تتواصل دورة المحاضرات العامة حول تاريخ الإسلام وتطور جالية التتار المسلمة في قازان. لذلك، كان موضوع الاجتماع الجديد هو الآراء الدينية والفلسفية لعبدالله بوبي، والتي تحدث عنها أيدار زاكيروف، مرشح العلوم الفلسفية، باحث أول في مركز الدراسات الإسلامية التابع لأكاديمية العلوم بجمهورية تتارستان.
سيرة عبدالله بوبي
عبدالله بوبي من مواليد 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1871 في قرية إيز- بوبي، في سارابول، اقليم فياتكا (الآن منطقة أغريز بجمهورية تتارستان)، وهو من عائلة الفقيه والمدرس عبدالعليم نجم الدين وزوجته بدرالبنات. تلقى بوبي تعليمه في مدرسة والده.
أحاطت بالصبي منذ الطفولة أجواء خاصة من قبل اسرته لانه امتلك حب إحترام المعرفة والكتب. بالنسبة له، كان والديه، وكذلك عمه عبد الله، الأخ الأصغر لوالده، المدرس من مدرسة ستيرليباش الشهيرة آنذاك، نموذجًا حقيقياً لخدمة المعرفة والتنوير. لعب شقيقه عبد الله دوراً مهما في تطوره الروحي. تحت تأثيرهم جميعاً، أصبح مدمناً للقراءة في وقت مبكر من عمره وكان يقرأ كثيراً بشغف وبحماس. كانت لأعمال شهاب الدين المرجاني وقيوم نصيري وصحيفة "الترجمان" لإسماعيل جاسبرينسكي تأثيراً كبيراً عليه في شبابه. بينما كان لا يزال طالب علم، بدأ عبدالله بمساعدة والده في المدرسة. في عام 1895، كان بحلول ذلك الوقت مؤيداً قوياً لإتباع غاسبرينسكي وتم تعيينه بمرسوم الفقيه وبمباركة والده للبدأ في إعادة تنظيم مدرسة إيز - بوبي. في خريف العام نفسه، عاد شقيق عبدالله الأكبر من اسطنبول، بعد أن أكمل دراسته في المؤسسة التعليمية التركية المتقدمة "مكتبة ملكية شاهان". وحينئذ انتقلت المدرسة بالكامل إلى أيدي الإخوة.
مدرسة إيز- بوبي
كان عبدالله بوبي مربياً روحياً ومنظماً أساسياً لمدرسة إيز - بوبي. وفي وقت لاحق قام كل من الأخوين وزوجاتهم واختهم بدور نشط في حياة المدرسة والآباء دعموا بكل امكانياتهم ذلك.
مع قيامه في تنظيم المدرسة أرسل عبدالله بوبي أحد تلامذه إلى باخشيساراي إلى جاسبرينسكي لتعلم الطرق الجديدة في التدرس وبتمويل من التاجر أحمدزيانوف بنى مدرسة ابتدائية جديدة مكونة من أربع غرف كبيرة.
بحلول عام 1902 كانت الأسرة قد أنشأت مدرسة إيز - بوبي كمدرسة ثانوية نموذجية للذكور والإناث، حيث مُنح التعليم العلماني مجالاً واسعاً، جنباً إلى جنب مع دراسة معمقة للاهوت. ومع ذلك، فإن أسرة بوبي لم تتوقف أبدا عن تحسين التعليم وقامت بتطوير المناهج الدراسية باستمرار وإدخال مواضيع جديدة وفتح فصول جديدة.
