يفتتح اليوم الثلاثاء 22 نوفمبر\تشرين الثاني 2022 الاجتماع الدولي التاسع عشر حول سوريا بصيغة "أستانا" في العاصمة الكازاخستانية، حيث سيبحث المفاوضون في غضون يوميّ عمل القضايا الأكثر حساسية للتسوية السورية، بما في ذلك مهام تمويل مشاريع الترميم المبكر للمرافق الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ومن الممكن أن يزيد الاجتماع أيضا بعض الوضوح إزاء مسألة إمكانية نقل اجتماعات اللجنة الدستورية السورية من جنيف إلى مكان آخر.
في اليوم السابق للمحادثات في صيغة "أستانا"، أجرت كازاخستان انتخابات رئاسية مبكرة انتهت بفوز رئيس الدولة الحالي قاسم جومارت توكاييف. وعلى الرغم من الأحداث السياسية الداخلية الحيوية، أكدت الجمهورية خطط برنامج كامل للاجتماع على مدار يومين حول سوريا، والذي سينتهي بجلسة عامة مقررة في 23 نوفمبرتشرين الثاني 2022، بالإضافة إلى مؤتمر صحفي للمفاوضين.
وستلتقي في أستانا وفود تمثيلية من سوريا (من الحكومة والمعارضة) والدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا). كما سيشارك في الفعالية مراقبون من الأردن والعراق ولبنان، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وسيرأس الوفد الروسي الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي المعني بالتسوية السورية، ألكسندر لافرينتيف.
إذا لم تعقد الأجندة الداخلية لكازاخستان صياغة الاجتماع الحالي، فإن السياق الدولي يمكن أن يكون له تأثير ملحوظ على عمله وربما يحدد روح المناقشات. وقال بوريس دولغوف، كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية: "إن الاجتماع يجري في وضع دولي صعب نوعا ما. هناك أيضا الأزمة الأوكرانية، والعملية الجوية للجيش التركي [ليلة 20 نوفمبر] لقمع عدد من المنظمات الكردية في شمال العراق وسوريا، تعتبرها أنقرة إرهابية. بالطبع، سيترك ذلك بصماته على هذا الاجتماع في صيغة أستانا".
في الوقت نفسه، تمكن الجانب الروسي عشية المفاوضات بالفعل من تحديد نهجه في العملية التركية. إذ أعلن الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي إلى الشرق الأوسط وافريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أن موسكو تقف على "حلول تفاوضية "والبحث عن سبل التسوية على أساس "الاعتراف المتبادل بالسيادة والسلامة الإقليمية بين سوريا وتركيا. وعلى الأرجح، لن يتم تجاهل هذه القضية في أستانا من قبل المشاركين الآخرين في الاجتماع".
العملية التركية وقضايا الأمن
بدوره أشار أندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، في مقابلة مع وكالة "تاس" الروسية، إلى أن العملية العسكرية التركية "مخلب السيف" في شمال سوريا تخاطر بأن تصبح واحدة من الموضوعات المركزية في الجولة الحالية من المفاوضات. وقال بهذا الصدد إن "المهمة هي التأكد من أن شكل هذه العملية وحجمها لن يقوض الاستقرار في شمال سوريا وفي البلاد ككل. ولكن إلى جانب ذلك، هناك مسألة الممر الإنساني عبر الحدود في سوريا، إذ سيحتاج القرار إلى تمديده في يناير من العام المقبل، ومن الممكن أن تتم مناقشة هذه القضية بصيغة أستانا".
ويتفق الخبراء على أن سبب عملية أنقرة عبر الحدود كان الهجوم الإرهابي الذي حصل مؤخرا في وسط اسطنبول، مما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص وإصابة أكثر من 80 شخصا. واعترف المشتبه به في الهجوم الإرهابي بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، والذي له فرع في سوريا يسمى قوات الدفاع الذاتي الشعبية. ومن الممكن أن تقرر القيادة التركية في المستقبل القريب شن عملية برية في الجمهورية العربية. فضلاً عن ذلك، فإن الهجوم الإرهابي في اسطنبول يعطي أنقرة ذريعة لاستئناف مشروعها بإنشاء منطقة أمنية بطول 30 كيلومتراً على الأراضي السورية على طول الحدود التركية.
