ممارسة العمل التطوعي خلال فترة جائحة كورونا، تاريخ العلاقات بين روسيا وأذربيجان، الدعم المعلوماتي لأنشطة الجمعيات الوطنية والثقافية، حوار الثقافات في الظروف المعاصرة، دور وخصائص الحوار بين الأديان في بناء السلام والحفاظ على الذاكرة التاريخية كوسيلة فعالة لمنع التطرف كل هذه المواضيع كانت جزءا من القضايا التي نوقشت على نطاق واسع في إطار المؤتمر الدولي "روسيا - أذربيجان: التجربة التاريخية للوئام بين الأعراق والأديان"ن الذي عقد في 23-24 نيسان/ أبريل 2021 في قازان، شارك فيه مؤرخون وسياسيون وعلماء إسلاميون وعلماء الفقه واللغة و رجال الدين والمتطوعون والصحفيون وعلماء الطوائف والأعراق وشخصيات اجتماعية.
قازان - محور الحياة الفكرية لروسيا
أشار راميل خيروتدينوف، مدير معهد العلاقات الدولية في جامعة قازان الفيدرالية، إلى أن مثل هذه الأحداث هي بداية لمبادرة جديدة من شأنها توحيد جهود مجتمع الخبراء والشخصيات الاجتماعية لمناقشة أبرز وأهم القضايا الملحة التي تهم العالم . اليوم نحن نتحدث عن التقاليد القديمة، تاريخ العلاقات بين شعوبنا.
خلال المداخلات والمناقشات، قال خيروتدينوف " يجب أن نطور المسار المستقبلي للعمل في الظروف الجديدة، والذي سيسمح لنا بالتأكيد على روابط القربى والقواسم المشتركة في وجهات النظر" واضاف " أنا متأكد من أن العلاقة بين أذربيجان وروسيا ليست فقط ثقافيا وتاريخيا، بل هي مسألة مصير الفضاء الأوراسي والقواسم المشتركة لدولنا".
وأوضحت آنا بيليكوفا، كبيرة المتخصصين في خدمة الاتصالات الخارجية لقناة روسيا اليوم - آر تي - ومستشارة العلاقات الإعلامية لمجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" ، " إنه ليس من المستغرب أن يتم اختيار قازان كمكان لمثل هذه المناقشات، قازان اليوم هي المكان الذي ينبض فيه القلب والقوة الفكرية لبلدنا، حيث نشهد باستمرار حوار وتوافق بمعناه الحقيقي - من الناحية المعمارية والإنسانية والثقافية".
كما تحدث نائب رئيس جامعة قازان الفيدرالية للأنشطة التعليمية دميتري تايورسكي عن أهمية توريث وحفظ الذاكرة التاريخية للأحفاد. ووفقًا له، في هذه العملية، من الضروري استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة بنشاط بالاضافة الى الوسائل والطرق العديدة الهادفة لتقديم المعلومات. ولخص حديثه بالاتي: دعونا نعلم جيلنا الصاعد ونربيه كما يجب في الظروف الحديثة وآمل أن نتمكن بنهاية المؤتمر من تاسيس منصة للحوار الدولي الهادفة الى توحيد مجتمعنا. إن حوار الحضارات هو أساس رفاهية عالمنا، وضمان التفاهم المتبادل، الذي ينبغي أن يؤدي إلى مزيد من التعاون الناجح بين البلدين - روسيا وأذربيجان.
تتارستان - منطقة ذات الثقافة الغنية والتفاهم بين القوميات
قالت فيكتوريا داوتوفا، رئيسة قسم التعاون بين الأقاليم والقوميات وأنشطة المعارض في وزارة الثقافة في جمهورية تتارستان : " تعتبر تتارستان منطقة قديمة لثقافة غنية وجسر للتواصل بين الأعراق، حيث إن مسألة الحفاظ على السلام والوئام بين الأعراق وتعزيزهما لقيادة الجمهورية وسكانها أمر أساسي". يسكن هنا ممثلون من 173 قومية. إن شعوبنا مرتبطة بتقاليد تاريخية عميقة من المساعدة المتبادلة والصداقة.
