أكد نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي ونائب رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" - فاريت موخاميتشين، أن ماليزيا تعد شريكاً موثوقاً به بالنسبة روسيا، خلال كلمته في اجتماع المجموعة لهذا العام، الذي يُعقَد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، والذي يحمل عنوان "روسيا والعالم الإسلامي: التعاون في عصر التعددية القطبية الناشئة".وذلك اليوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأشار موخاميتشين في كلمته إلى أن العالم يمر بتحول ديناميكي لم يعد من الممكن تجاهله، حيث تحاول كل دولة، بطريقتها الخاصة، إيجاد مكانها الصحيح في هذا النظام المتغير للعلاقات الدولية، وتسعى إلى شركاء موثوق بهم وفرص جديدة لإطلاق العنان لإمكاناتها.
كما أكد موخاميتشين أن ماليزيا تعد شريكاً موثوقاً به لروسيا، وتعد البلاد واحدة من أهم الدول في العالم الإسلامي، مع اقتصاد سريع النمو، وقائد عالمي في النظام المالي الإسلامي. وبعد قمة "بريكس" في عاصمة جمهورية تتارستان الروسية - قازان هذا العام، أصبحت ماليزيا شريكاً لمجموعة "بريكس". ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الاجتماع تزامن مع الذكرى العشرين لتصريح الرئيس فلاديمير بوتين في عام 2003 في القمة الماليزية، حيث أعلن عن عزم بلاده الانضمام إلى منظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب - وهي الصفة التي حصلت عليها روسيا في عام 2005. وقد عقد الاجتماع الحالي لمجموعة عمل "روسيا - العالم الإسلامي" بدعم من رئيس الوزراء الماليزي - أنور إبراهيم.
ووفقاً لموخاميتشين أيضاً فقد شارك في الاجتماع أكثر من 200 شخصية عامة ومسؤول حكومي وزعماء دينيين وسياسيين وعلماء وخبراء من 32 دولة في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى دبلوماسيين من وزارتي الخارجية الروسية والماليزية، وممثلين عن 27 بعثة دبلوماسية لمنظمة "التعاون الإسلامي" معتمدة في ماليزيا. وفي المجمل، تضم المجموعة ممثلين من 33 دولة إسلامية، حيث تساهم روسيا، التي تشكل نسبة 20% من سكانها من المسلمين، بنحو 30 مليون مسلم من مختلف القوميات، أي أكثر بثلث مما كانت عليه عندما أصبحت روسيا مراقباً في منظمة "التعاون الإسلامي".
ولم تهدف العروض والكلمات التي ألقيت في الاجتماع الماليزي إلى مواصلة مناقشة النهج الرامية إلى تشكيل نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب والتنمية الآمنة، التي بدأت في اجتماع قازان في مايو/أيار 2024 فحسب، بل وأيضاً إلى استكشاف التعاون المستقبلي في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية والروحية. وكان الهدف هو صياغة توصيات لتعزيز الأنشطة المنهجية للمجموعة بشكل أكبر.
وفي تلخيصه للاجتماع، أوضح موخاميتشين ما يلي:
"لقد قدّر الجميع بشكل كبير رسالة الترحيب من الرئيس فلاديمير بوتين، وخاصة تأكيده على أهمية عقد الاجتماع في ماليزيا، حيث أعلن لأول مرة قبل 20 عاماً عن نية روسيا الانضمام إلى منظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب، وهي المكانة التي تم تحقيقها في عام 2005. وتسليط الرئيس بوتين الضوء على أهمية تعزيز العلاقات الودية بين روسيا والدول الإسلامية، مع مراعاة وجهات نظرنا المشتركة بشأن القضايا الإقليمية والعالمية الملحة، وأعرابه عن ثقته في أننا معاً ندافع عن بناء نظام عالمي ديمقراطي عادل قائم على المساواة الحقيقية بموجب القانون الدولي، وخالٍ من جميع أشكال التمييز والإملاء وضغوط العقوبات".