وسرعان ما بدأوا في تدريب المعلمين في مدارس بوبي للرجال والنساء على أساليب وطرق جديدة للتعليم . وإلى مدرسة إيز - بوبي توافد الشباب من جميع أنحاء روسيا وخارجها لكي يحصلوا على المعرفة - من قازان وأورنبورغ وموسكو وإيركوتسك وأوفا وطشقند وتشيستوبول وترويتسك. في عام 1903، تم إدخال دراسة اللغة الروسية في البرنامج وفي عام 1905-1907 بالفعل، حصل بوبي من مقاطعة سارابول زيمستفو على ترخيص لافتتاح مدرسة روسية- تترية مؤلفة من صف واحد للإناث وصفين للذكور، و اعطي لها الحق بإصدار شهادات للخريجين تمنحهم الحق بالتدريس في مدارس التتار الابتدائية. وهكذا مدرسة إيز- بوبي أصبحت المؤسسات التعليمية التترية الأولى التي تمنح الخريجين شهائد يحق لهم الإلتحاق بسلك التدريس.
بحلول عام 1910، أصبحت مدرسة بوبي مؤسسة تعليمية لديها المظهر والشروط لتصبح الأكثر اكتمالاً. تم توضيح ذلك ببساطة للأسباب التالية: تباطأت التحولات التي بدأت في مدرسة الحسينية في أورينبورغ والمدرسة المحمدية في قازان قبل بضع سنوات مما كانت عليه في بوبي بسبب الافتقار إلى القيادة المختصة في الأولى وطرد مدير مدرسة المحمدية من قازان عام 1908 عليم جان بارودي. وافتتحت المدرسة الثالثة مدرسة العليا في أوفا. وكانت الكمالي في عام 1906 في بداية التأسيس وأزدادت هذه المؤسسات التعليمية شهرة في 1913-1917، عندما تم تدمير مدرسة بوبي.
عملياً في صيف عام 1919، مباشرة بعد قيام السلطة السوفيتية في المنطقة، نظم عبدالله في مدرسة إيز- بوبي الدورات التدريبية الصيفية واصبح عبدالله واحد من قادة مؤتمرات رجال الدين والمثقفين في خمس مقاطعات (سارابولسكي، يلابوغا، بيرسك، بارديمسكي، أوسينسكي) لدعم الحكومة السوفيتية الفتية. مع مشاركته النشطة في إيز- بوبي ظهرت مدرسة من المستوى الثاني ودرّس فيها حتى نهاية حياته.
وحسب المحاضر، لعبت مساهمة عبد الله بوبي دوراً كبيراً في تغيير الحياة في قرية التتار. بالإضافة إلى إصلاح المدرسة، ظهر لأول مرة في روسيا صندوق لجمع التبرعات في المسجد. وبدأت أموال الزكاة المحصلة تُصرف على الاحتياجات العامة وهو ما لم يكن يُمارس من قبل. في الوقت نفسه، تغيرت لغة خطبة الجمعة أيضا- فبدلاً من العربية، أصبحت االقراءة بلغة التتار.
وأضاف أيدار زاكيروف"منذ عام 1907، أصبحت الأمسيات الأدبية والعلمية جزءا من الحياة اليومية للمدرسة، ومارس طالبي العلم في أوقات فراغهم الجمباز والرياضة. وفي عام 1908، أتخذ قرار بدفع رسوم مقابل الدراسة وفي الوقت نفسه، تم تنظيم الدورات التدريبية الأولى لمدة ثلاثة أشهر لإعداد المدرسين.
وجهات النظر الدينية والفلسفية لعبدلله بوبي
طرح عبدالله بوبي في مقالاته أسئلة موضوعية أمام نفسه و قرائهص: كيف نجد طريق الحقيقة؟ وهل منهجنا يتفق مع منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل يجوز اتباع رأي علماء الأجيال السابقة مع ترك التأمل في الآيات القرآنية؟ كيف نصرف ولمن توجّه أموال الزكاة في عصرنا؟ ما معنى عبارة في سبيل الله في الآية عن الزكاة؟ هل يأمر الله باتباع أحكام الشريعة بدون اي تمعن؟ كيف تختلف الشريعة عن الدين؟ ماهو موقف المسلم من الثروة المادية؟
وتجدر الإشارة إلى أن بوبي اكتسب شهرة واسعة بفضل عمله "الحقيقة" المخصص للنظر في 20 آية اعتبرها الإمام جلال الدين السيوطي (1445-1505)" ألغيت ”بآيات القرآن اللاحقة. من اثنين وعشرين جزء من "الحقيقة"، لسوء الحظ، لم يتبق سوى 8 أجزاء منشورة. تمت كتابة الأطروحة بروح جدلية وتعكس الحقائق والجو الذي عاش فيه المؤلف.
