Ru En

الجغرافيا السياسية لـ"داعش": التوسع كاستراتيجية البقاء. بقلم غريغوري لوكيانوف

١٨ سبتمبر ٢٠١٩

كان عام 2019 عامًا بارزًا بالنسبة لتنظيم "داعش" الدولية الإرهابية (داعش - محظورة في روسيا)، والتي تمكنت من إظهار قدرتها على التغيير من اجل البقاء بعد الهزائم العسكرية التي لحقت بها في كل من  سوريا و العراق. على الرغم من الخسارة الكاملة للأراضي التي تم الاستيلاء عليها في 2013-2014 ، فإن الميزة التنافسية الرئيسية لداعش على تنظيم القاعدة (وهي ايضا منظمة إرهابية محظورة في روسيا)، اعلنت عن نفسها بانها تقوم مقام الدولة و لذلك جذبت الى صفوفها الآلاف من المؤيدين من جميع أنحاء العالم ، والقول عن الهزيمة الكاملة و الموت الحتمي لهدف الخلافة التي اعلن عن قيامها من المبكر الحديث عنها.

 

التوسع في الجغرافية والى خارج حدود الدول العربية التي دمرتها الحرب وخصوصا الى غرب آسيا اصبح عنصرا هاما في استراتيجية داعش للبقاء.

 

الجغرافيا السياسية لـ

إحدى خرائط داعش الدعائية - تظهر المناطق التي يجب أن تكون تحت سيطرة الإرهابيين / CC BY-SA 4.0

 

في عام 2014، أعلن الممثل الرسمي لداعش، أبو محمد العدناني ، عن إنشاء عدة ولايات خارج المشرق العربي، والقليلون توقعو أن هؤلاء الوكلاء يمكن أن يعملوا بشكل مستقل، بالاخذ بعين النظر بعدهم عن "مركز" الخلافة و كم من الظروف والعوامل الفريدة التي تبلورت في وقت واحد في العراق وسوريا، بحيث أصبحت ظاهرة داعش ممكنة. ومع ذلك، في السنوات الخمس التالية، أظهرت مجموعة من الفروع القدرة على الحياة والتطور، وفي نفس الوقت تمكنت هذه الفروع ليس فقط من التكيف بعد انهيار مركزهم الام ولكن عملت على إيجاد وإظهار قدر من الاستقلال السياسي والاكتفاء الذاتي الاقتصادي، وزادوا بشكل كبير عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا.

 

وقد حققت داعش أعظم النجاحات في هذا المجال في ولاية خراسان و نجحت في استغلال وفاة زعيم طالبان (حركة طالبان - منظمة إرهابية محظورة في روسيا) الملا عمر في عام 2013 والاضطرابات التي تلت ذلك في صفوف أكبر حركة راديكالية في أفغانستان وباكستان واعتمدت  على الشباب وعواطف القادة الذين ليسوا أقوياء بما يكفي مشاركتهم ومنازعتهم في صراع حقيقي على السلطة والموارد داخل طالبان، وكذلك الاكثر تطرفا والمعارضين بحزم لأي مفاوضات مع الحكومة، ومع حلفاء من الغير البشتون  في حركة طالبان (الأوزبك والويغور).

 

الجغرافيا السياسية لـ

مقاتلو داعش الذين استولوا عليهم الجيش الأفغاني / مرويس بيزان ، Public Domain 

 

خلال 5 سنوات، استولى المدافعون الأفغان "فرع داعش" عن حصتهم في نظام أعمال سوق تجارة المخدرات، وبالتالي حصلوا على إمكاينة تزويد أنفسهم  بالدعم والدخل الثابت. هذه القاعدة الاقتصادية القوية أعطت ولاية خراسان امكانية ليس فقط القيام بهجمات إرهابية باستخدام  الافراد اومجموعات إنتحارية، بل وأيضًا تجهيز فصائل مسلحة قادرة على القتال على قدم المساواة مع الجيش النظامي لجمهورية أفغانستان الإسلامية، والاستيلاء على مناطق واسعة.

