Ru En

الإسلام و روسيا: دروس التاريخ

١٨ مارس ٢٠١٩

.في روسيا عبر تاريخها لألف سنة، تطور نظام القيم الدينية والثقافية، التي تؤثر على عمل المجتمع الروسي


إن الإسلام كأحد الطوائف التقليدية يلعب دورا مهما في حياتها الإجتماعية والسياسية. وكونه عاملا في تشكيل الوعي العام، فإن الإسلام ساهم ولقرون عديدة في تشكيل مبادىء التعايش السلمي بين ممثلين عن مختلف الديانات والذي له تأثير كبير على مسار الأحداث الإجتماعية والسياسية

 


مباديء التعايش السلمي.

 


إن روسيا ولعدة قرون عملت كمجتمع متعدد القوميات والأديان، ونتيجة لذلك، تم تطوير مباديء معينة لتعايش مختلف الأديان.


كما إنه لا يمكن مناقشة المباديء الديناميكية بشكل جاد من خلال مناقشتها بين ممثلين من مختلف الأديان. وفي الحوار بين الأديان لا نتحدث عن إقناع الشريك الحقيقي أو الإنتقال إلى الإتفاق المتزامن. وهذا الحوار لا يمكن أن يتم إلا عندما ينظر إلى أتباع الدين الأخر وذلك من خلال وعيهم الديني وإحترامهم له، حتى ولو كانوا لا يشاركونهم في مواقفهم الدينية. من ناحية، هذا الأمر يتطلب تعبيرا فكريا واضحا وصحيحا، ومن ناحية أخرى – هناك حاجة إلى الصدق والإنفتاح. وهناك حاجة ليس فقط بالقول والتحدث، وإنما بالإستماع أيضا. وعدم الإدلاء بالتصريحات، ولكن المسائل المستهدفة الهادفة منها والهامة التي تساعد في الحد من سوء الفهم والتغلب على التصورات المسبقة التي تنشأ.


وفي روسيا وعلى مدون عدة قرون كانت هناك أشكال مثالية للتعايش بين مختلف القوميات والأديان. وبالنسبة إلى تاريخ الإسلام في بلدنا خلال ألاف السنين للمسلمين، كانت هناك فترات صعبة للغاية، وهم حاولوا العمل على تطوير مبادىء التعايش السلمي، وفي علاقاتهم مع الكفار الوثنين سات بينهم الحكمة السليمة.


إن الأراضي الحدودية الغسلامية والمسيحية التي كانت ظاهرة فريدة قد تشكلت ونشأت في روسيا، وفي واقع الأمر، لم يتم إنتهاكها ومخالفتها على مدى العقود الطويلة للتعايش السلمي لشعوب بلدنا. كما أن هذه التجربة التاريخية في المقام الأول، إستندت إلى أساس الفهم السليم وفهم الحالة الحقيقية. ولا يمكن فهمه وكأنه حل وسطي بين الطوائف والأديان. وكانت هذه محاولة داخل الحياة بين الطوائف  والعلاقات بين الجيران حول المباديء الحقيقية لدياناتهم، التي كانت قراراتهم أعلى من قراراتهم السياسية القصيرة المدى.

 

 

دروس التاريخ.

 


إن إنتشار الإسلام على الأراضي الروسية هو في المقام الأول إستمرار ومواصلة تأسيس مجتمع ديني عالمي وإنتقاله إلى حالة نوعية مختلفة. كما أن الحضارة الإسلامية ذهبت في عملية توسيع حدودها، وخرجت خارج حدود العالم العربي. وقبل دخوله إلى أراضي روسيا الحديثة، إستوعب الإسلام الإنجازات الثقافية الإيرانية، والهندية، والشعوب التركية (في دول أسيا الوسطى)، وعاش المسلمون بالفعل ضمن الثقافة المشتركة فيما بينهم.


وقد دخل الإسلام إلى داخل أراضي روسيا الحديثة والذي حدث في البداية نتيجة الفتوحات العربية. في عامي 685 و 686 ميلادية، إحتل العرب وسيطروا على ديربينت، والتي أصبحت منذ ذلك الحين مركزا إسلاميا لمنطقة القوقاز الشمالية – الشرقية، والتي سميت بإسم "باب الجهاد" ("باللغة الروسية سميت بـ  بوابة النضال من أجل الدين والإيمان"). وفي عام 722 و 723 ميلادية كانت القوات العربية دخل القائد العسكري جيراح إلى المناطق الداخلية في داغستان. وفي عام 732 و 739 ميلادية كان القائد العربي مروان إبن مـحمد  قد قام بـ 6 حروب في داغستان.


ويجب أن يؤخذ بالإعتبار إلى أن شعوب شمالي القوقاز إعتنقت الإسلام  لما يقرب من ألف سنة، وهذه العملية إستمرت تدريجيا وبطريقة سلمية. وإذا كان في داغستان، وأوستيتا وكاباردي، على سبيل المثال في القرن الثامن عشر حيث كانت المؤسسات الحكومية، والمرتفعات فيالشيشان والقوقاز الغربي حتى أوائل القرن التاسع عشر كانوا قد إحتفظوا وتمسكوا على طريقتهم المعتادة التي تعودوا عليها.


