Ru En

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

٢٩ يوليو ٢٠٢١

كيف يجب أن تكون الدبلوماسية الشعبية ؟ كيف يمكن للتجربة التاريخية لروسيا والعالم العربي الإسلامي في الحفاظ على العلاقات الإيجابية وتطويرها بشكل شامل بين مختلف الشعوب والمذاهب أن تساعد في حاضرنا؟  تم طرح هذه الأسئلة والعديد من الأسئلة الاخرى في إطار الجلسة العامة "الحوار العام: روسيا - الشرق. الشراكة المتبادلة". شارك أعضاء مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"، بدور نشط في المناقشة التي جرت في قمة  "روسيا - العالم الإسلامي: قمة قازان الاقتصادية الدولية 2021.

 

 

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

 

 

هذه اللقاءات وفقاً لأحد مديري الجلسة سامي كليب، الكاتب والإعلامي التلفزيوني المعروف، مهمة للغاية، لأنها لا تسمح فقط بتلخيص النتائج بل تحدد جوانب جديدة للتعاون وتطوير مشاريع مفيدة للطرفين.


"هناك الكثير لنتعلمه منكم عندما وصلت إلى قازان أدهشتني ليس فقط بجمال الطبيعة كذلك التعايش السلمي بين الثقافات والأديان المختلفة هو ما أثار حماستي حقاً. في بلدي لبنان لدينا العديد من المشاكل التي نشأت بسبب سوء فهم العقيدة. وقال كليب "لديكم حكام ينظمون العلاقات في أي منطقة من بلدكم لذا فإن جمهوريتكم تمضي قدما".

 

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

تحدث رئيس الوكالة الفدرالية الروسية للتعاون الدولي يفغيني بريماكوف، حفيد المستشرق الروسي، السياسي الكبير، رجل الدولة الروسية واحد مؤسسي مجموعة "الرؤية الإستراتيجية" يفغيني بريماكوف إلى المشاركين في المناقشة عبر الإنترنت، وأشار في رسالته بالفيديو إلى أن قازان تدير بنجاح الحوار بين روسيا والعالم الإسلامي منذ سنوات عديدة. وشدد على ذلك بقوله: "أود أن أعبر بكلمات الامتنان لرستم مينيخانوف ومينتيمير شايمييف اللذين بدآ بهذة العملية". ووفقا له فإن المهمة الرئيسية لمثل هذه الاجتماعات هي إجراء حوار فعال غير رسمي بين السياسيين وقادة الرأي العام ورجال الأعمال. خاصة في حاضرنا وصعوبات الحوار الدولي في هذه الظروف.


الجدير بالذكر أن الدول الإسلامية تعرضت خلال السنوات العشر الماضية لهجمات قاسية من العالم الغربي الذي يحاول حرمان الشرق من استقلاله. لكن يجب ألا ننسى أن الشرق قد أصبح بالفعل قطباً جديداً، ومركزاً في عالم متعدد الأقطاب. في النظام العالمي الجديد روسيا تلعب دور مهم بمستوى عالي من الكفاءة والمسؤولية. الثقافات بين روسيا و العالم الاسلامي ليست فقط متشابكة بشكل وثيق وانما تعايشت بسلام لعدة قرون. في روسيا مكّن تعدد الثقافات من خلق حضارة تشاركت تاريخيًا في إنجازاتها ومد يد العون والصداقة والدفاع عن السلام العالمي. كان العالم الإسلامي ولا يزال جزءً لا يتجزأ من حضارتنا. أما بالنسبة للحوار بين روسيا والشرق، فنحن بحاجة لفهم أننا يجب أن نكون جسراً تواصل ونبني علاقات متبادلة المنفعة ومتناغمة". واختتم يفغيني بريماكوف بالتشديد على ان هذا العمل لا يمكن أن يقتصر على الاتصالات الرسمية فقط.

 

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

 

وفقًا للسفير فوق العادة والمفوض نائب رئيس مجموعة "الرؤية الاستراتيجية" فاريت موخاميتشين، فإن دور الناس أو الدبلوماسية الشعبية في السياسة العالمية له أهمية خاصة في عصرنا، معتبراً أن "اليوم  في عصر التحول الدراماتيكي ليس فقط في نظام العلاقات الدولية أنما في النظام العالمي بأكمله أصبحت قضية المسؤولية هي القضية الرئيسية للتنمية البشرية. علمتنا جائحة كوفيد-19 أن هذه المسؤولية لا تتحدد فقط على النخبة السياسية فحسب، بل تشمل جميع القوى النشطة في المجتمع  بل إلى كل مواطن في اي بلد في العالم ".
في ظل هذه الظروف ليس فقط النخب السياسية والدول التي تمثلها ولكن أيضاً العناصر الحية للمجتمعات المدنية تصبح أهم عناصر الحياة الدولية. ولهذا فأن فكرة الدبلوماسية الشعبية تكتسب صدى خاصا.


