Ru En

ماذا ناقش اجتماع "صيغة موسكو" التشاوري حول أفغانستان؟

٢١ أكتوبر ٢٠٢١

التعامل المستقبلي مع أفغانستان يجب ان يأخذ بعين الاعتبار الحقائق السائدة هناك - وهذا هو أحد الاستنتاجات الرئيسية للاجتماع الثالث لصيغة "موسكو" للمشاورات حول أفغانستان.

 

شارك في الإجتماع ممثلو روسيا، الصين، باكستان، إيران، الهند، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى وفد رفيع المستوى من الحكومة الأفغانية المؤقتة، وعُقِد الاجتماع في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

 

ودعا المشاركون القيادة الحالية في أفغانستان، عبر بيان مشترك تم اقراره في نهاية الاجتماع، إلى اتخاذ تدابير إضافية لتشكيل حكومة أفغانية شاملة، وانتهاج سياسة ودية تجاه الدول المجاورة. كما أعرب المشاركون في الاجتماع عن قلقهم إزاء تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني في أفغانستان، ودعوا إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين تحت رعاية الأمم المتحدة، مع التأكيد على أن العبء الرئيس لإعادة إعمار أفغانستان يجب أن تتحمله تلك الدول التي كانت موجودة هناك على مدار الـ 20 عاماً الماضية.

 

 

الأمر الواقع

 

في افتتاح الاجتماع، تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن ضرورة بناء علاقات مع أفغانستان، مع مراعاة "الأمر الواقع"، وهو وصول حركة طالبان (المحظورة في روسيا) إلى السلطة. وبحسبه، فإن ميزان القوى الجديد في أفغانستان "ليس له بدائل في المستقبل المنظور".

 

وقال رئيس الدبلوماسية الروسية:"بعد التغيير الجذري في الوضع على الأرض، لا جدوى من البحث عن المسؤولين عن الفشل في تحقيق نتائج ملموسة في موضوع المصالحة الوطنية. الآن في السلطة إدارة جديدة، وهذا الأمر الواقع يضع مسؤولية كبيرة على حركة "طالبان".

 

وشدد الوزير لافروف على أن مفتاح النجاح في حل مهمة تحقيق السلام المستدام في أفغانستان هو "تشكيل حكومة حقيقة شاملة والتي ينبغي أن تعكس بشكل كامل مصالح الجميع ليس فقط العرقية، ولكن أيضاً مصالح القوى السياسية في البلاد".

 

انعكست أطروحات وأفكار سيرغي لافروف في البيان الختامي، الذي جاء فيه أنه "يجب بناء مزيد من التعامل مع أفغانستان مع مراعاة الواقع الجديد، وهو وصول حركة (طالبان) إلى السلطة في هذا البلد، بغض النظر عن الاعتراف الرسمي بالحكومة الأفغانية الجديدة من قبل المجتمع الدولي.

 

ودعا المشاركون في الاجتماع القيادة الحالية لأفغانستان إلى "اتخاذ تدابير إضافية لتحسين نظام الإدارة العامة وتشكيل حكومة شاملة تعكس مصالح جميع القوى العرقية والسياسية الرئيسية في البلاد".

 

في الوقت نفسه، أشار نائب رئيس الحكومة الأفغانية المؤقتة، عبد السلام حنفي، الذي شارك في الاجتماع، إلى أن الحكومة الأفغانية "أصبحت الآن شاملة أيضاً". وأضاف حنفي في المؤتمر الصحفي عقب الاجتماع أنه "إذا لم يتم الإعتراف بالحكومة الجديدة ودعمها، فإن الجماعات التي تهدد أمن أفغانستان ستزيد من نفوذها بالطبع.

 

 

الصداقة مع الجيران

 

وكما جاء في البيان المشترك، فإن الدول المشاركة في الاجتماع "أُحيطت علماً وبارتياح تأكيد الحكومة المؤقتة لأفغانستان بالالتزامات التي تعهدت بها في وقت سابق بمنع استخدام أراضي أفغانستان ضد أمن واستقرار الدول المجاورة وغيرها من دول المنطقة والعالم بأسره.

 

هذا ودعا المشاركون في اجتماع "موسكو" السلطات الأفغانية إلى "اتباع سياسة داخلية وخارجية معتدلة وحكيمة، واعتماد سياسة ودية تجاه جيران أفغانستان، لتحقيق أهداف مشتركة مثل السلام الدائم والأمن والموثوقية والازدهار على المدى الطويل، واحترام حقوق المجموعات العرقية والنساء والأطفال.

 

وأعرب المشاركون في الاجتماع عن "قلقهم إزاء ظاهرة نشاط المنظمات الإرهابية المحظورة في أفغانستان"، وأكدوا "استعدادهم لمواصلة تقديم المساعدة لضمان الأمن في أفغانستان من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي".

 

وقال نائب رئيس الوزراء حنفي للصحفيين عقب الاجتماع: "يمكنني أن أؤكد لكم أن الحكومة الأفغانية الجديدة تبذل قصارى جهدها لضمان أمن البلاد ومواطنيها. ولن يتعرض احد للاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس أو غير ذلك من المسميات".

