Ru En

العملية العسكرية الروسية الخاصة والرأي العام العربي

٠٦ فبراير ٢٠٢٣

الأكاديمي مروان سوداح

 

من الواضح للخبير السياسي وحتى المواطن العربي العادي، أن الرأي العام العربي يصطف إلى جانب روسيا في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فالشعوب العربية كانت وما زالت ترى في روسيا بوتين تلكم الدولة القوية والإنسانية القسمات والتطبيقات في آن واحد معاً، التي لم تستعمر أحداً، ولم تفرض وصايتها على أحد، ولم تصدر أوامرها على أي دولة عربية كما هو حال عددٍ من دول الغرب، التي تُسَارِع لفرض أجنداتها على العرب بالتهديد تارة والوعيد في أُخرى، بل عملت موسكو وما تزال تعمل إلى اليوم ما وسعها الجهد والإمكانات طوال العقود الكثيرة الماضية؛ أي منذ تأسيس روسيا ومن بعدها الدولة السوفييتية؛ على مد يد العون الحقيقي والوازن لمختلف الدول العربية وحكوماتها وشعوبها، فقد كانت هذه المعونة في غالبيتها مجانية، هدفها تعميق التفاهم والتنسيق الروسي - العربي رسمياً وشعبياً راهناً ومستقبلاً، والعمل في مسارب تصب في صالح الجهتين، العرب وشعوب روسيا، فقد شهدنا خلال الحكم القيصري الروسي على مدارعقود غير قليلة قبل تأسيس الاتحاد السوفييتي المُنحَل، تفاهمات روسية عربية عميقة، وعلاقات كانت أشبه بطريق الحرير الصيني، لكنه طريق حرير روسي عربي، امتد من موسكو ليسلك مسالك بعض الدول والعواصم العربية، مروِّجاً السلع الروسية ومسارعاً لشراء المنتجات العربية وتأسيس عائلات مختلطة عربية روسية.


في الحقبة الروسية الحالية التي يقودها الزعيم الفذ فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، نشهد ونشاهد استمرارية التأييد العربي بشكل واسع للغاية له ولروسيا وعمليتها العسكرية الخاصة، فلا يخلو لقاء بين مجموعات الأصدقاء العرب، أو اجتماعات ما دون التطرق للاوضاع الحالية للعملية العسكرية، أضف إلى كل ذلك، اهتمام المواطن العربي البسيط وغير المسيس أيضاً بالمواقف الروسية المختلفة، التي تهتم بمَشاهِد وأوضاع الحرب القائمة والعمليات الهجومية والدفاع عن الأرض والعرض، بل تُكبِر في روسيا بوتين اهتمامه بدول العالم الصغيرة والفقيرة وتلك التي في أمس الحاجة للحبوب والمواد الغذائية والمساعدات المختلفة التي وعد بوتين العالم الثالث على وجه الخصوص بها، وعارضها الغرب الاستعماري، وفرض عليها حصارات كثيرة لمنعها من الوصول إلى مبتغاها في العواصم الثالثية الإفريقية والآسيوية، وغيرها أيضاً.


روسيا تسعى لانتشال أعدادٍ متزايدة من مساكين البشر من الفقر والفاقة والموت جوعاً، وعندما عرقل الغرب علانية هذه المساعي الروسية، تأصّلت معارضة غالبية العرب للغرب التوسعي، وأدركت ملايين جديدة منهم عدوانية الغرب واستمراريته على نهجه التاريخي القديم، بمحاولة تسخير الدول التي كان يستعمرها لمصلحته، إذ فهم كثيرون بالملايين من العرب، أن الغرب السياسي إنما يبقى متمسكاً بقواعده السياسية الانتهازية، مُستهدفاً إشعال الحروب تلو الحروب في كل منطقة أرضية، حصداً لمليارت الدولارات والجنيهات، وليس لحماية هِبة الحياة المقدسة التي أسسها العلي العظيم لناسه على وجه البسيطة المتكلمين بمئات اللغات والمنتمين لقوميات وألسن وأديان لا إحصاء لعددها لكثرتها. ولهذا، ولمبادئها الإنسانية الرفيعة، تهتم روسيا بوتين ونظام الحكم الروسي بالمساهمة الفعَّالة في إعانة تلك الدول وناسها، وإنهاضها لتلعب الدور المناط بها عالمياً، من خلال المشاريع الانتاجية المختلفة، وتشغيل اليد العاملة الثالثية في بلدان تلك المجتمعات، لرفع مستويات الحياة فيها وقهر الفقر ووقف ارتداداته المأساوية، بالرغم من إنشغال روسيا بالدفاع عن شعبها في مواجهة القصف النازي المتأتي ليلاً ونهاراً من الأراضي الأُوكرانية للمدنيين الروس، ومستشفيات وعَمائر روسيا ودونباس، التي عانت سنوات طويلة من العسف الرسمي الأُوكراني، لمجرد أن مواطني هذه المنطقة يتحدثون تاريخياً باللغة الروسية!


الرأي العام العربي يتابع باهتمام كبير كل هذه وغيرها من التطورات المتصلة بالعملية العسكرية الروسية الخاصة، وقد أصبح من الطبيعي واليومي أن نسمع في الشارع العربي ووسائل المواصلات العامة، مناقشات في أوساط هؤلاء العامة عن هذه العملية الخاصة، والانتصارات الروسية اليومية المتواصلة فيها، وذكاء الخطط العسكرية الروسية، وانكفاء الغرب على نفسه، وتراجعه، والخيبات اليومية التي صار يُعَانِي منها، وتراكُم مشاكله التي لا حل لها في دول تشهد يومياً تظاهرات واستنكارات من شعوبها لحكامها وحكوماتها الغربية، التي أكدت للعالم فشلها وعجزها عن الاتيان بأي أفكار سلمية وواقعية وحقيقية لإحقاق حقوق البشر في دونباس وغيرها، وتراجعها عن خدمة حتى مواطنيها أنفسهم في البرد القارص للفصل الشتوي الحالي، وهروبها من الإتيان بالحقيقة عن الأوضاع التي لحقت بالغرب الذي تندفع في شوارعه يومياً تظاهرات ضخمة تشجب سياسات حكامها وحكوماتها وتطالبها بالاستقالة.


العملية العسكرية الروسية الخاصة تتواصل، وهي تحقق المزيد والمزيد من النجاحات، ويتابعها مليارات الناس والعرب معهم، وتلهج الألسن البشرية لله أن يَنصر روسيا على النازية المتجددة، فالعالم في حاجة للعقلاء وأسوياء العقول والقلوب، وليس لشياطين الإنس والانتهازيين المُعتاشين على فَقِر ودموع الفقراء والثكالى والمُعدمين والمُفلسين والباكين.