بالفعل في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهر بعدد من الأعمال ذات الطبيعة اللاهوتية والتعليمية، على سبيل المثال- هل من المعقول بأن الدين لا معنى له؟ هل تقدم العلم والتنوير يخلق الكفر؟ الدين- هل هو ممارسة ثقافية او هو مخدر؟ وهل يتطابق الدين الاسلامي مع أسس الحضارة؟ ماهو الدليل الحي؟
و أوضح المحاضر، وفقاً لبوبي، كان سبب تراجع العلم والتنوير هو اتباع آراء العلماء الزائفين بشكل أعمى. كما جادل بأن الاستقامة لا تكمن في اتباع التقاليد، ولكن في طريق السعادة المنصوص عليها في الإسلام. وفي هذا البحث عن الحقيقة والسعادة، يلعب العقل دوراً رائدا.
جادل بوبي في أعماله بأن تقدم العلم والمعرفة لا يخلق الكفر، مؤكداً أن الإسلام يتطلب من المؤمنين البحث عن المعرفة أينما كانوا.
الإسلام، وفقا لبوبي، دين مثالي الكمال، اما التناقضات تأتي من الناس. هناك جهلاء يحاولون إفساد الدين، لكن هذا ليس بسبب خطأ الدين، ولكن بسبب جهل هؤلاء الناس وغبائهم. وقال إن الدين لا يجبر أتباعه على قبول تفسير واحد لهذه الآية أو تلك. على العكس من ذلك، يحتاج المؤمنون إلى التأمل والبحث عن المعنى الكامل للآية، بناءً على منجزات الفكر الحديث. كما أنه كان أعتبر وأنتقد المعاصرين الذين يتهمون الناس بالهرطقة لأنهم سعوا إلى البحث عن معنى آيات القرآن الكريم.
وفي حديثه عن الزكاة، قال عبدالله بوبي إنه يجوز إنفاق أموال الزكاة لصالح غير المسلمين من أجل دفعهم إلى الإسلام. وفي نفس الوقت من المهم أن توزع الزكاة على مبدأ العدل وأن تكون هادفة أي تصل لمن يحتاجها فعلاً. بعد كل شيء، فإن الهدف الرئيسي للزكاة ليس فقط توزيع الأموال من أجل فكرة توزيع الأموال، ولكن البحث عن طرق لتحسين رفاهية الناس وتنفيذها.
أكد بوبي على أن ترك الوصية هو عمل خيري، لأن الورثة المضمونين مالياً أفضل من أولئك الذين هم في ضائقة. وفي الوقت نفسه، شجع على ترك وصية بجزء من الممتلكات لتلبية الاحتياجات العامة والوطنية.
وأشار بوبي في كتاباته: "كما أنه من الخطأ إعطاء الزكاة للوالدين، حيث يجب على الإنسان أن يساعدهم بضمير سليم، كما أنه من الخطأ أن يوصي للأقارب، لأن توزيع الميراث واضح و موصوف في القرآن. بل إن كتابة الوصية مثل الزكاة مسموح بها في سبيل الله تعالى لصالح الأمة.
وبين زاكيروف، وفقًا لرؤية بوبي للعالم، فإن العقل هو الأداة الرئيسية والوحيدة للتحقق من المعرفة، والقرآن والسنة هما المصدران الرئيسيان للإلهام وإيجاد الطريق الصحيح. كما كان على يقين من أن التخلف الاقتصادي والفكري للمسلمين كان ثمرة أنشطة العلماء الزائفين والجهلة.
إلميرا غافياتولينا