"أثار الخطاب لرئيس الوزراء أنور إبراهيم اهتماماً كبيراً، وخاصة تأكيده على أهمية الشراكات الجيوسياسية التي تحترم سيادة الدولة، وتدعم العدالة، وتعزز التقدم لجميع البلدان. ووفقاً لإبراهيم، فإن مثل هذا النظام العالمي أقرب كثيرًا إلى الإسلام، الذي يتجذر في مبادئ العدالة والإخلاص والرحمة، "نحن نعيش في عالم سريع التغير - عالم يخضع لتحول جذري أمام أعيننا، قائلاً: "إننا نستطيع أن نطلق على هذا العالم عالم ما بعد الطبيعي. وفي ظل هذه الظروف الجديدة، كما أشار رئيس الوزراء بصدق، فإننا جميعاً بحاجة إلى الاستجابة السريعة للتهديدات والتحديات الحالية، وحماية حقوقنا السيادية التي وهبها لنا الله في الحياة والتقدم، وإن الأمن لا يمكن أن يكون حكراً على عدد قليل من الأمم "المختارة"، فالمساحة المتاحة للأمن غير قابلة للتجزئة".
"أشار رئيس جمهورية تتارستان ورئيس المجموعة، رستم مينيخانوف، إلى أن "العالم الحديث يتميز باتجاهات مضطربة ومتناقضة، مع تباين النهج بين الغرب الجماعي والعالم غير الغربي. وفي خضم أزمة النموذج الغربي للعولمة ومرحلة جديدة في إعادة تشكيل النظام العالمي، تواجه العديد من البلدان أسئلة مشروعة: كيف سيبدو المستقبل؟ ما الدور الذي ستلعبه روسيا والدول الإسلامية؟ كيف يمكنهم العمل معاً لخلق عالم مزدهر وآمن قائم على الثقة والصداقة والتعاون المتبادل المنفعة؟" كما سلط خطاب مينيخانوف الضوء على الاستنتاجات والتوصيات الرئيسية التي توصل إليها زعماء "بريكس" خلال القمة 2024 في قازان، والتي عقدت في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر".
"أشاد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، بدور مجموعة العمل المشترك "روسيا - العالم الإسلامي" في تعزيز العلاقات وتوسيع التعاون بين روسيا والعالم الإسلامي. كما أكد على اهتمام منظمة التعاون الإسلامي بتعميق تفاعلها مع المجموعة".
"ذكر نائب وزير الخارجية الروسي - أندريه رودينكو، الحضور بأن روسيا كانت دائمًا صديقة تقليدية للدول الإسلامية في آسيا وأفريقيا، حيث لعب الاتحاد السوفييتي دوراً رئيسياً في تفكيك النظام الاستعماري العالمي وكان أول من اعترف بالدول الجديدة بعد استقلالها. حاليًا، زادت حصة الدول الإسلامية داخل مجموعة "بريكس" بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الدور المتزايد ونفوذ العالم الإسلامي".
"أشار رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وشريك في مؤسسة "روسيا – العالم الإسلامي" في ماليزيا - الدكتور عثمان بكر، إلى أن روسيا مهتمة بشكل خاص بالأسواق المالية الإسلامية. وأضاف أن روسيا مستعدة أيضًا لفتح أسواقها سريعة النمو للاستثمارات الإسلامية. وعلاوة على ذلك، فإن العقوبات الأحادية الجانب التي يفرضها الغرب تجبر روسيا على البحث عن بدائل لتنظيم العمليات المالية بشكل مستقل عن الغرب".
وأشاد موخاميتشين بالفكرة المثمرة المتمثلة في استخدام تجربة ماليزيا القائمة على مبادئ التنمية المستدامة والاحترام والرعاية والازدهار والثقة. وأضاف: "المستقبل ينتمي إلى أولئك الذين يمكنهم دمج مقترحات بعضهم البعض في نظام مشترك، وتنسيق المواقف وضمان تكامل المشاريع المختلفة والتطلعات المشتركة".
