أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن العلاقات الروسية التركية لا ترتبط بضغوط العقوبات الغربية، مشيراً إلى أن تلك العلاقات اكتسبت أهمية استراتيجية قبل فترة طويلة من فرض القيود غير الشرعية. وصرّح وزير الخارجية الروسي بذلك، اليوم الثلاثاء 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، في ختام محادثات أجراها مع وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو.
كما لفت سيرغي لافروف إلى أن "العلاقات بين روسيا الاتحادية وتركيا قيّمة وتتمتع باكتفاء ذاتي، إذ أنها لا تقوم على تصرفات أحدهم العدوانية وغير الودية، كما أنها لا تعتمد على نزوات أحد. إنها تقوم على المصالح الوطنية لكل من بلدينا، وعلى التصميم في التعاون لتحقيق المنفعة المتبادلة من خلال إيجاد توازن بين هذه العلاقات".
وأضاف الوزير لافروف في معرض رده على السؤال ذي الصلة: "لقد اكتسبت علاقاتنا أهمية استراتيجية قبل وقت طويل من بدء الغرب في التهديد وفرض عقوبات أحادية الجانب وغير المشروعة".
وفي السياق ذاته، شدّد لافروف على أن كل من روسيا وتركيا تنتهج سياسة خارجية مستقلة، وأنهما تعملان بالتنسيق على تعزيز مصالحهما، والحفاظ على التوازن بينهما.
وأضاف: "وبالتالي، فإن (روسيا وتركيا) تثيران استياء الغرب الذي يريد استخدام أساليب المنافسة غير العادلة وغير النزيهة في كافة المجالات، سواء كان ذلك في الاقتصاد أو الطاقة أو التعاون العسكري التقني أو أي مجال آخر".
وقال لافروف "إن موعد انعقاد قمة مجلس التعاون المشترك عالي المستوى، برئاسة رئيسيّ روسيا وتركيا، سيتم تحديده فيما بعد"، مضيفا أنه "بشكل عام، وفي رأينا المشترك، يمكن من خلال اجتماع اليوم لمجموعة التخطيط الاستراتيجي المشترك، تحديد القضايا التي تحتاج إلى حل في المستقبل القريب بوضوح من أجل الإعداد عالي الجودة لمجلس التعاون الرفيع المستوى، الذي يرأسه رئيسا البلدين، وسيتم تحديد موعد هذه القمة"، وأكد قائلاً: "سنواصل حوارنا الوثيق في العام المقبل".
"السيل التركي" ومحطة "أكويو" للطاقة النووية
وفي سياق متصل، صرّح الوزير لافروف بأنه سيتم تنفيذ المشاريع الروسية - التركية الكبيرة، مثل بناء خط أنابيب غاز "السيل التركي" ومحطة "أكويو" للطاقة النووية، وأن تنفيذ هذه المشاريع سيتم في الوقت المحدد، على الرغم من انتشار وباء الـ كورونا.
وأضاف أنه ناقش مع نظيره التركي تشاويش أوغلو نلف تنفيذ هذه المشاريع الكبير المشتركة، وقال إنه "لسوء الحظ، بسبب انتشار الوباء، تباطأت العمليات ذات الصلة، لكنها الآن تكتسب زخماً مرة أخرى، ونحن مقتنعون بأنه سيتم تنفيذها جميعاً في الوقت المناسب".
الجدير بالذكر أن "السيل التركي"، الذي انطلق في 8 يناير/كانون الثاني 2020، يمتد على طول قاع البحر الأسود من روسيا إلى ساحل تركيا. وعلاوة على ذلك، هناك خط عبور بري إلى الحدود مع الدول المجاورة، حيث يتم تصدير الغاز إلى اليونان وبلغاريا ومقدونيا الشمالية.
وفي المستقبل (بعد الانتهاء من تجهيز البنية التحتية بأكملها)، سيتم توجيه الغاز إلى صربيا والمجر.، علمأً أن الطاقة الإنتاجية لخط أنابيب الغاز البالغ طوله 930 كيلومترا، تبلغ 31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.
كما تقوم شركة "أكويو نوكلير" بتنفيذ مشروع بناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا "أكويو" على أساس اتفاق حكومي دولي موقع بين روسيا الاتحادية وتركيا في مايو/أيار 2010. وعند الانتهاء من أعمال البناء، ستولد المحطة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 4800 ميغاوات بحوالي 35 مليار كيلوواط ساعة سنوياً.
تطوير التعاون العسكري التقني
وفي إطار آخر للتعاون بين البلدين، قال الوزير لافروف إن موسكو وأنقرة تؤكدان التزامهما بمواصلة التعاون العسكري التقني، على الرغم من ضغوط واشنطن.
وأضاف: "أكدنا مجدداً تركيزنا المتبادل على تطوير التعاون العسكري التقني. ونقدر، كما أشار الرئيس (روسيا الاتحادية فلاديمير) بوتين مراراً، النهج المبدئي لزملائنا الأتراك لمواصلة التعاون في هذا المجال، على الرغم من استمرار الضغط غير المشروع من قبل واشنطن، التي تضغط من أجل مصالح المصنّعين الأمريكيين بأساليب غير مشروعة وغير موافقة لمعايير الأسواق".