وفقًا للإحصاءات التي ذكرها داوتوفا، يعيش حوالي 10000 أذربيجاني على أراضي تتارستان: "تم إعلان هذا العام عام اللغات الأصلية والوحدة الوطنية، مما يسمح بالتوصل لحلول للقضايا المتعلقة بتطوير الهوية الوطنية وثقافة الأمة. فقط العمل المشترك النشط يسمح لنا بالحفاظ على الصداقة بين الشعوب.
أشار أندريه بولشاكوف، رئيس قسم علم الصراعات في معهد العلوم الاجتماعية والفلسفية والاتصالات الجماهيرية بجامعة قازان الفيدرالية الى ان " شعبي البلدين يرتبطان بروابط عرقية . أذربيجان وروسيا دولتان علمانيتان وبهما يعيش عدد كبير من المسلمين. نحن لنا تاريخ وتقاليد مشتركة. أذربيجان دولة رئيسية في جنوب القوقاز، وروسيا هي أقوى دولة في رابطة الدول المستقلة. تتارستان هي واحدة من أكثر المناطق الروسية بروزا، ولهذا فإن جمهوريتنا هي منصة ضرورية للتعاون بين الدولتين. التفاعل الثقافي والإنساني والتاريخي لا يقل أهمية عن العلاقات الاقتصادية أو السياسية".
ووافق ذلك الرأي رئيس الكهنة أليكسي كولتشيرين، رئيس قسم التاريخ العام وتاريخ الكنيسة في مدرسة قازان اللاهوتية الأرثوذكسية، مشددًا على أن قدرة الصديق تكمن في الاستماع والفهم والمعاملة المتبادلة بلطف هذا ما يميز الشعبين في البلدين. الثقافة الغنية، العمل المشترك والمتواصل، القدرة على سماع وفهم بعضنا البعض، كل هذا يعتبر تجربة جوار كبيرة ورائعة وهو ما يجب أن يوحدنا جميعا.
كما أكد كولتشيرين خلال خطابه أن للدين معنى خاصا في الحياة، لأن الإيمان هو أساس حياة المجتمع، أي الإنسان. إن الحفاظ على هذه التقاليد أمر مهم، فهو يساعد في الحفاظ على تراث شعبنا وأصالته. إن ظهور التطرف في المجال الديني لا يشهد على الإيمان، بل على عدم إيمان المتطرفين . للعلم ان ممثلي الطوائف التقليدية مستعدون دائما للدخول في حوار ويمكنهم حتى العمل كوسطاء في أصعب الظروف.
أصبح تبني الإسلام من قبل فولغا بولغار مثالاً على الانسجام والسلام بين الأديان
في عام 2022 ، سيتم الاحتفال بالذكرى 1100 لاعتماد الإسلام في بلغاريا الفولغا. وأشار إيلفار حضرة خسانوف، متحدثا في المؤتمر الدولي " دور وسمات الحوار بين الأديان في بناء السلام"، إلى أن الاحتفال سيقام على مستوى دولي وبدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبحسب النائب الأول لمفتي جمهورية تتارستان، هناك حقيقة ان هذه الذكرى أُعطيت لها اهتمام وأهمية كبيرة، وقيادة البلاد تتعامل تجاه الطوائف بحكمة وبنظرة بعيدة المدى. كما ان ان العلاقات بين ممثلي مختلف القوميات والأديان ثابتة لأنها تعتبر روسيا دارا واحدا لها.
واضاف خسانوف، " الحدث الذي وقع في عام 922 هو حدث ليس فقط للتتار، ولكن لروسيا متعددة القوميات بأكملها. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن تبني الإسلام كان طوعيا وأصبح نموذجا للانسجام والسلام بين الأديان. هذه هي الرسالة التاريخية التي يحملها اليوم وطننا الأم في ذاته. وكما نرى، إن هذه المهمة النبيلة تنبع رمزياً من لحظة تبني الإسلام في بلغاريا الفولغا".