وبحسب موخاميتشين، تضمن الاجتماع أيضاً خطابات من أعضاء المجموعة من البحرين ومصر وإندونيسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة وفلسطين وتركيا وروسيا ودول أخرى. وعكست كلماتهم القضايا الأكثر إلحاحًا في السياسة العالمية الحديثة.
وأضاف، تم التركيز في جزء كبير من المناقشات على الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إذ دعا المشاركون إلى وقف فوري للعدوان واتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ حل الدولتين للأمم المتحدة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. وأدان معظم المتحدثين الإجراءات العدوانية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
وعلى حد قوله فقد أشار أعضاء المجموعة إلى أن التغييرات الثورية تحدث على الساحة الدولية، وأن العملية المعقدة المتمثلة في تشكيل نظام عالمي جديد أكثر عدالة، ومعالجة مصالح غالبية البشرية، مستمرة، وإن الغرب الجماعي متردد في قبول هذه التطورات، لأنها تهدد هيمنته العالمية وانهيار سياساته الاستعمارية الجديدة. وفي هذا السياق، تشكل الدول الإسلامية وروسيا شركاء موثوقين لبعضهما البعض. ونحن ندافع معًا عن إيجاد ردود مناسبة على الطموحات الهيمنية التي تفرضها القوى الليبرالية المتطرفة في الغرب الجماعي بقوة، مع التمسك بقيمنا الروحية ومبادئنا الإيديولوجية، التي لا تقبلها مجتمعاتنا.
كما لفت فاريت موخاميتشين الانتباه إلى أن المشاركين في المنتدى تمكنوا من تحليل وتقييم شامل للأوضاع الاجتماعية والسياسية والدينية في العالم الحديث، وعرضوا مشاريع وأفكاراً تهدف إلى تطوير التعاون بين الأديان والثقافات، مع مراعاة الواقعين الوطني والعالمي. وتم التركيز كذلك بشكل خاص على حقيقة مفادها أن علاقة روسيا بالعالم الإسلامي لا تقوم فقط على المصالح المتبادلة في مختلف المجالات والنهج المشتركة للسياسة العالمية المعاصرة، بل وأيضاً على القيم الروحية والأخلاقية المتقاطعة التي تحدد هويتهم وعلاقتهم بأنفسهم والآخرين والمجتمع والعالم من حولهم.
وبحسب المسؤول الروسي، بناءً على أفكار إعلان قازان، ندافع جميعاً عن نظام عالمي أكثر عدالة وديمقراطية. ونحن ملتزمون بنماذج ديمقراطية أكثر إنسانية حيث لا يوجد مكان للمكاسب أحادية الجانب، والإملاءات، والضغوط، والتلاعب غير النزيه، أو قمع المصالح الوطنية لبعض البلدان من قبل بلدان أخرى، كما هو الحال في النموذج الغربي الذي فرض علينا. وبدلاً من ذلك، ندافع عن الاحترام والاتفاق وصيغ التفاعل المتعددة الأطراف التي تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية.
واختتم موخاميتشين حديثه قائلاً: "إن المدافعين المعاصرين عن عالم أحادي القطب، في تجاهلهم للثقافة، يخونون المثل الإنسانية للحضارة الغربية، حيث كان الدين دائمًا قاعدة ثقافية أساسية. وقد سلط زعماء المجتمعات الإسلامية والمسيحية، الذين تحدثوا في اجتماع المجموعة، الضوء على أهمية القيم الروحية والأخلاقية التقليدية كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والتاريخي. في بلدنا، يعتبر الإسلام، مثل المسيحية، دينًا تقليديًا يحميه القانون. علاوة على ذلك، تولي الدولة اهتماماً كبيراً للتعليم والتربية الإسلامية، وإحياء مدارس الفقه الإسلامي التقليدي، ودعم المنظمات والمؤسسات الإسلامية الرسمية. وهذا يفتح آفاقًا كبيرة للتعاون المثمر في هذا المجال.
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: مجلس الإتحاد الروسي