يُشار إلى أنه بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت السلطات الأمريكية فرض قيود على رئيس إدارة صناعة الدفاع التركية، إسماعيل دمير، وثلاثة مواطنين آخرين في الجمهورية، بموجب ما يعرف باسم "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" (CAATSA). وكانت الذريعة هي شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية "إس-400" وعدم استعدادها للتخلي عن استخدام هذه الأنظمة.
الوضع في سوريا
وفي ما يتعلق بالملف السوري،، أفاد دوزير الخارجية الروسي بأنه يتم العمل حالياً على إنجاز المهام في منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية، مشيراً إلى أن روسيا وتركيا ترغبان في أن يتم تنفيذها على نحو أسرع.
وقال: "تحدثنا عن كيفية الوفاء باتفاقات رئيسينا بشأن تنفيذ جميع المهام في منطقة خفض التصعيد في إدلب. هذه المهام يتم حلها، ونود أن تتم بشكل أسرع"، مضيفاً أن الجانبين "يواصلان إيلاء اهتمام خاص للمسار السياسي" في سوريا.
كما قال: "سنواصل دعم عمل اللجنة الدستورية (السورية)، بما في ذلك الأخذ بعين الاعتبار الجلسة الخامسة المقبلة للجنة الصياغة نهاية يناير/كانون الثاني المقبل (2021)، والتي ينبغي أن تبدأ العمل على صياغة الدستور السوري".
إلى ذلك أشار وزير الخارجية الروسي إلى أهمية حل المشاكل الإنسانية، وأن تركيا اطلعت خلال المباحثات حول كيفية انعقاد المؤتمر الدولي للاجئين والنازحين في دمشق بدعم من الخارجية الروسية.
يُذكر في هذا الشأن أن الرئيس الروسي ونظيره التركي، فلاديمير بوتين ورجب طييب إردوغان، اعتمدا خلال اجتماع عُقد في مدينة سوتشي بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019، مذكّرة تفاهم حول الإجراءات المشتركة لحل الوضع في شمال شرقي سوريا.
وبحسب الوثيقة، انتشرت الشرطة العسكرية الروسية والقوات السورية في المناطق المتاخمة للمنطقة الأمنية التركية، كما بدأت قوات روسية - تركية بتسيير دوريات مشتركة شرقي نهر الفرات، وذلك في الأول من نوفمبر من العام ذاته.
محاربة الوباء
وفي الشأن المتعلق بفيروس كورونا، أكد سيرغي لافرف أن موسكو تقدر التعاون مع أنقرة في مكافحة وباء الفيروس المستجد، وتتوقع استمرار هذا التعاون.
وأضاف وزير الخارجية الروسي، إنه بحث مع نظيره التركي سبل توفير إجازات آمنة للسياح الروس في المنتجعات التركية. وقال "نحن نقدر الخطوات التي يتخذها زملاؤنا الأتراك لتحقيق هذه الغاية". كما أشار لافروف أيضاً إلى أن موسكو معنيّة بمواصلة التعاون مع أنقرة في مكافحة وباء فيروس كورونا.
إلى ذلك أشاد سيرغي لافروف بالجانب التركي بقوله أن: "جدّدنا امتناننا للتعاون الذي ظهر خلال عودة مواطنينا من تركيا هذا الربيع، وكيفية توفير أكثر الظروف راحة لمؤسساتنا الدبلوماسية في تركيا من قِبل السلطات التركية".
الوصول إلى "آيا صوفيا"
وفي موضوع "آيا صوفيا"، وبحسب الوزير لافروف، ترى روسيا استعداد تركيا لدعم "آيا صوفيا" و"كنيسة المسيح المخلص" اللتين تم منحهما صفة مساجد، بالشكل المناسب وإتاحة الوصول إليها للمواطنين من جميع الأديان.
وقال لافروف: "لاحظنا استعداد زملائنا الأتراك، الذي تم تأكيده مراراً، لدعم "آيا صوفيا" في اسطنبول و"كنيسة المسيح المخلص"، المدرجين في قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي، بالشكل المناسب وضمان وصول المواطنين من جميع الأديان إلى هذه المعالم الشهيرة".
الجدير ذكره أنه بتاريخ 10 يوليو/تموز 2020، وقّع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مرسوماً يقضي باستئناف الخدمات الإسلامية في آيا صوفيا في اسطنبول، وهو عبارة عن نصب معماري بيزنطي، بُني في 532-537 بأمر من الإمبراطور جاستينيان، وهو أحد مواقع التراث العالمي لمنظمة الـ يونسكو منذ العام 1985.
وأعربت عدد من الكنائس المسيحية المحلية، بما في ذلك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، عن أسفها لهذا القرار، كما جاء نفس رد الفعل من منظمة الـ يونسكو، علماً أن تركيا منحت مكانة مسجد لدير خورا في اسطنبول 21 أغسطس/آب 2020، وتم افتتاح كنيسة المسيح المخلص هناك، وهي جزء من هذا الدير، لتقديم الخدمات الإسلامية.
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: وزارة الخارجية الروسية
المصدر: تاس