأدوية والمعدات الطبية في سوريا، التي، بالمناسبة، الذي (النقص) لا يقتصر على المواطنين السوريين العاديين، وإنما كذلك على خبراء الأمم المتحدة والوكالات والمنظمات غير الحكومية".
تهريب النفط
أما في ملف آخر فصرّح نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين بأن "الولايات المتحدة تقوم بتهريب النفط ومحاصيل الحبوب بشكل كبير من سوريا، في الوقت الذي يعاني فيه السوريون من نقص حاد بالمنتجات الأساسية".
وأضاف: "تتواصل التقارير الواردة التي تفيد بأن القوافل الأمريكية تنقل النفط والحبوب يومياً من سوريا إلى العراق. ففي 23 مارس/آذار/2021، عبرت الحدود السورية العراقية، حسب المعلومات الواردة، 300 شاحنة وقود، وأكثر من 200 شاحنة محمّلة بالحبوب منذ بداية الشهر".
كما قال سيرغي فيرشينين: "اتضح انه في الوقت الذي يعاني فيه السوريون من نقص حاد في المنتجات الأساسية، بما في ذلك الخبز والبنزين، يتم تهريب الموارد الطبيعية السورية من منطقة شرق الفرات، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، مع استمرار الخنق الاقتصادي للبلاد جرّاء العقوبات أحادية الجانب، التي هي في واقع الحال شكل من أشكال العقاب الجماعي".
وتابع نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية: "بالفعل، الآن ثلاثة أشهر ونصف الشهر قبل انتهاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2533 بشأن آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وبدأت مناقشات نشطة حول هذه الخطة وكأنه لا بديل عنها. يُشار إلى أنه إذا كنا نتحدث عن حركة مرور غير شرعية عبر الحدود فإن الموضوع لا يُطرح،علماً بأن توصيل المساعدات الإنسانية يتطلب قراراً خاصاً من مجلس الأمن".
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: وزارة الخارجية الروسية
المصدر: تاس