Ru En

كيف فتحت "مذكرات" سفير بغداد المسلمين الروس لبقية العالم

١٨ مارس ٢٠١٩

في عام 921 ميلادية من بغداد عاصمة العالم – وبتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالـله خرجت السفارة السياسية والدينية وتوجهت إلى وسط أسيا، إلى أراضي بلغار، وذلك بناءا على طلب السكان للتعرف على الإسلام. وكانت السفارة تتألف من شخصيات مختلفة في مجالات الفقه، والسياسة، والتريخ وكان يرأسها أحمد إبن فضلان، والذي يعتبر أول سفير عربي في روسيا. ومنذ ذلك الحين، تعززت الروبط الدينية، والثقافية، والتاريخية بين شعبي الدولتين.


كما أن السفارة التي شارك فيها رسميا كان يترأسها حفيد الخليفة وهو سوسن الرسي، ومع ذلك، فإن أحمد إبن فضلان أوكلت إليه مهمة أن يصبح أمينا للبعثة، وهذا يدل على أنه كان ذو مقام ومرتبة عالية وكانت له سلطة في كل مكان ونفوذ يحظى به: وكان على كتف وعاتق أمين البعثة جميع الأعمال الهامة والمسؤولية عن ممارسة تلك المسؤوليات والأعمال والمسؤول عن النتيجة النهائية لتلك البعثة.

  

   وكان لإبن فضلان للوصول في مهمته التي أسندت إليه فيها قراءة رسالة الخليفة إلى حاكم فولجسكي بلغار، وتقديم الهدايا له وللمقربين منه، وكذلك إخباره عن الدين الإسلامي.

 

كما خرجت السفارة من بغداد بتاريخ 21 من شهر حزيران - يونيو من عام 921 ميلادية، وكان طريقه عبر طريق ريي، و نيسابور إلى بخارى، ومن هناك إلى اموداريا، وفيما بعد إتجه للأسفل عبر هذا النهر إلى عاصمة خواريزما كيس. وفيما بعد أمضوا فصل الشتاء في جورجاني (اورغينتشي القديمة) وسبعين يوم من التنقل إلى الشمال بإتحاه الفولغا.

 

وبتاريخ 12 من شهر أيار – مايو من عام 922 ميلادية، وصلت سفارة الخليفة إلى "دولة السلاف"، حيث تقع دولة فولجسايا بلغار.

 

وعندما كانت الوجهة النهائية للقافة مسافة سير يوم وليلة في الطريق، إلتقى بالسفارة أربعة أمراء يخضعون لسلطة الأمير  الموشو – التابارو، وكذلك بإخوته وأولاده. "يكتب إبن فضلان – هم إلتقوا بنا، - وكان في أيديهم الخبز، واللحم، والطعام المدخن وذهبوا معنا. كما أن القيصر إلتقى بنا على مسافة نقطتين (أي بمسافة 12 كيلو متر) من مكان تواجده. وعندما رأنا، نزل من على ظهر حصانه، وإنحنى إحتراما لله العلي القدير".

 

وقبل قراءة الرسالة، التي كان الهدف الرئيسي من كامل الرحلة الطويلة والمرهقة والشاقة والخطيرة، تم جلب وإحضار إثنين من الهدايا والفرس المثقلة والمحملة بالهدايا، حيث وتم إلباس الأمير  الموشو – التابارو باللباس بالملابس السوداء لكبار الشخصيات في القصر للمؤمنين، ووضعوا على رأسه العمامة. وبعد ذلك، فإن إبن فضلان، والذي كان مسؤولا عن إجراءات عقد المراسم، أخرج الرسالة المرسلة من الخليفة وبدأ بقراءتها. "كان المترجم وبدون توقف يترجم نص الرسالة حرف بحرف. وعندما إنتهينا من القراءة، صرخوا جميعهم بقول "الله أكبر"! وكانت الأرض قد إرتجت من هذا الصوت"، -  وترك هذا الإنطباع أحمد إبن فضلان بنفسه. ومنذ تلك اللحظة، فإن فولجسايا بلغار بجميع سكانها أعلنوا وأقروا بأن الغسلام هو دين الدولة، وبذلك أصبحت جزءا من العالم الإسلامي.