كما أكد إلفار حضرت لزملائه المجتمعين أنه بفضل التراث الثقافي الذي تراكم خلال قرون، أصبحت روسيا جزءًا لا يتجزأ من العالم الإسلامي. بالنسبة للتتار، فإن عام تبني بلفار الفولغا الإسلام أصبحت له أهمية خاصة. من المعروف أنه مع ظهور الإسلام، تمكن أسلاف التتار من التغلب على التناحرات بين القبائل المختلفة، وتمكنوا من توسيع العلاقات الدبلوماسية وتقوية الاقتصاد وتطوير الثقافة الروحية. وأضاف إلفار حضرت خسانوف " كان هذا خيار أساسي في مصير أمة بأكملها عرفت رحمة الله تعالى. لم يجلب لنا الإسلام ثقافة روحية عالية فحسب، بل جلب لنا تقاليد التنوير والأخلاق القديرة القائمة على كلام الله تعالى. لقد كان الإسلام مصدرا للقوة للتار ومنحهم كأمة الفرصة للبقاء خلال أصعب المحن، لهذا حتى يومنا هذا نقف على أساس لا يتزعزع ".
وفي ختام كلمته، شدد خسانوف على أن روسيا قوية بشعوبها وقومياتها التي تكرم تقاليد الوحدة والأخوة وتحترم القيم الروحية لبعضها البعض.
العمل التطوعي - وسيلة للتقارب بين الأمم والشعوب
أثار موضوع الخدمة الاجتماعية التطوعية للمجتمع استجابة خاصة بين المشاركين في المؤتمر الدولي. عن هذا تحدث بالتفصيل إيلجام إسماجيلوف، رئيس مؤسسة ياردام الخيرية، وركز على خصوصيات التطوع أثناء الجائحة، مدللا على ذلك بمثال حملة "طريق الحياة" التي أطلقتها المؤسسة.
كما أشار إلى أن أداة التطوع يمكن أن تعمل كبديل فعال لإشراك كل من الشباب والمتقدمين سنا في صفوف مختلف الجمعيات والنوادي الغير خلاقة . وهذا بدوره يتطلب نهجا منظما وتنسيقا اكثر مع السلطات التنفيذية والمؤسسات المالية وأجهزة إنفاذ القانون وما إلى ذلك.
كما اوضح إسماجيلوف" إن المشاركة النشطة من قبل المجتمع في تخطيط وتنفيذ المهام الاستراتيجية في المجال الاجتماعي لها وعود بناءة وهامة للغاية. أولاً، أخذ آراء أكبر عدد ممكن من المشاركين في العلاقات الإجتماعية يساعد على اتخاذ القرارات المثمرة. ثانياً، فضاء الحوار العام يعني وجود أرضية للعمل البناء للنشطاء في المجتمع، بدلاً من المشاركة في الحركات والجماعات الاحتجاجية والمعارضة".
من جانبها آنا بيليكوفا، أيدت طرح إسماجيلوف وأضافت " مؤسسة ياردام معروفة خارج حدود جمهورية تتارستان وايضا خارج روسيا وفي بلدان رابطة الدول المستقلة. هذا تأكيد آخر على إنفتاح المؤسسة تجاه جميع الضيوف والمحتاجين ".
وسائل الإعلام والوفاق بين الأعراق
بدوره، أكد ازر مامادوف، نائب رئيس الجمعية الثقافية الوطنية الفيدرالية للاذربيجاني بروسيا، مرشح العلوم القانونية، على ضرورة حماية العلاقات الروسية الأذربيجانية وتعزيزها والتعامل معها بحذر شديد.
"الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لعب دورًا محوريا في إنهاء النزاع الأرمني الأذربيجاني، والذي أدى إلى استعادة وحدة أراضي أذربيجان على أساس القانون الدولي، يقول شيئًا وفي نفس الوقت تنقل عدد من وسائل الإعلام من خلال شاشات التلفزيون وغيرها من الوسائل إلى المستمع والقارئ موقفًا مختلفًا تماما فقط كرها لأذربيجان. وبهذا الشأن، أكد مامادوف أن هذا السلوك من جانب هذه الوسائل والمصادر المعلوماتية غير مقبول، ويجب على القوى الحية معارضة ذلك بكل الوسائل القانونية. دعونا نقول ذلك بصراحة وبوضوح : بينما يتحدث رئيس الدولة الروسية عن الشراكة الاستراتيجية والتفاهم المتبادل الخاص بين موسكو وباكو، تواصل بعض وسائل الإعلام تشكيل صورة لأذربيجان بأنها دولة غير ودية. هل يجب اثبات أن محاولات دق إسفين في العلاقات بين الدول لا تخدم مصالح تنمية وتقوية الدولة الروسية؟".
وأعاد للأذهان آزر مامادوف أن الرئيس الروسي أصبح عمليا الضامن لدائرة النقل والخدمات اللوجستية في جنوب القوقاز، مما يفتح فرصا جديدة لتنمية اقتصاد كل من روسيا وأذربيجان وأرمينيا والمنطقة بأكملها. وبالرغم من كل هذه العوامل الإيجابية التي أدت إلى استقرار الوضع في جنوب القوقاز، الا إن هناك مواضيع في عدد من وسائل الإعلام الروسية تقدم غالبًا معلومات معاكسة تماما. ترسم عدد وسائل الإعلام صورة مختلفة لا تتوافق مع الواقع، بدلاً من نقل المعلومات للشعب الروسي بان هناك مئات المدارس الروسية في أذربيجان وان اللغة الروسية لغة يتكلم بها الشعب الاذربيجاني في الحياة اليومية ومركز المعلومات والثقافة الروسي في باكو ينشط بحرية وهناك العديد من الحقائق الأخرى التي تخدم التقارب بين روسيا وأذربيجان.
في هذا الصدد، قدم آزر مامادوف اقتراحًا لتوفير وقت للبث وصفحات من مصادر المعلومات الروسية للأذربيجانيين - مواطني روسيا ، بالذات ممثلين عن أعضاء هيئة التدريس، والأوساط الثقافية والإجتماعية للطلاب الشباب، والشخصيات العامة والتي بلا شك ستخدم مصالح الدولة الروسية .
ولخص مامادوف كلمته: " بدون تواضع وشعور بالفخر، أود أن أقول أنه خلال التاريخ الممتد لقرون من حسن الجوار والصداقة والثقة المتبادلة بين الشعبين الروسي والأذربيجاني، ترسخت العلاقات بين الشعبين واصبحت اقرب الى ان تكون علاقات اخوية. كان هذا نتيجة للعديد من المحن التي اختبرها الزمن، عندما وقف كلا الشعبين في فترات تاريخية ومصيرية صعبة للغاية جنبًا إلى جانب مع الشعوب الصديقة الأخرى وقاوموا الاعداء بشكل مشترك. نحن بحاجة إلى الحفاظ على هذه العلاقات وتقويتها والتعاطي معها بأقصى درجات العناية. معروف أن البناء يستغرق وقتًا طويلاً ، أما الهدم والتدمير يتم بلحظة".
يذكر أن المؤتمر الدولي "روسيا - أذربيجان: تجربة تاريخية للوئام بين الأعراق والأديان"، الذي شارك فيه خبراء بارزون من البلدين، تضمن أيضًا معرضًا "خيطًا يربط بين الإبداع والنقل تجربة للأجيال القادمة "، للحرف الشعبية لروسيا وأذربيجان و مسابقات شعرية على ساحل بحر قزوين وكذا طاولة مستديرة خصصت لمناقشة الآفاق المحتملة في إطار التعاون الإعلامي والعلمي والتعليمي. نُظمت هذه الفعالية من قبل معهد دراسات آسيا الوسطى بدعم من صندوق المنح الرئاسية التابع لجامعة قازان الفيدرالية.