 

في عام 2019، وصلت الولاية إلى مستوى مختلف اختلافًا جذريًا في التنظيم وتحولت إلى هيكل مظلي ينسق ويدعم أنشطة منظمات (ولايات) جديدة، ليس فقط في أفغانستان، ولكن أيضًا في إيران وجنوب آسيا: الهند وكشمير وباكستان والبنغال (بنغلاديش) وسيلاني (سريلانكا). سمحت المواجهة الهندية الباكستانية في كشمير لداعش بزيادة نفوذها في المناطق الحدودية للقوتين النوويتين، وحشد الدعم من الجماعات المتطرفة المحلية وإثارة موجة جديدة من العنف بين الأديان.

 

كانت سلسلة الهجمات الإرهابية المدوية في سريلانكا، وهي الأكبر منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل 10 سنوات، نقطة تحول أطلقت في تجديد التعهدات والولاء لأبي بكر البغدادي في حول العالم.

 

أظهرت البيانات القديمة (2014-2015) و بيانات الولايات الجديدة، الموزعة من خلال قنوات داعش الإعلامية في ربيع وصيف 2019 توسعًا ملحوظًا في مساحة الخلافة التي نصبت نفسها في الشرق على حساب المناطق المسلمة في الجنوب والجنوب الشرقي لآسيا، وكذلك الجنوب - في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

 

لا تزال امام داعش الإمكانيات الهائلة غير مستغلة لنموها في اجزاء جزر جنوب شرق آسيا - في ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والفلبين. هنا، توحد خلايا داعش المحلية ليس فقط النشطاء عديمي الخبرة، ولكن أيضًا المحترفين "المقاومين" ذوي الخبرة الطويلة في الكفاح المسلح من أجل حقوق واستقلال المجتمعات المسلمة المحلية (كما في تايلاند والفلبين). في الفلبين، على الرغم من فشل محاولة الاستيلاء على مدينة "مرفي" في عام 2017، والتي لم تصبح " كالموصل"، أعلن أنصار داعش في 2019 إنشاء ولاية شرق آسيا.

 

في عام 2015، أصبحت الحركة النيجيرية "بوكو حرام" في غرب افريقيا جزء من تنظيم داعش (منظمة محظورة في روسيا)، والمعترف بها كواحدة من أخطر الجماعات الإرهابية في العالم، حققت الحكومة الفيدرالية بعض النجاحات في طرد مقاتلي هذه المنظمة من أراضي نيجيريا وادى االانقسام بين قادتها في الفترة 2017-2018 الى اضعافها إلى حد ما في نيجيريا نفسها، لكن  داعش تواصل تنفيذ الأعمال العدائية النشطة وشن هجمات إرهابية في البلاد والمناطق المجاورة. في عام 2019، أدرجت داعش منطقة جديدة في غرب إفريقيا  تحت مسؤوليتها الصحراء الكبرى على حدود دول، مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ثم أصبح معروف عن إنشاء ولاية في وسط إفريقيا، تضم الجماعات المتطرفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى وحتى موزامبيق.

 

الجغرافيا السياسية لـ

تم وضع علامة على التوسع الإقليمي الأقصى لـ "بوكو حرام" باللون الرمادي / Wikimedia Commons ، CC BY-SA 4.0

 

فروع داعش الاقليمية، في خراسان وشرق آسيا وغرب ووسط إفريقيا، تشبه الى حد كبير تجربة القاعدة، التي أنشأت شبكات إقليمية مماثلة في أوائل العقد الأول من القرن العشرين. في هذا الصدد، فإن التوسع المستمر لداعش سيؤدي حتما إما إلى زيادة المواجهة بين داعش والقاعدة، أو إلى تقارب ودمج المنظمتين الإرهابيتين.