وفي أراضي منطقة الفولغا الوسطى، دخل الإسلام في وقت مبكر جدا، وفي المقام الأول، كان ذلك بفضل العلاقات التجارية والإقتصادية مع اسيا الوسطى. كما إرتبط إنتشار الإسلام في منطقة بلغار مع وصول ثلاثة من الصحابة (من أصحاب) النبي محمد صل الله عليه وسلم. حيث أن الإصدار الأكثر إنتشارا لهذه الأحداث تم سردها في كتاب للمؤلف في القرن الثامن عشر الميلادية مسلمي "تواريخي بلغار"، حيث وصف بالتفصيل في القرن الـ 9 من الهجرة النبوية الشريفة (في الأعوام 631 / 32) من أجل نشر وتعليم الدين الصحيح، أرسل الرسول محمدا صل الله عليه وسلم بنفسه ثلاثة من الصحابة وهم (عبد الرحمن بن الزبير، و الزبير بن جعدة، و طلحة بن عثمان


"وكانوا على مدى ثلاث سنوات في مدينة بلغار يعلمون علم أصول الدين وقوانين الشريعة الإسلامية، وقاموا ببناء مسجد. وعرفوا الناس على القرأن الكريم، وصلوا بالناس صلاة الجمعة والصلوات الأخرى (الصلاة). كما قاموا بفتح المدارس الدينية".


وبعد ثلاث سنوات عاد إثنان منهم إلى المدينة المنورة، أما الزبير بن جعدة بقي في بلغار، وتزوج من إبنة الحاكم خان وإسمها تويبيكا، وعاش معها عشرون عاما، ومات في بلغار. ومنذ ذلك الحين، فإن بلغار أخذت شكلها الأخير على خريطة العالم السياسية بإعتبارها دولة. وبهذا المعنى، فإن وصول السفارة من بغداد في عام 922 ميلادية  لعب دورا الإعتراف الدبلوماسي الرسمي بالدولة الجديدة.


وفي القبيلة الذهبية، وكذلك في منطقة فولجسايا بلغار، كانت مهام القيادة السياسية والدينية، إلى جانب إقرار حقيقة الدين، والذي أصبح تحقيق السلام، والرفاهية في البلاد. وكواحدة من أهم النتائج المترتبة  على ذلك هو التسامح  النسبي للإسلام الذي سمح بوجود وجهات النظر المختلفة، والذي لم يتم فيه فرضها بالقوة، والكفاح بسبب ذلك لا يؤدي إلى تفكك المجتمع.


وفي القبيلة الذهبية، تجلى ذلك في موقف الغسلام تجاه الأديان الأخرى، وكذلك فيما يتعلق بالإختلافات الإسلامية الداخلية. وفي عاصمة القبيلة الذهبية عاش فيها العلماء الدينين من مختلف المذاهب (المذهب الشافعي، والمذهب المالكي)، وكان هناك العديد من المجتمعات الصوفية المختلفة. وكان كل هذا بإعتباره سمعة ضرورية ومتكاملة للدولة، والذي كان يلزم لتطوير أشكال الرضى للإحتياجات الروحية لمواطنيها.


وفي القبيلة الذهبية كان هناك مفهوم مفاده، بأن الدولة لا ينبغي أن تستند إلى مباديء التعدي على الحقوق الدينية لممثلي الأديان والطوائف المختلفة. ويتضح ذلك بشكل واضح بحقيقة أنه في عام 1261 ميلادية في القبيلة الذهبية كانت فيها وعملت أبرشية سارسك وأبرشية بودولسك التابعة للكنيسة الأرثوذوكسية الروسية، أما مقر إقامة الاسقف الحاكم فكانت في منطقة ساراي – عاصمة القبيلة الذهبية.


كما أن تعزيز مكانة الإسلام ورجال الدين المسلمين، الذي بدأ في منتصف القرن الرابع عشر، والتي إنتهت مع تشكيل دول إسلامية مستقلة، ومنها: أستراخان، كازان، القرم وغيرها. وفي هذه الدول البعيدة جدا عن المراكز الرئيسية للحضارة الإسلامية، فإن الإجماع (إتفاق رأي أغلبية الفقهاء والعلماء) التي سمحت بتقنين وتشريع الإختلافات الدينية.

 

وكتب عن هذا المؤرخ الروسي في التاريخ ميخايل خودياكوف، الذي إدعى وأكد بأن "واحدة من ألمع الأطراف في الحياة الإجتماعية  لخانة كازان كانت نسخة كاملة عن التسامح الديني، والتي كانت على علاقة متينة مع الطابع التجاري للسكان الحضر. وعلامة على ذلك، فإنه في خانة كازان كان السكان يلجأ إلى الإسلام بطريقة سلمية، وكان الأئمة في المساجد أثناء الصلاة (أو أثناء الخطبة)  في مساجد منطقة كازان يستندون ويتكأون على الموظفين المتجولين، وليس على سيف المحارب، كما كان عليه الحال في تركمنستان".

 

يتبع لاحقا وفيما بعد...


رفيق موخاميدشين. "التراث الديني للمسلمين الروس"