بقلم: الأكاديمي مروان سوداح:
ـ مؤسس ورئيس رابطة القلميين العرب أصدقاء وحُلفاء روسيا، وكاتب أردني وروسي الجنسية.
أكدت العملية العسكرية الروسية الخاصة، أن الغالبية الساحقة للمسلمين العرب، وكذلك بالنسبة للعرب عموماً، وجود تأييد واسع وثابت لروسيا والرئيس الفذ فلاديمير بوتين.
لقد أجريتُ خلال الفترة الماضية استطلاعاً غير ورقي لعددٍ كبيرٍ من العرب المثقفين، وكذلك لعددٍ آخر من البسطاء من غير الضالعين في السياسة ودهاليزها، وجميعهم يعملون في مهنٍ مختلفة، وقد تبيّن لي وتكشَّف بما لا يدع مجالاً للشك، بأنهم "جميعاً" يجزمون ويثبتون محبتهم لبوتين "الشخص والقائد والمحرر العالمي المنتظر لشعوب العالم للتخلص من ربقة الشر الاستعماري البغيض"، هذا الشر الذي كان أصحابه يرددون طوال الفترة المنصرمة بأنه وحده يُدير التاريخ، وبأن له وحده الحق بصنع التاريخ العالمي، وبأن هذا التاريخ خاضع له هو وحده.
انتعش المسلمون والعرب خلال هذه الأيام وعلى مدار الشهور المنصرمة بعملانيات بوتين المختلفة لاصطفافه إلى جانب حقوق الشعوب وحقوق الشعب الروسي وقوميات روسيا ومواطنيها من المسلمين واتخاذه الاجراءات الكفيلة بوقف إهانة القرآن الكريم ومشاعر المسلمين في عمليات قال لي المسلمون بأن القيادة العسكرية الأوكرانية تدبرها وتقودها، كما وتحدثوا لي عن اعجابهم بشجاعة بوتين السياسية وشخصيته الحازمة والوثابة لمساندة الحق وحقوق الأمم، وتأييده للمسلمين والأديان وهِبَة الحياة المقدسة التي أهداها العلي القدير للبشرية مجاناً، ونُصرة بوتين وروسيا وتأييدهم خططه حِيال كل الدول التي تقف موقفاً عدائياً من روسيا، وشجبهم للغرب التوسعي الذي يريد إنهاك روسيا بعدما احتل وسرق ودمر خلال قرون كثيرة دول العالم العربي وعشرات دول العالم باستعماريته الفالتة من عقالها، وبقتله مئات ملايين العرب والبشر والفقراء بجيوش الغرب تارة، وبتصنيع الفيروسات في أخرى.
لقد أكد هؤلاء العرب وعدد كبير من المسلمين الذين طرحت عليهم اسئلتي في الأماكن المخلفة وبوسائل متعددة، بأن السيطرة الكولونيالية الغربية الطويلة الأمد على بلدان الضاد والأقطار الإسلامية ودول العالم الضعيفة في كل القارات، أنتجت عداءً عربياً دهرياً للغرب وأمريكا، سيطول أمده في العلاقات بين الأمتين العربية والإسلامية.
قال البعض لي، بأن الغرب برمته من جهة أخرى، ومعظم عواصمه ومراكز صنع القرار فيه، تتذيل لواشنطن وتتذيل لأمريكا، وقد أضحى الغرب ذليلاً في صلاته بأمريكا، وتخلى عن مواقعه كدول مستقلة ليتحول إلى تابع تماماً للعم سام كما نرى الآن من خلال دعم الغرب للفاشية والنازية الأُوكرانية، فالأوامر التي تتلاحق من واشنطن لعواصم الدول الغربية لدعم التوسعية والمجزرة الاوكرانية بحق روسيا وشعبها ومناطق غرب روسيا، تقتل الآن ومنذ سنوات طوال مطوية أعداداً لا حصر لها من الناس والاطفال بالذات، بخاصة بعد تزويد واشنطن والغرب أوكرانيا بصواريخ وأسلحة بعيدة المدى.