 

على هذه الخلفية، تلعب جماعاتها المحلية الصغيرة في مناطق النزاعات المسلحة التي لم يتم حلها دورًا مهمًا، حيث تعمل على تأجيجها  وتجعلها قادرة على التواجد بشكل مستقل. تتميز ولاية سيناء بالاكتفاء الذاتي الاقتصادي والسياسي الكامل، فقد نجحت منذ عدة سنوات في زعزعة استقرار الوضع في شبه الجزيرة الذي يحمل نفس الاسم وتصدت بشكل فعال للقوات المسلحة المصرية. سمح تحالفها مع القبائل البدوية وسيطرتها على نقل البضائع التجارية بتزويد مقاتليها  بكل ما هو ضروري ومواصلة القتال.  النزاعات المسلحة المستمرة تخلق انقسامات اجتماعية جديدة ، تعزز عدم المساواة الاقتصادية وهيمنة اقتصاد الظل، كل هذا يعمل على تهيئة الظروف المواتية لانشاء ولايات جديدة في بركة و طرابلس وفزان (ليبيا) واليمن والصومال.

 

بعد أن فقدت السيطرة العسكرية والسياسية المباشرة على الأراضي والسكان، إلا أنها لم  تهزم بالكامل ولم تتخلى عن نضال الخلافة في العراق وسوريا. بعد أن أصبحوا افرادها تحت الأرض، اصبحوا يراكموا ويخزنوا موارد مالية وتنظيمية كبيرة، ويحتفظون بقدراتهم التخريبية والإرهابية. لا سيما في العراق، حيث حلفاء داعش متواجدون بكثرة وخصوصا بين صفوف المحاربين القدامى وقادة حزب البعث الذي تم القضاء عليه في عام 2000.

 

الجغرافيا السياسية لـ

أبو بكر البغدادي في سجن بوكا عام 2004 / القوات المسلحة الأمريكية، Public Domain 

 

في أراضي الخلافة السابقة، لا تسهم سياسة القمع المستمرة من قبل الميليشيات الشيعية "الحشد الشعبي" ضد السكان المحليين الذين ناصروا أبو بكر البغدادي في إعادة الاندماج المجتمعي، وهذا هو السبب في أن السنة العراقيين ما زالوا يشكلون مصدرًا غنيا لمد داعش بالرجال المقاتلين. في سوريا، تظل وحدات داعش البدوية التي تعمل ضد القوات الحكومية ووحدات قوات الدفاع الذاتى المعارضة في جميع أنحاء الصحراء السورية ومنطقة الجزيرة بأكملها من بقايا القوة العسكرية السابقة للخلافة وستعيد على الأرجح تجربة العراق ، بعد أن تم تدميرها أو إخفاؤها تحت الأرض.

 

نتائج توسع داعش في آسيا وإفريقيا، والتي تحولت من الحرب الاعلامية - الدعائية إلى استراتيجية البقاء على قيد الحياة بعد الهزيمة العسكرية والسياسية في سوريا والعراق، تجاوزت إلى حد بعيد التوقعات حتى من قبل قادتها. اليوم، في ظل ازمة داعش انحصرت اقليميا ولكن مازالت تاخذ منحى تهديدعالمي كبير.

 

التوسع، يعطي المنظمة الإرهابية فرصا جديدة، ولكن له أيضا عدة  مخاطر. ومن خلال هذا المسار، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية يشبه إلى حد كبير سلفه ومنافسه الرئيسي، تنظيم القاعدة. بالفعل، من الواضح أن التوجهات الرئيسية لتوسع داعش  تمر عبر المسارات التي وضعتها القاعدة وفي هذا المجال، فإن درجة التعاون والتداخل بين الهيكلين في ازدياد مستمر. مع نمو سريع يؤدي إلى تغيير لا مفر منه للقيادة داخل داعش، تزداد احتمالية حدوث تدهور نهائي للصراع بين المنظمتين، وبعد ذلك يصبح تقاربهما ودمجهم أمرًا لا مفر منه.

 

 

 

غريغوري لوكيانوف - محاضر أول، قسم السياسة والإدارة، المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية، باحث في مركز الدراسات العربية والإسلامية، بمعهد الدراسات الشرقية، خبير المجلس الروسي للشؤون الخارجية

 

الصورة: Levi Clancy on Unsplash