تم خلال سنوات القرن الـ 20 الماضي في إقليم الأندلس الإسباني، التخلي عن ما يصل إلى آلاف الكيلومترات من مسارات القنوات المائية التي تم حفرها خلال الفترة الإسلامية هناك، وفي الوقت الحالي بتم العمل على تطوير مشروع يهدف إلى ترميم تلك القنوات بهدف زيادة استخدامها في مجال الزراعة.
ويهدف هذا المشروع الذي تنفذه "جامعة غرناطة" إلى إعادة استخدام القنوات المائية التي بناها مسلمو الأندلس.
عالم الآثار الإسباني خوسيه ماريا سيفانتوس، يقول عن قناة "أيدانامار" للري في الروافد العليا لـ "مونتي ديل سومبريرو": "هناك وثائق تظهر أن هذه القناة زوّدت منطقة ألبايسين في غرناطة بالمياه منذ 1000عام، بدءً من القرن الـ 11. وتم استخدام القناة من قبل الحرفيين الذين ذهبوا إلى قصر الحمراء لبناء قصور الدولة النصرية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وكذلك من قبل قوات الملوك الكاثوليك الذين احتلوا المملكة النصرية (غرناطة) في عام 1492".
هذا وتم إهمال هذه القناة في فترة الثمانينيات، ولكن بفضل المشروع الذي أطلقته جامعة غرناطة، والذي طورته (MEMOLab) بدعم مالي من "صندوق مياه غرناطة" و(EMASAGRA) و(Hidralia)، ستتم إعادة تشغيلها.
وأضاف عالم الآثار الإسباني سيفانتوس: "سنقوم بإزالة النفايات التي تراكمت هناك، وربط أجزاء من القناة والسماح بتدفق المياه إلى حرم جامعة غرناطة لري حدائقها".
إلّا أن مجرى إيدانامار المائي ليس سوى جزء صغير من نظام الري الواسع الذي بناه العرب خلال 7 قرون من حكمهم على جزء كبير من شبه الجزيرة الأيبيرية. وبدأ التخلي عن القنوات منذ الستينيات حيث أصبحت المناطق الريفية في إسبانيا مهجورة بشكل متزايد، وانتقلت صناعة الأغذية الزراعية إلى نموذج الزراعة المكثف مع أنظمة الري التي لا تتوافق مع الأساليب التقليدية.
وبهدف إحداث فرق، أطلقت جامعة غرناطة في عام 2014 برنامجا لإعادة تأهيل وتنظيف قنوات الري، والذي بدأ في مدينة كنار، حيث ظهر هناك مجتمع صغير من حوالي 200 ساكن في إعادة تنشيط النظام.
من جهته، يقول كايتانو ألفاريز، رئيس جمعية (Cañara) للري، التي تمتلك مزرعة للثوم والفاصولياء بمساحة 2 هكتار، وتعتبر واحدة من العديد من المستفيدين من استعادة المياه من القنوات: "قدمت الجامعة الموارد وفرقا من المتطوعين، وقامت جمعية الري بإيوائهم في مزرعة محلية".
يُشار إلى أنه على مدار مدة شهر واحد، قام الطلاب والمتطوعون بتنظيف قناة ري "برخاس"، وعندما تدفقت المياه فيها لأول مرة منذ 30 عاماً، أقمنا حفلة هو مهرجان مائي يتكرر في شهر مارس من كل عام منذ ذلك الحين".
كما أن قناة الري هذه لا تزوّد السكان المحليين بالمياه فحسب، بل عزّزت الروابط الاجتماعية أيضاً، لأن صيانتها تتطلب تعاون المجتمع بأكمله. وفي عام 2015، تم الاعتراف بقناة "برخاس" للري من قبل جمعية (Hispania Nostra) للتميّز.
وتابع عالم الآثار خوسيه ماريا سيفانتوس، الذي يعمل على الترويج لأساليب الزراعة التقليدية جنبا إلى جنب مع أحدث التقنيات: "منذ ذلك الحين، شاركنا في ترميم 14 قناة ري مهجورة".
كيفية ظهور نظام الري في الأندلس ومساهمته في رفع الاقتصاد الإسباني لمستوى جديد؟
في عام 711 ميلادية، وبعد الحملة العسكرية المُبهرة التي انتهت بتدمير مملكة القوط الغربيين وفتح شبه الجزيرة الأيبيرية، استبدل الفاتحون المسلمون سيوفهم ورماحهم بالمعاول والمجارف وبدأوا بحفر قنوات الري.
وهناك بنوا سدوداً على طول الأنهار بالعصي والحجارة، كما فعل أسلافهم في سوريا والجزيرة العربية.
ويقول سيفانتوس: "كان الري وإدارة المياه ضرورية للتنمية الاقتصادية في الأندلس"، "هذه هي الطريقة الوحيدة لشرح روعة السلالة الأموية وخلافة قرطبة."
وعلى الرغم من أن شبه الجزيرة الأيبيرية كانت تمتلك بالفعل أنظمة ري متطورة للغاية، مثل القنوات الرومانية، إلا أن العرب جعلوا من نظام الري الدعامة الأساسية للإنتاج.
هذا ولم تسمح قنوات الري وأنظمة الصرف والسدود فقط بتعزيز المحاصيل الاستوائية الجديدة مثل الحمضيات وقصب السكر والقطن والأرز والخرشوف والسبانخ للتكيف مع مناخ البحر الأبيض المتوسط فحسب، ولكنها أيضا عزّزت التنويع وزيادة الإنتاجية لتطوير الصناعة والتجارة في مدن مثل ألميريا وغرناطة.
وقال سيفانتوس: "خير مثال على ذلك هو زراعة شجرة التوت ودودة القز، التي تم تربيتها من قبل الفلاحين، والتي أدت إلى نشاط اقتصادي مُزدهر وتصدير الخيوط والأقمشة من الجيوب مثل ألميريا إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها وأوروبا".
وتابع سيفانتوس: "أدى الطرد النهائي للموريسكيين، الذين أجبر مسلمون سابقون على التحول إلى المسيحية في القرنين الـ 16 والـ 17، إلى وضع حد لهذا النموذج الاقتصادي.
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
Photo : elpais.com