Ru En

تناقضات واشنطن في العلاقات مع موسكو

٠٧ أغسطس ٢٠١٩

شهدت العلاقات الروسية الأمريكية في الأيام الأولى من آب/أغسطس الجاري سلسلة من الأحداث المتناقضة.

 

فبالتوازي مع فرض وزارة الخارجية الأمريكية حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زوال العواقب أمام إقامة علاقات جيدة بين واشنطن وموسكو عقب انتهاء تحقيق مولر دون أي نتيجة تذكر. وفي اليوم التالي بعد ذلك، أعلنت الولايات المتحدة خروجها من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وفي اليوم الذي سبق، اتصل الرئيس ترامب بالرئيس بوتين وعرض عليه المساعدة في إطفاء الحرائق المشتعلة في غابات سيبيريا.

 

تصريحات الرئيس ترامب حول الآفاق الجديدة في العلاقات الأمريكية الروسية كانت يوم الجمعة في الثاني من أغسطس خلال حديثه مع الصحفيين في البيت الأبيض، وقد جائت في سياق حديثه عن انتهاء مهمة المحقق الخاص روبرت مولر، والذي فشل في نهاية المطاف في إيجاد أي أثر لتآمر الرئيس الأمريكي مع موسكو. وقد اعتبر دونالد ترامب ذلك نقطة تحول في العلاقات الروسية الأمريكية قائلا: «نبذل جهدا كي تكون علاقاتنا جيدة، وكان ذلك صعبا جدا في ضوء ذاك التحقيق الذي انتهى الآن».

 

وحدد سيد البيت الأبيض الاتجاهات التي تحظى بأولوية في التعامل مع موسكو في قادم الآيام.

 

قال ترامب: «إن تمكنا من إبرام معاهدة جديدة مع روسيا تنص على تقليل عدد الأسلحة النووية من قبل الطرفين، فسوف يكون الأمر رائعا بالنسبة للعالم بأسره. وأنا مؤمن بأن ذلك سوف يتحقق فعلا».

 

تناقضات واشنطن في العلاقات مع موسكو

Public Domain

 

قبل يوم واحد منذ ذلك، صادق الرئيس الأمريكي على حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، وهي الحزمة الثانية المتعلقة بملف سكريبال (عميل بريطانيا الذي اتهمت لندن موسكو بتسميمه في آذار مارس 2018 دون تقديم أي دليل على ذلك، ودون توصل التحقيق البريطاني إلى أي نتيجة بعد أكثر من عام على التحقيق. وحتى اليوم يبقى مصير العميل سيرغي سكريبال مجهولا). ورغم أن روسيا ترفض الاتهامات الموجهة إليها جملة وتفصيلا، مازال البيت الأبيض يعتبر أن روسيا هي من قامت بتسميم العميل.

 

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض هوغان غيدلي: «إن هذا لمثال آخر يدل على تعاملنا الأكثر حزمنا تجاه روسيا من تعامل الإدارات السابقة».

 

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس تعليقا على الموضوع: لن تتمكن روسيا بعد اليوم «من الحصول على مليارات الدولارات من العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة».

 

رد الفعل الروسي كان متوقعا، ورد عبر بيان السفارة الروسية بواشنطن وجاء فيه «أظهرت الولايات المتحدة مرة أخرى للعالم لا مبالاتها بأهم مبادىء دولة القانون كقرينة البراءة». وتوسع نائب رئيس الوزراء الروسي، وزير المالية أنتون سيلوانف قائلا: «إن القرار الأمريكي بفرض قيود جديدة سوف ينعكس سلبا على علاقات بلادنا، وليس ذلك بالأمر الجيد. بيد أن مناعة  الاقتصاد الروسي للعوامل الخارجية قد أثبتت نفسها خلال الأعوام الماضية».

 

فرض الحزمة الجديدة من العقوبات صادف حدثا آخر. حدث آثر بقوة على علاقة البلدين.