"الدبلوماسية كنشاط خاص بالطبع  لم يشارك فيها" العامة ". لقرون ظل هذا عمل دائرة ضيقة من المهنيين. وتجدر الإشارة إلى أن التقارب للعلاقات الدبلوماسية على وجه التحديد هو الذي جعل ممكنا التوصل إلى حلول وسطية وحل النزاعات المعقدة في تلك الظروف، عندما كانت المجتمعات مستعدة  لحلول غير سلمية والمطالبة بإجراءات سريعة وجذرية من حكوماتها من دون اعتبار العواقب.


وأشار المتحدث إلى أن هناك الكثير من الأمثلة على هذه المواقف ولا داعي للاستشهاد بها. لكن العالم يتغير وكثافة العلاقات الدولية آخذة في الازدياد، وأصبحت المهام أكثر تعقيداً ، وأصبحت التحديات والتهديدات أكثر صعوبة. يعتقد فريد موحامتشين أن النتيجة الطبيعية لذلك هي إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في خطاباته ومقالاته في الآونة الأخيرة.


"لقد أظهرت السنوات الأخيرة عندما شهد العالم بأسره ما يسمى بدبلوماسية " التويترية " مدى أهمية وضع القواعد والحفاظ على أخلاقيات معينة للعلاقات في سياق إضفاء الديمقراطية على النظام العالمي. وأضاف نائب رئيس المجموعة أن المبدأ المعروف أن الحرية تعني في المقام الأول المسؤولية.


في حديثه عن العلاقة بين روسيا والشرق ركز فاريت موخاميتشين على حقيقة أن المجتمعات الشرقية ككل تكتسب أهمية جديدة، إذ "يُقال الكثير اليوم عن تعزيز دور دول الشرق في السياسة العالمية وحول تحول المراكز الرئيسية للاقتصاد والتمويل العالميين إلى آسيا. إن تقوية الشرق ليس فقط تقوية دول اسيا و افريقيا أولاً وقبل كل شيء تقوية المجتمعات الأفرو آسيوية. ان الاعتماد على الجذور التقليدية للتقاليد الثقافية يكون الاستجابة للتحديات والتهديدات الجديدة التي تواجه البشرية. إن دول الشرق هي التي أصبحت اليوم مصدر للأفكار والمفاهيم والقيم الجديدة"، هذا ما أكده المتحدث.


تلعب روسيا التي تنتمي إلى كل من الغرب والشرق للعالمين المسيحي والإسلامي على حد سواء دوراً خاصاً في عملية تحويل هذه المراكز، لأنه بالنسبة لروسيا فإن المحادثات مع الشرق ليست دائماً محادثات دبلوماسية فحسب، بل هي أيضاً حوار داخلي، ومعرفة الذات. ويعتقد فاريت موخاميتشين أن موضوع هذا الحوار يجب أن يكون عن القضايا المشتركة للتحديات والتهديدات، والإدراك المشترك لأهداف التنمية والبحث عن مناهج لتحقيقها. كما وشدد موخاميتشين على "ضرورة تطوير اللغة المشتركة، والفهم المشترك لما يحدث معنا ومع العالم بأسره. وما لا يقل أهمية هو فهم مشترك للمسؤولية الجسيمة عن مصير العالم  والتي تقع على عاتق أولئك الأشخاص الذين يديرون هذا الحوار" . وفي ختام كلمته أشار موخاميتشين إلى المبادرات العديدة لمجموعة "الرؤية الاستراتيجية" في هذا الاتجاه، التي تساهم في تأكيد هوية روسيا كدولة، ليس فقط من الغرب ولكن أيضاً كدولة من الشرق، كما أنها تخلق مساحة بالغة الأهمية لـتفاعل مثمر بين أكثر شرائح المجتمع المدني تنوعاً في روسيا والشرق.

 

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

 

بدوره  لفت السفير فوق العادة والمفوض لروسيا الممثل الدائم لروسيا لدى منظمة "التعاون الإسلامي" رمضان عبد اللطيبوف انتباه الحضور إلى حقيقة أن "روسيا كانت تُعتبر دائماً دولة شرقية، فيجب ألا نفقد جذورنا كما ذكر تاريخ: جميع الأنبياء أتوا من الشرق. يعتقد الكثير من الناس أن روسيا هي جسر بين حضارتين لكن الأمر ليس كذلك فبلدنا ليست جسراً  بل هي وحدة تاريخية بين الشرق والغرب". هذا ما أكده المندوب الدائم. بناءً على ذلك، فنحن بحاجة إلى بناء علاقة قوية بالدول الإسلامية الشرقية.
أولى عبداللطيبوف في خطابه اهتماماً خاصاً بحقيقة أن الحضارة الإسلامية تركت وراءها تراثاً ثرياً. على سبيل المثال، كانت مكتبة حاكم الأندلس تحتوي على كتب في عددها أكثر من جميع المكتبات في أوروبا. كما أشار الى قيمة بيت الحكمة في بغداد، مؤكداً أن الشرق هو أصل العديد من العلوم. نتيجة استعمار الغرب للشرق أضفى الى فكرة أن الشرقيين متوحشين. لكن اذا نظرنا إلى المتاحف الموجودة في المدن الأوروبية، حيث تُعرض معروضات حضاراتها هناك، نجد أن النسبة الأكبر من المعروضات مننصيب الشرق، خاطب الخبير الجمهور.