ومع ذلك، أعرب المحلل كورتونوف عن اقتناعه بأن جميع الدول الضامنة الثلاثة للجولة الحالية من المفاوضات "تركز بشكل عام على الحفاظ على الوضع الحالي وتسعى جاهدة لعدم هز القارب. وكل منهم، بما في ذلك تركيا، تسعى جاهدة بأقصى حد ممكن على أن لا يؤثر عدم الاستقرار الجيوسياسي في العالم بشكل كبير على الوضع في سوريا".
أعمال اللجنة الدستورية
إلى ذلك، يبقى مصير اللجنة الدستورية السورية قضية حساسة أخرى. فحالياً تم تعليق اجتماعات لجنة التحرير الخاصة بها، بما في ذلك بسبب حقيقة أن جنيف فقدت وضعها المحايد على خلفية الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا وسوريا. ومن بين البدائل الممكنة لعقد اجتماعات اللجنة، حدد الممثل الخاص للرئيس الروسي لافرينتيف عواصم الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين - أبو ظبي ومسقط والمنامة.
بدوره اعتبر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي سيشارك أيضاً في الاجتماع، أنه على الرغم من تعليق الآلية، لا يزال لديه "آفاق جيدة". في الوقت نفسه، تشير زيارة بيدرسن إلى أستانا في الواقع إلى أن "أحد الأشكال القليلة جداً التي تعمل حالياً على التسوية السورية" هو أستانا، كما أشار المحلل كورتونوف. وشدد الخبير على أنه "بمعنى ما، هذا اعتراف بأهمية صيغة أستانا. لا أتوقع أي تغييرات في الوضع، من السابق لأوانه الحديث عن ذلك، ولكن يجب الترحيب بمشاركة [بيدرسن]".
الحالة الإنسانية وآلية المساعدة
كما يتطلب استمرار آلية المساعدة عبر الحدود في سوريا، والتي ينتهي تمديدها في 10 يناير/كانون الثاني 2023، مناقشة متأنية. فموسكو لا تزال مقتنعة بالحاجة إلى استبدالها بالإمدادات من خلال خطوط الاتصال. وكما أكدت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في وقت سابق، تعتبر روسيا آلية المساعدة هذه تدبيراً مؤقتاً، وهي على قناعة بأنه ينبغي تقليصها في نهاية المطاف، ويجب أن تتماشى المساعدة المقدمة للسوريين مع الوضع على الأرض ومع قواعد القانون الإنساني الدولي.
ولا تزال العقوبات الغربية تؤثر تأثيرا خطيرا على الحالة الإنسانية في البلد. إذ أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أعقاب نتائج قمة أستانا الثلاثية، التي عقدت في 19 يوليو/تموز الماضي في طهران لأول مرة منذ ثلاث سنوات، إلى أن العقوبات الغربية ضد سوريا تؤدي إلى نتائج مؤسفة لشعب الجمهورية وحث على عدم تسييس المساعدات الإنسانية لهذا البلد.
اللاجئون والإرهاب
هذا وما يزال الوضع المتعلق باللاجئين السوريين صعبا أيضا. على وجه الخصوص، لفتت وزارة الدفاع الروسية الانتباه إلى الوضع الإنساني الصعب في مخيم الركبان للاجئين، الواقع على أراضي منطقة التنف التي تحتلها الولايات المتحدة، حيث يتم احتجاز أكثر من ألفي لاجئ سوري في المخيم كدرع بشري من قبل مسلحي جماعة "مغافير الثورة" المسلحة غير الشرعية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، لم يسمح التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لمجموعة خبراء روسية بدخول المخيم لتقييم الوضع الإنساني.
إن الجانب الإنساني لإعادة إعمار سوريا بعد الصراع معقد أيضا بسبب استمرار مشكلة الإرهاب. إذ تواصل السلطات السورية محاربة الجماعات الإرهابية في إدلب وفي الجنوب، في محافظة درعا. ومنذ نهاية أكتوبر، تقوم القوات الخاصة التابعة للقوات الحكومية بتنفيذ عملية مكافحة الإرهاب في منطقة طارق السد في المركز الإداري للمحافظة الجنوبية. ولا يزال القضاء على التهديد الإرهابي أحد أولويات دمشق، ومن المتوقع أن يناقش المشاركون في الاجتماع في أستانا هذه المشكلة بشكل شامل.
واختتم الخبير دولغوف حديثه قائلا :"لن يكون هذا الاجتماع جذرياً للغاية، بحيث يحل جميع المشاكل، لكنه أحد تلك الاجتماعات التي يجب عقدها بالفعل لمناقشة القضايا الرئيسية".
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي"
Photo: anjči/Creative Commons 2.0
المصدر: تاس