 

تناقضات واشنطن في العلاقات مع موسكو

Public Domain بولتون ، مايك بومبو ، الرئيس ترامب ، نائب الرئيس بنس

 

المستشار الأمريكي للأمن القومي جون بولتون أعلن في نفس اليوم الذي تحدث فيه رئيسه عن آفاق جديدة في العلاقات بين أمريكا وروسيا، أعلن بولتون عن خروج الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، ملقيا بالمسؤولية على موسكو. اذ قال «إن روسيا لطالما كانت تطور ترسانتها زتخرق بنود المعاهدة». روسيا وعلى لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أكدت بأنها لم تقم بتطوير أي نوع من الأسلحة المحظورة من قبل المعاهدة، بل ودعت الولايات المتحدة مرارا للحديث حول المخاوف الأمريكية لإيجاد آلية تبدد الشكوك، ولكن الولايات المتحدة رفضت ذلك مرارا، ما دعى نائب الوزير ريابكوف للقول: «إن هدف الولايات المتحدة الحقيقي لم يكن الحفاظ على اتفاق الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بل كان التخلص من القيود المدرجة فيه على زيادة القدرات الصاروخية الأمريكية، سيَر الأمريكيون بشكل متعمد الأمور بهذا الاتجاه، لفسح المجال أمام أنفسهم واستخدام أدوات عسكرية غير محدودة للغضط العسكري على أي خصوم ومعارضين في أي مكان حول العالم».

 

تناقضات واشنطن في العلاقات مع موسكو

الصورة: الموقع الرسمي لرئيس روسيا

 

يذكر أن قبل يومين من تصريحات جون بولتون، تلقى الرئيس الروسي اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكي، الذي عرض عليه المساعدة في إطفاء الحرائق المشتعلة في سيبيريا بسبب الظروف الطبيعية. المكتب الصحفي للبيت الأبيض لم ينشر مضمون الاتصال، أما الرئيس ترامب ردا على سؤال الصحفيين أشار باختصار إلى أنه كان «حديثا جيدا - كان قصيرا ولكنه جيد».

 

من جهته أفاد المكتب الصحفي للكرملين بأن الرئيس بوتين شكر الرئيس ترامب على عرضه، واعتبره عربونا يظهر قدرة موسكو وواشنطن على إعادة العلاقات إلى طبيعتها.

 

وبعد حادثتي إطلاق النار في ولايتي تكساس وأوهايو والتي أودت إلى سقوط قتلى وجرحى، بعث الرئيس الروسي برقية إلى الرئيس الأمريكي، أعرب فيها عن تعازيه بضحايا الحادثتين المأساويتين.

 

ولا يرى المراقبون في هذه الرسائل الأمريكية المتناقضة بوادر في عودة الدفىء إلى العلاقات الروسية الأمريكية. ويقول مدير معهد الاقتصاد والعلاقات الدولية في موسكو فيودور فويتولوفسكي: «إن الرسائل المتناقضة تهدف إلى زيادة الضغط على الطرف الآخر إلى الحد الأقصى، كي تقوم واشنطن فيما بعد بخطوة صغيرة إلى الوراء لإبرام صفقة رابحة. هذه هي المبادىء التي يحاول دونالد ترامب أن يطبقها في العلاقات مع دول عدة، ولكن ما هو فعال في عالم المال قد يعطي نتيجة عكسية في عالم الدبلوماسية». وحسب الخبير فإن سياسة إدارة الرئيس ترامب تجاه روسيا تركز على المحاور التالية.

 

المحور الأول: زيادة الضغط في المجال المالي والاقتصادي.

 

المحور الثاني: جر روسيا إلى مسابقة تسلح منهكة عبر خروج الولايات المتحدة من معاهدات الحد من التسلح. وخروجها من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مثال واضح على ذلك، واحتمال تمديد معاهدة الصواريخ الاستراتيجية الهجومية والتي تنتهي في فبراير من العام 2021 ليس كبيرا. وأما توقيع معاهدة جديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية بمشاركة الصين فأمر مستبعد جدا.

 

المحول الثالث: العمل على عدم السماح لقيام الحوار بين موسكو والدول الأوروبية الكبيرة حول مسائل الأمن، والحد من التعاون الاقتصادي بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

 

ولا يوجد ما يؤشر على إمكانية تراجع واشنطن عن نهجها على هذه المحاور حسب الخبير.

 

أما البروفيسور في الجامعة الأمريكية بواشنطن أنتون فيدياشين فيرى «أن السياسة الأمريكية الخارجية باتت رهينة الكونغرس ومزاج الرئيس المتقلب، فمن جهة، يضطر الرئيس ترامب إلى إثبات أنه أكثر صرامة مع روسيا من سلفه، ولذلك يقوم بفرض العقوبات التي يقدمها له الكونغرس، ومن جهة أخرى، يبدو أن الكونغرس لم يعد قادرا على استيعاب حقيقة التغيرات التكتونية الحاصلة في السياسة الدولية، ومن هنا هذا التوجه إلى استخدام العقوبات بدل حل المعضلات الدولية المعقدة عبر السبل الدبلوماسية».

 

 

مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي"