Ru En

همسة سلام وسط هدير الحرب

٢٢ أكتوبر

دخل وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة بين إسرائيل وحماس حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول. إسرائيل سحبت قواتها إلى المنطقة العازلة حول غزة، وبدأ الفلسطينيون بالعودة إلى منازلهم، وأفرجت حماس عن جميع الرهائن المتبقين. ما رأي وسائل الإعلام في الشرق الأوسط حول هذا الحدث، وهل انتهت الحرب عمليا في غزة ؟


يرى الصحفيون المصريون وقف إطلاق النار فرصة جديدة للبلاد، أتاحتها قمة السلام في شرم الشيخ في 13 أكتوبر/تشرين الأول. وكما يشير محمد السيد صالح من صحيفة المصري اليوم، فإن هناك حاجة إلى إجراءات ملموسة لتحقيق هذه الإمكانية. ومع ذلك، يشكك في قدرة القادة الاقتصاديين الحاليين على تنفيذ الإصلاحات اللازمة، مشيرًا إلى أخطاء الماضي واعتمادهم المفرط على لوائح صندوق النقد الدولي.


علاوة على ذلك، يتناول الصحفي المصري ذاكرة الماضي كعامل مهم في التقدم الحالي. ويشير إلى أنه على الرغم من تكريم القوات المسلحة المصرية لأبطال حرب أكتوبر عام 1973 بشكل منهجي، إلا أن دور القطاعات المدنية في ذلك الصراع العربي - الإسرائيلي لا يزال مُقللاً من قيمته. ويرى أن الاعتماد على الإنجازات الدولية لتحقيق نجاح حقيقي لا يكفي؛ إذ لا بد من تقييم المشكلات الداخلية بصدق وحفظ الذاكرة التاريخية بإنصاف.


كما تستذكر وسائل الإعلام الكويتية أحداث السنوات الماضية. ويرى الدكتور عبد الرحمن الجيران، في صحيفة الرأي، أن قرار بريطانيا الاعتراف بفلسطين مظهر من مظاهر "الوعي السياسي المتأخر" - أي القدرة على مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني، التي طواها النسيان منذ وعد بلفور عام 1917. ويرى المؤلف أن أسمى أشكال الوعي المدني ينشأ عندما تتوافق مصالح أصحاب السلطة بشكل طبيعي مع مصالح الجمهور.


لم تحقق إنجلترا ذلك بفضل تفوقها، بل بفضل ظروف فريدة: فقد أضعف موقعها الجزيري الاستبداد، وأوجدت التجارة توازناً بين الطبقات، مما سمح لمختلف الفئات بالمشاركة في السياسة. على النقيض من ذلك، في العالم العربي، يواجه السعي لتحقيق هذا النضج انقسامات حزبية وقبلية عميقة. هذه الجماعات، وفقًا للكاتب الكويتي، تستبدل الولاء للقادة بالمصالح الوطنية.


يدعو الصحفي، الدكتور خالد أحمد الصالح، إلى التركيز على سلامة غزة، بما في ذلك سلامتها النفسية. ويعتقد أن العالم العربي يجب أن يتجاوز المساعدات المادية ويركز على مداواة الجروح النفسية العميقة التي ألحقتها الحرب بسكان غزة، وخاصة الأطفال. وهذا يتطلب برنامجاً شاملاً، بما في ذلك إنشاء مراكز للدعم النفسي وتدريب متخصصين محليين.


في الوقت نفسه، يعتقد الصالح أنه من الضروري إعادة تأهيل البنية التحتية الاجتماعية،  المدارس وبيئة مستقرة للأسر، مما يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية. تلعب وسائل الإعلام دوراً حيوياً في هذه العملية، إذ تغطي الأحداث دون أن تُفاقم الصدمة، وكذلك رجال الدين الذين يُمكنهم تقديم الإرشاد الديني للشباب، والمشاريع الثقافية التي تُتيح فرصًا للتعبير عن الذات.


نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية مقالاً بقلم فيجاي براشاد من موقع "بيبولز ديسباتش"، يُوثّق فيه فداحة الدمار في غزة: فقد دُمّر مئات الآلاف من المباني، ومُحيت البنية التحتية ونظام الرعاية الصحية تقريباً من على وجه الأرض، مما جعل المنطقة غير صالحة للسكن. تُقدّر تكلفة إعادة الإعمار بعشرات المليارات من الدولارات، ومع ذلك، يُتجاهل السؤال الرئيسي - من الذي يجب أن يدفع ثمنها؟ بدلاً من مطالبة إسرائيل، المُذنبة بالدمار، بتعويضات، يُوجّه الاهتمام إلى الدول المانحة.


يرى الكاتب أن سبب هذا الصمت يكمن في التدمير المُمنهج للتمثيل السياسي الفلسطيني. فعلى مدى عقود، سجنت إسرائيل أو قضت على أبرز القادة الفلسطينيين، مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات. أدى هذا إلى فراغ في السلطة، حيث يُمثَّل الفلسطينيون من قِبل آخرين، بينما يُضعَف صوتهم. ووفقاً لبراشاد، فإن إسرائيل مهتمة بغياب شريك فلسطيني قوي، مما يسمح لها بفرض شروط مستقبل غزة من جانب واحد.


ويخلص الكاتب إلى أن السبيل الوحيد لتحقيق العدالة هو إطلاق سراح القادة الفلسطينيين وإشراك منظماتهم في المفاوضات. ويرى أن أي مساعدات أو عمليات إعادة إعمار أخرى دون ممثلين فلسطينيين مُصرَّح لهم، لا تُمثِّل سوى استمرار في تدمير فلسطين سياسياً
كما تُبدي صحيفة "ذا ناشيونال" العربية تشاؤمها. إذ ترى هيئة تحريرها أنه على الرغم من أهمية وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، إلا أن الواقع في غزة لا يزال قاتما. وسيكون الاختبار الرئيسي للاتفاق الهش هو نزع سلاح حماس. ولتجنب أخطاء الماضي، كما في لبنان، لا بد من خطة واضحة. ووفقاً للصحيفة، فإن مفتاح الاستقرار هو عملية تدريجية: انسحاب القوات الإسرائيلية، ونزع سلاح المسلحين، ونشر قوات أمن فلسطينية محترفة. ويمكن أن يكون الحل العملي هو نقل أسلحة حماس إلى طرف ثالث لحفظها.


بالنسبة لحماس نفسها، يُعدّ الحفاظ على ترسانتها أمراً عقيماً وخطراً، إذ يُعطي إسرائيل ذريعةً لشنّ المزيد من الهجمات. لذلك، يُنظر إلى نزع السلاح كشرطٍ أساسيٍّ لبقاء غزة. يُثير الفراغ الحالي في السلطة بالفعل اشتباكاتٍ بين الفصائل الفلسطينية، مُهدداً المدنيين. ومن الأمثلة الواضحة على هذا التصعيد الهجوم الذي شنّه مسلحون من قطاع غزة على القوات الإسرائيلية في رفح في 19 أكتوبر/تشرين الأول، والذي دفع الجيش الإسرائيلي إلى شنّ غاراتٍ جويةٍ انتقامية.


وهكذا، تُقرّ وسائل الإعلام في الشرق الأوسط بالإجماع بالأهمية التاريخية للهدنة، لكنّ تقييماتها لآفاقها على المدى الطويل تُشكك بها. الاستنتاج الرئيسيّ المُستقاة من هذه الآراء المُختلفة هو أنّ الهدنة ليست نهاية الحرب، بل هي مُجرّد هدنة. لا تزال القضايا الرئيسية عالقة. وبينما لا تزال هذه القضايا مُعلّقة، فإنّ الهدوء الهشّ قد يتبدد في أيّ لحظةٍ بجولةٍ جديدةٍ من العنف، كما حدث بالفعل في رفح.

 



مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"

الصورة: Emad El Byed/Unsplash