 

وبد عودته إلى وظنه الأم بغذاد،  أحمد إبن فضلان، قام بتدوين "مذكراته" (رسالته")، والتي كانت مكتوبة على شكل مذكرات إرشادية  ودليل وإعتبرت واحدة من أهم مصادر تاريخ العصور الوسطى لمنطقة فولجسكايا، ومنطقة الفولغا وأسيا الوسطى. كما أنه لم يتم الحفاظ على الجزء الأخير والنهائي من المذكرات، وبالتالي، فإن طريق العودة من المهمة غير معروف. وفي كتباته لمذكراته، فإن الرحالة حاول أن يدون بأدق التفاصيل كل شيئ واي شيء إستطاع معرفته، وكل شيء رأه، بدءا من لحظة خروجه من بوابة بغداد وحتى لحظة إغلاق بوابة البيت خلف ظهره. ومن بين التقارير الجغرافية والتاريخية يمكن أيضا العثور على القصص الأسطورية الشمالية، بما في ذلك عن السمكة الضخمة.

 

إن "المذكرات" تمثل نصبا مشرقا عن الأدب الجغرافي العربي، التي كانت عنصرا مميزا للثقافة العربية – والإسلامية. وفي مذكراته، كان يصف تاريخ الناس البسطاء، وحياتهم وثقافتهم. ولكنه لم يترك عن نفسه أية معلومات بإستثناء القليل الذي يمكن العثور عليه في "المذكرات". وبالتحديد، فإن أحمد إبن فضلان كان أول حياة الطرق التجارية، التي كانت بمثابة القناة الرئيسية لنشر ثقافة وعادات وتقاليد مختلف الشعوب، والتي ترمز إلى وحدة الشرق والغرب. ووفقا لثراء الرقابة الإثنوغرافية للقبائل والشعوب، التي عاشت منذ ألف عام على أراضينا في روسيا، فإن "مذكراته" لا يوجد مثيل لها. كما يمكن القول بأن أحمد إبن فضلان كان أول الأدباء الذين فتحوا تلك الأراضي، والتي زارها التجار المسلمون، ولكن المناطق الجغرافية في القرن العاشر بقيت غير معروفة بشكل عام.

 

واليوم، فإن "الرسالة" (المذكرات") – تعتبر واحدة من أهم مصادر تاريخ العصور الوسطى لمنطقة فولجسكايا، ومنطقة الفولغا وأسيا الوسطى. كما أحمد إبن فضلان، وبالطبع، لم يكن أول الفاتحين، ولكنه أصبح أول الرحالة المسافرين، والتي كانت الطرق عن مناطق شمالي قزوين ومناطق الفولغا وصلت إلى يومنا هذا. وكان هو أول من أعطى القائمة الصحيحة للأنهار التي تعبر المناطق المنخفضة لبحر قزوين. ولجميع هذه الأنهار، فإن أحمد إبن فضلان يقدم أسماء متطابقة أو متشابهة للغاية مع الأسماء الحالية.

 

وللأسف، تم فقدان النص الأصلي للكتاب. كما أن أجزاء منه دخلت في "القاموس الجغرافي" لمؤلف الموسوعة العربية في القرن الثالث عشر ياقوت الرومي. وعلى هذا الشكل، فإنه تم نشرها لأول مرة في عام 1823 ميلادية من قبل أكاديمية فرين الروسية باللغة الألمانية. كما أه تم إكتشاف القائمة الوحيدة المعروفة لـ "المذكرات" من قبل المستشرق أحمد – زكي فاليدوف في عام 1923 ميلادية في المكتبة في مقبرة الإمام علي إبن رضا في مدينة مشهد في إيران.


في عام 1937 ميلادية، فإن نسخة عن هذه الوثيقة تم تقدينها كهدية من حكومة إيران إلى أكاديمية العلوم في الإتحاد السوفياتي. وعلى أساس ذلك، تم ترجمة المذكرات، ومن ثم طباعتها ونشرها في عام 1939 ميلادية تحت إشراف وتحرير  ي. يو.  كراتشكوفسكي. وفي ذلك العام، خرجت الترجمة باللغة الألمانية للمترجم  أ. ز. ف.  توجان.  كما أن النسخة الثانية من ترجمة  كوفاليفسكي تم إصدارها في عام 1956 ميلادية.

 

إلميرا غافياتوللينا