Ru En

إعتراف أوروبا

٢٢ أغسطس

في حين اقتصر انتقاد أفعال إسرائيل سابقاً على التصريحات الدبلوماسية، إلا أنه يُترجم الآن إلى إجراءات ملموسة. وكان قرار ألمانيا في أغسطس/آب 2025 بتعليق تصدير الأسلحة التي يُمكن استخدامها بالعمليات في قطاع غزة نقطة تحول حقيقية. وتنظر وسائل الإعلام في الدول الإسلامية إلى المبادرات الجديدة للسياسيين الغربيين بطرق مختلفة. فحتى أكثر التقييمات إيجابية تُشير إلى غياب أي إجراءات فعلية - بالإضافة إلى تصريحات رسمية، وإن كانت جادة، تُؤيد إنهاء الحرب في الشرق الأوسط.


تعترف الأمم المتحدة بالفعل بفلسطين كدولة، لكن دولاً غربية رئيسية رفضت منذ فترة طويلة الاقتداء بها. ومع ذلك، فإن الحرب في غزة وعزلة إسرائيل الدولية المتزايدة تُغيران ميزان القوى. وكما ذُكر في بودكاست "ذا ناشيونال" بمشاركة الموظف السابق في الأمم المتحدة، أردي إمسيس، أستاذ القانون في جامعة كوينز، فإن المملكة المتحدة وكندا وإسبانيا وأيرلندا تدرس الاعتراف رسمياً بفلسطين. حتى ألمانيا، الداعمة تقليدياً لإسرائيل، خففت من حدة خطابها. ويبقى الاستثناء الرئيسي هو الولايات المتحدة.


قد يبدو الاعتراف الرسمي رمزياً، لكنه يُعزز مكانة فلسطين. ستُجبر الدول التي تعترف بدولتها على إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، بما في ذلك التجارة. كما يجب ألا ننسى أن السيادة الفلسطينية حقٌّ قانونيٌّ مُكرّس في قرارات الأمم المتحدة.


مع ذلك، تُسمع أيضاً تقييماتٌ مُتشككة في وسائل إعلام الدول الإسلامية. على سبيل المثال، وصفت صحيفة الأخبار المصرية تصريح الرئيس الفرنسي بشأن الاعتراف بفلسطين بأنه "مسرحية".


كما هو معلوم، أعلن إيمانويل ماكرون أن فرنسا ستكون أول دولة من "الدول السبع الكبرى" تعترف بدولة فلسطين. يوجد اليوم بالفعل 147 دولة من هذا القبيل. ورغم أهمية الاعتراف، وفقاً لاتفاقية مونتيفيديو، إلا أنه ثانوي. في الوقت نفسه، تُواصل العديد من الدول التي تُدين أفعال إسرائيل تزويدها بالأسلحة. يُطرح سؤالٌ آخر: أيّ دولة مُعترف بها - فلسطين ذات السيادة أم الواقع الذي شكّلته عقودٌ من الاحتلال؟


ترى الصحيفة المصرية الاعترافَ تمثيليةً تُخفي تقاعس الغرب. تستغل فرنسا ودول أخرى في "الشمال العالمي" هذه الخطوة لتبييض ماضيها الاستعماري، بينما دوافعها الحقيقية هي الإسلاموفوبيا والنزعة العرقية. وتتجنب هذه الدول اتخاذ إجراءات حقيقية، كحظر الأسلحة أو العقوبات أو الضغط الدبلوماسي على إسرائيل.


لم يكن النقد أقل حدة في وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا)، حيث وُصف اعتراف أوروبا بفلسطين بأنه بادرة بلا عواقب. تكمن المشكلة الرئيسية في ازدواجية معايير الغرب. فالولايات المتحدة تضمن منع العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، بينما تُضعف الشروط الأوروبية (مثل مطلب نزع سلاح حماس) المقاومة الفلسطينية، دون أن تؤثر على العدوان الإسرائيلي.


في مقال آخر لوكالة الأنباء الإيرانية، انتقد عالم السياسة ستانيسلاف باتشيف، مؤلف كتاب "معايير النظام ما بعد الأمريكي"، تصريحات فرنسا وبريطانيا حول استعدادهما للاعتراف بفلسطين. ورأى أن هذه الخطوة جاءت متأخرة على خلفية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين على مدار عامين.


كما يُشدد باتشيف على ازدواجية معايير الغرب، ويربطها بنمو السكان المسلمين في أوروبا. إلا أن تفكك العالم الإسلامي نفسه، وخاصة في الشرق الأوسط، يصب في مصلحة إسرائيل وحلفائها. أما بالنسبة لاستقلال السياسة الأوروبية، فإن الهيمنة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى خطط نشر الأسلحة النووية في المملكة المتحدة، تجعل أوروبا تابعة. كما يشير عبد الله السيد الهاشمي في صحيفة الاتحاد، فإن الرأي العام في الاتحاد الأوروبي يتعاطف بشكل متزايد مع الفلسطينيين، وأن تقاعس الحكومة يُقوّض سمعة أوروبا كمدافع عن القانون الدولي. من جهة، يُغيّر الاعتراف بفلسطين والقيود المفروضة على إمدادات الأسلحة موازين القوى بالفعل. من جهة أخرى، ستُجبر أي خطوات إضافية من جانب الاتحاد الأوروبي إسرائيل إما على الاستسلام أو على عزل تل أبيب أكثر. على أي حال، فإن العصر الذي كانت إسرائيل تعتمد فيه على الدعم التلقائي من الغرب يوشك على الانتهاء.


مع تأكيده على أهمية الاعتراف الرسمي، يُذكّرنا مُحاور بودكاست "ناشيونال" بالواقع المُرّ المتمثل باستمرار إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي، وإضعاف القيادة الفلسطينية بسبب الاحتلال. يعتقد بعض الخبراء أن الحل العادل الوحيد في المستقبل قد يكون دولة ديمقراطية واحدة تتمتع بحقوق متساوية لجميع السكان. ولكن ما دامت إسرائيل تُنكر حق تقرير المصير للفلسطينيين، فسيظل هذا السيناريو ضرباً من الخيال.


يتساءل البروفيسور إمسيس: كم فلسطينياً يجب أن يموت قبل أن ينتقل العالم من الأقوال إلى الأفعال؟ الاعتراف بفلسطين خطوة مهمة، لكنها ليست كافية. ولوقف الإبادة الجماعية، لا بد من اتخاذ إجراءات صارمة: فرض عقوبات على إسرائيل، وحظر توريد الأسلحة، وقطع العلاقات الدبلوماسية. ما دامت الدول الغربية غير مستعدة لذلك، فسيزداد الوضع سوء.

 


مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"

الصورة: Magne Hagesæter/Creative Commons 2.0