قال لي عدد كبير جداً من مواطنينا العرب: الغرب يأتمر بأوامر أمريكية صريحة، كونه يتذيَّل ويتذلل للعم سام دون أي نقاش، لذلك هو تخلى منذ زمن طويل عن استقلاليته، بينما شعوب تلك البلدان الغربية لا تستطيع تغيير وضعها السياسي على الأقل في الزمن الحالي، لأسباب موضوعية بسبب الاحترار الحالي للوضعين الأوروبي والدولي، مؤكدين كمسلمين، بأن التغيير قد يأتي بجهود الرئيس فلاديمير بوتين وحده وبعد انتصاره في العملية العسكرية الروسية الخاصة، وعقب استكمال مهامها، إذ إن الرئيس بوتين قد بدأ منذ البدء يعمل "بهدوء وروية" على برنامج تغيير الوضع الأممي الحالي: "الذي سيتبدل لصالح الشعوب لا محالة، قصرت المدّة أم طالت"، كما قال لي عدد من المتحدثين.
خلال لقاءاتي الاستكشافية، سمعت أن كثيرين يتابعون فضائية "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية، ليحصلوا على المعلومات الصحيحة، كونهم يثقون بها، ويتابعون كذلك على الانترنت الأنباء الروسية التي تشوهها بعض الفضائيات العربية والغريبية، أو تعمل على لَيِّ ذراعها أو تغطيها بإدعاءات وأكاذيب يتم التصريح بها أوكرانياً، فتفقد بريقها الإعلامي، وتذوب في مجرى سيل الأَكاذيب الأُوكراني السلطوي، ويأمل البعض أن تعمل روسيا على استحداث عدد من الفضائيات الروسية وليس واحدة فقط باللغة العربية، "لإيجاد مسابقة إعلامية بين هذه القنوات"، أو بين قناتين على الأقل، لأجل تقديم الجديد والمتجدد يومياً من الأحداث والتعليقات، فالعالم العربي، قال لي عدد من العرب، يَحتاج إلى المزيد من الإعلام الروسي، وليس التلفزيون وحده فحسب، بل وأيضاً الإعلام الورقي والإذاعي، تماماً كما كان الأمر خلال السنوات السوفييتية المطوية، بوجود وسائل إعلامية سوفييتية ناشطة وشهيرة، كانت تحوز ولسنوات طويلة على ثقة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، إذ أن هذه الوسائل الورقية كانت تُباع في وقت واحد في مختلف العواصم العربية، أو أنها كانت توزع مجاناً من خلال المراكز الثقافية السوفييتية التي كانت قائمة حينها في عواصم الضاد، وبعض عناوين هذه الصحف والمجلات كانت التالية: جريدة "أنباء موسكو" الأُسبوعية؛ مجلة "الاتحاد السوفييتي" ـ الشهرية؛ "المجلة العسكرية السوفييتية" - شهرية؛ إضافة إلى ذلك، كان المركز الثقافي السوفييتي، السابق، في العاصة الأردنية عَمَّان، ينشر مواد إعلامية متواصلة، كذلك كان الأمر بالنسبة للسفارة السوفييتية في عَمَّان، ولمكتب وكالة أنباء نوفوستي في عمّان التي كانت تنشر "النشرة الإخبارية" الورقية "اليومية"، وصارت هذه النشرة لسنين طويلة "مُعتَمَدة تماماً" في مختلف الصحف والمجلات الأًردنية التي كانت تستفيد يومياً من المواد المنشورة فيها، وتُعيد نشرها في تلك الصحف والورقيات المحلية المختلفة، وتعمل بالتالي على تعريف "أوسع" قطاعات الرأي العام الأردني بيوميات الاتحاد السوفييتي على كل الصُعد.
في واقع الأمر، لقد شعرتُ شخصياً بعُمق التأييد الشعبي في الأردن لروسيا وسياسة ونهج بوتين، والأهم كان أن أسئلتي تم توجيهها إلى قطاعات مختلفة من الشعب، للمثقفين والمتعلمين وغيرهم أيضاً، وأكد ذلك أن الأردنيين، وبعض العرب الذين طلبت منهم الإدلاء بمواقفهم السياسية من روسيا وعمليتها العسكرية، يتابعون باهتمام بالغ مجريات الأمور الروسية ويقيِّمونَها، ويتناقشون في تأثيراتها الكونية والشرق أوسطية على بلادهم ومستقبلها وعلى أنفسهم أيضا.