بالنسبة للحوار، قبل إجرائه، علينا أن نفهم ما هو نموذج هذا الحوار الذي نتحدث عنه. بحسب رمضان عبد اللطيبوف، هناك عدة أنظمة للحوار: نظام حوارما قبل الثورة، نظام الحوار السوفيتي، نظام الحوار اليبرالي أو نموذج الحوار الروسي الواعد.


في ختام كلمته، ذكّر المندوب الدائم لروسيا الاتحادية لدى منظمة التعاون الإسلامي المشاركين الروس والأجانب في جلسة النقاش بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يولي اهتماما دائمًا تجاه الإسلام وتجاه الشرق. انظروا إلى فلسطين: منذ 70 عاماً و الغرب يفعل كل شيء حتى لا يحل القضية الفلسطينية.


و سوريا على سبيل المثال. هذا بلد فريد من نوعه الذي على تلاله سار أنبياء عظماء. كانت الدولة الأكثر استقراراً وأجملها في العالم في الفترة الماضية كانت روسيا تفضل إرسال علمائها الدينيين إلى هناك لأن المدرسة الإسلامية في سوريا هي الاكثر اعتدالا. اليوم أكبر مدافع عن المسلمين هو فلاديمير بوتين والاتحاد الروسي، وروسيا هي أفضل وسيط في النزاعات القائمة.

 

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

 

وأيد رسول بوتاشيف عضو لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية، الاتجاه العام للمناقشة، معرباً في كلمته عن أن دول الشرق يجب أن تكون في أولويات العلاقات الدولية لروسيا. وأشار إلى أنه يوجد في دول الشرق الأوسط وافريقيا عدد كبير من الأطباء والمتخصصين في مجالات كثيرة أخرى، ممن تلقوا تعليمهم في روسيا، إضافة إلى أن التقنيات الروسية المتواجدة هذه المنطقة. لذلك، وبحسب النائب من الضروري بذل المزيد من الجهد لبناء علاقات اقتصادية وسياسية مع هذا الجزء من العالم، وليس مع الدول الغربية.


كما أشار إلى أن حوالي 15٪ من سكان روسيا مسلمو، أي أكثر من 20 مليون شخص. وهذا العدد من المسلمين ليس كل بلد مسلم. ولذلك فإن العالم الإسلامي كجزء من الشرق هو اتجاه استراتيجي لروسيا، كما قال النائب.

 

 

روسيا والشرق - أوجه وفرص التعاون

 

وأشار مستشار رئيس مجلس النواب العراقي علي داري علي الفياض في كلمته إلى أن روسيا تظهر موقفاً ثابتاً في تعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي. وبحسب قوله فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس تتارستان رستم مينيخانوف ينتهجان سياسة "تثبيت قلوب المسلمين" في كل من روسيا والعالم الإسلامي، مشيراً إلى أن الحوار الجاري مع الدول الإسلامية يساعد على بناء علاقات قوية في جميع المجالات والانشطة، وتعزيزها على المدى الطويل لعلاقة روسيا بهذا الجزء من العالم.

 

أجرى فاسيلي كوزنتسوف، رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، مقارنة بين الحضارة الرومانية القديمة والحضارة اليونانية القديمة من جهة والحضارات الغربية والشرقية الحديثة من جهة أخرى.


في رأيه، للغرب الحديث مثل روما القديمة ثقافة متجانسة وتختلف عن الشرق الحديث الذي مثل اليونان القديمة على امتداد أراضي نفوذها احتفظ بالتنوع مفضلاً التسوية السلمية على النزاعات. وشدد المتحدث على أن هذا لا يعني أن أحد المقاربات أفضل من الآخر.


"اليوم عندما نتحدث عن تحول النظام السياسي العالمي و النظام القانوني العالمي  فإننا نتحدث في الواقع عن حقيقة أننا نتحرك بعيداً عن تلك الثقافة المتجانسة، التي هيمنت على العالم لمدة 500 عاما. ويبدو أننا نعود إلى النموذج الحضاري الشرقي. وفي هذا الصدد لدينا فرص كبيرة. من جهة أخرى هناك مخاطر كبيرة لأن هذه العودة لا تزال تتطلب إيجاد أسس جديدة للحوار العام والتعايش، تتطلب تطوير قواعد جديدة للسياسية ككل"،  كما يقول فاسيلي كوزنتسوف.

 

 

إلميرا جافياتولينا