اهتمام الشعراء الروس بالثقافة الإسلامية وتقاليد الشعوب الإسلامية يشكل إحدى الصفحات الأكثر لفتاً للانتباه في تاريخ الأدب الروسي. في "محاكاة القرآن الكريم"، يجمع بوشكين بين صرامة الكتاب المقدس والصور الشرقية، ويقدم النبي محمد ﷺ كشاعر ملهم. يرسم ليرمونتوف صورة للشرق الإسلامي الغامض في قصائده عن القوقاز وكلمات مستوحاة من الزخارف الفارسية. ويحتل التراث الشعري العربي أيضًا مكانة خاصة في أدب نيكولاي غوميلوف، وهو ممثل لامع من العصر الفضي.
تشكلت شغف غوميليف بالشرق تحت تأثير أسفاره ودراسته العميقة للأدب العربي - من الشعر الغنائي في العصور الوسطى إلى الشعر الصوفي. إن "الرمز الثقافي العربي" في شعر غوميليوف متعدد الأوجه: صور الطبيعة والأشخاص التي يتم تصويرها من خلال الكريستال الساحر للشعر الإسلامي؛ - الإشارة إلى الدين المستوحى من قراءة القرآن الكريم؛ حوار الثقافات على لوحات الشاعر .
يرسم غوميليف مناظر طبيعية غريبة وشخصيات لا تنسى بأسلوب ماهر من خلال استخدام الزخارف الشرقية. إن بدوي هذا الرجل ليس بدوياً يخيف السكان المستقرين، بل هو تجسيد للحالة الداخلية للمحارب، وهو نفس "العربي المهيب" من قصيدة "بحيرة تشاد". وفي "حدائق الروح" يستعيد وصف البطلة بمهارة أسلوب الغزل العربي: "جبينها أنصع بياضاً من زنابق الشرق، وعيناها كانعكاس الفولاذ الرمادي..." إن مقارنة الشعر العربي التقليدي لجمال المرأة بالجواهر والظواهر الطبيعية تذكرنا بشعر عمر بن أبي ربيعة وغيره.
في مجموعة "السماء الغريبة" تظهر لأول مرة قصائد مخصصة لصور الإسلام؛ ومنذ ذلك الحين، أصبح التوجه إلى الأدب العالمي، وليس الأدب الغربي فقط، سمة مهمة في شعر غوميليف. تصور لوحة "الحاج" المؤثرة صورة الشيخ أحمد أجلي وهو يسعى إلى مكة المكرمة. يملأ الشاعر هذه الأبيات بالأمل المنتصر: "كل ما كان من الممكن للإنسان أن يفعله، قد فعله - وسوف يرى مكة".
تصور قصيدة "الإسلام" أفنديًا غاضباً من الموقف غير المحترم تجاه "الحجر الأسود في الكعبة" - وهو مكان مقدس لكل مسلم. يعكس هذا الحوار، المليء بالحزن والشعور بالخسارة، هشاشة المقدس في العالم الحديث. وفي "إزبكيا" يكشف غوميليوف عن القوة الخلاصية للتقاليد: حديقة سحرية تشفي البطل من الأفكار القاتلة. وهنا، في حديقة القاهرة، يعود الى رشده والإيمان بالله، وبعد عقد من الزمان يعود ليشهد على تحقيق نذره - رفض أفكار الرحيل الطوعي إلى الأبد.
مجموعة "الخيمة" تفتح للقارئ مصر بشكل خاص. ينبهر البطل الشاعري بالمناظر الطبيعية المتناقضة: واحة صحراوية بها أهرامات وأبو الهول، ومسجد السلطان حسن الشاهق، ومقاهي الشوارع في القاهرة، والفلاحين الذين يعملون على ضفاف النيل. تُظهر هذه الصورة البانورامية الفنية صورة ثلاثية الأبعاد ليس فقط لمصر، بل للعالم العربي بأكمله بتاريخه الغني وألوانه الغريبة وهندسته المعمارية الإسلامية وتقاليده الفريدة.
منغمسًا بعمق في الحياة الثقافية للفلاحين العرب، يرسم بطل "الخيمة" بشكل لا إرادي أوجه تشابه بين الرمال الذهبية التي لا نهاية لها والمساحات الشاسعة في سيبيريا، مدركًا الحوار بين الثقافات ومجدًا القرابة في ما يبدو غريبًا.
وكما لاحظ بحق تاتيانا أكيموفا وإبراهيم كارفان حاجي إبراهيم في دراستهما "الرمز الثقافي العربي في شعر نيكولاي غوميليوف"، فإن هذا المنظور الجديد للشرق العربي سمح للشاعر ليس فقط بصقل مهاراته، ولكن أيضًا، من خلال التغلغل في عالم ثقافي آخر، لفهم هويته ومصير روسيا بشكل أعمق.
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: Public Domain