 

كما أكد حنفي على "إن حركة (طالبان) تتحمل حالياً المسؤولية الكاملة عن الحكومة الجديدة وعمّا يحدث في البلاد وعلى حدودها، مضيفاً إن سياسة الحكومة الجديدة هي ضمان أمن الشعب الأفغاني وأمن جيرانهم والمنطقة بأسرها".

 

من جهته، أشار رئيس الدبلوماسية الأفغانية في حكومة البلاد المؤقتة، أمير خان متكي، إلى أن السلطات الأفغانية الجديدة "أثبتت عملياً من خلال أفعالها أن أراضي أفغانستان لن تستخدم ضد أحد".

 

 

المساعدة في اعادة البناء

 

وأعرب المشاركون في اجتماع موسكو عن "قلقهم العميق" إزاء تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني في أفغانستان. وأشار وزير الخارجية الروسي، إلى أن "الخبراء لا يستبعدون تفاقم الوضع الإنساني بسبب استحالة تأمين جزء كبير من الشعب الأفغاني بالنظام الغذائي الضروري".

 

وقال في خطابه إن روسيا تعتزم "إرسال دفعة أخرى من المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني الصديق في المستقبل القريب". وفي الوقت نفسه، أشار رئيس الدائرة الدبلوماسية الروسية إلى أن "الأمم المتحدة يجب أن تلعب دوراً تنسيقياً مركزياً في تعزيز الجهود الدولية في الاتجاه الأفغاني".

 

كما أعرب لافروف عن أمله في أن تُظهر الدول الغربية، التي أدى تواجدها في أفغانستان إلى الوضع الصعب السائد في البلاد، المسؤولية تجاه الأفغان. وأوضح: "لقد أصبح من المهم للغاية بالنسبة للغرب تقديم ليس فقط المساعدات الإنسانية في شكلها التقليدي، ولكن أيضاً المساعدة في دفع الرواتب لفئات ذات الأهمية الإجتماعية من المواطنين، مثل الأطباء والمعلمين".

 

وشاطر المجتمعون المفهوم الروسي للقضية الأفغانية، إذ اقترحوا في الاجتماع "إطلاق مبادرة جماعية لعقد مؤتمر دولي تمثيلي للمانحين في أقرب وقت ممكن تحت رعاية الأمم المتحدة". وفي الوقت نفسه، أكد بيانهم المشترك أن "العبء الرئيس لإعادة البناء الاقتصادي والمالي والتنمية في أفغانستان بعد الصراع يجب أن تتحمله القوات التي كانت وحداتها العسكرية موجودة في هذا البلد منذ 20 عاما".

 

وتعليقًا على هذا، وصف وزير الإعلام والثقافة في الحكومة الأفغانية المؤقتة خير الله خيرخة، الاجتماع بأنه "جيد جداً ومفيد جداً"، مشيراً إلى أن جميع المشاركين فيه "كانوا متضامنين في ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية لأفغانستان".

 

بالإضافة إلى ذلك، حسب قوله، توصل المشاركون في الاجتماع إلى توافق على أن واشنطن يجب أن ترفع تجميد حسابات البنك المركزي الأفغاني والمقدرة بحوالي 9.4 مليار دولار. وقال الوزير الأفغاني إن "كل هذه الأموال [المجمدة] ملك لأبناء أفغانستان، وبالتالي لا يحق للأمريكيين تجميد هذه الأموال".

 

 

حول "صيغة موسكو"

 

تم تأسيس "صيغة موسكو" في عام 2017 على أساس آلية التشاور السداسية للمبعوثين الخاصين لروسيا وأفغانستان والهند وإيران والصين وباكستان. عُقد اجتماعها الأول في 14 ابريل 2017 بمشاركة نواب وزراء وممثلين خاصين من 11 دولة: روسيا وأفغانستان والهند وإيران وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. الهدف الرئيس من هذه الصيغة هو تسهيل دفع عملية المصالحة الوطنية في أفغانستان، والإسراع بإحلال السلام في هذا البلد، علماً أنه تم الإعلان عن الاجتماع الأول، الذي عُقِد في العاصمة الروسية موسكو، بأنه "تبادل صريح وشامل لوجهات النظر". ونتيجة للمشاورات، دعا المشاركون المجتمع الدولي إلى مواصلة تقديم المساعدة الشاملة لأفغانستان.

 

أما الاجتماع الثاني فقد عُقِد في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ، وشارك فيه لأول مرة وفد من المكتب السياسي لحركة "طالبان في الدوحة"، كما حضرته الولايات المتحدة، بعد أن كانت قد رفضت حضور الاجتماع الأول "لعدم وجود استراتيجية للإدارة الرئاسية الجديدة في الاتجاه الأفغاني"، وفقاً لما صرحت به واشنطن رسمياً في حينه.

 

ولم يشارك ممثلو الولايات المتحدة في الاجتماع الحالي. وأعرب وزير الخارجية الروسي عن أسفه حيال ذلك، موضحاً أن أحد أسباب الغياب قد يكون الاستبدال الأخير للمبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان. وقال سيرغي لافروف في هذا الصدد: "آمل أن تظل الولايات المتحدة مستعدة للعمل بنشاط في الاتجاه الأفغاني، وأن ينضم المبعوث الخاص الجديد إلى الخطوات المتخذة، بما في ذلك متابعة نتائج الاجتماع الحالي بصيغة موسكو".

 

 

مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي "

المصدر تاس