تقاطع طرق القوافل القديمة وطرق المستقبل، همسة الأساطير البدوية في ظلال ناطحات السحاب الكريستالية، الشوارع الضيقة في أحياء دبي القديمة، حيث تتداخل روائح الهيل والزعفران مع أنفاس التقدم... تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة تكوين صورة إيجابية عن البلاد على المسرح العالمي، وبناء نظام مدروس للدبلوماسية الثقافية. وتمثل هذه العملية، التي بدأت في عام 2006 مع اعتماد استراتيجية أبوظبي التنموية، نهجاً شاملاً لتعزيز المصالح الوطنية من خلال الثقافة.
وكما أشار الباحثان الروسيان نيكولاي دياكوف وتاتارهان خوسيخانوف في عملهما "الدبلوماسية الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة"، فإن السمة الأساسية للنموذج الإماراتي كانت الجمع بين الدبلوماسية العامة و"القوة الناعمة" والتعاون الثقافي. وعلى النقيض من النهج التقليدي، تفسر دولة الإمارات العربية المتحدة الثقافة على نطاق واسع لتشمل التبادلات التعليمية والعلمية والرياضية والسياحية. وتسمح هذه الطريقة المتكاملة بالتكيف المرن مع السمات المحددة للمناطق المختلفة من العالم.
وفي علاقاتها مع الدول الغربية، تؤكد الإمارات العربية المتحدة على صورة الدولة الحديثة ذات التكنولوجيا العالية. ويولي الإماراتيون اهتماماً خاصاً بالتعليم، إذ يدرسون في جامعات رائدة في أوروبا والولايات المتحدة، وتنتشر فروع هذه الجامعات في مختلف أنحاء البلاد. تنظم مؤسسة الفعاليات الكبرى فعاليات ثقافية واسعة النطاق وفق المعايير الغربية، مثل أسبوع الموضة ومهرجان دبي السينمائي الدولي. وتشمل الأدوات الأخرى الرعاية (دعم أندية كرة القدم والأوركسترا السيمفونية من قبل طيران الإمارات والاتحاد) والتعاون مع وسائل الإعلام الغربية من خلال شركة الاستثمار الإعلامي الدولي، وهي شركة تابعة لمؤسسة أبو ظبي للاستثمار الإعلامي.
وتتطلب الدول الشرقية نهجاً مختلفا. ويرتكز التفاعل مع الصين على الشراكة الاقتصادية، إلا أن بكين أكثر نشاطاً في المجال الثقافي: حيث تعمل المدارس الصينية ومعهد كونفوشيوس في الإمارات، كما تقام فيها الأعياد مثل رأس السنة الصينية. وتتطور العلاقات مع كوريا الجنوبية بطريقة مماثلة، من خلال المهرجانات التي تجذب محبي الثقافة الشعبية الكورية الجنوبية.
وتهتم الإمارات باليابان كمصدر لتنمية الموارد البشرية، وفي جنوب شرق آسيا تستثمر الإمارات في دعم المجتمعات المسلمة، مثل تشام الفيتنامية.
وفي آسيا الوسطى، تركز الدبلوماسية الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة على المشاريع الدينية والتعليمية: تدريب علماء الدين الكازاخستانيين، والتبادل السياحي مع قيرغيزستان، والتعاون الفني مع أوزبكستان، بما في ذلك تطوير الحج إلى أضرحتها.
وتحتل الهند مكانة خاصة: إذ أن أكثر من ثلث سكان الإمارات العربية المتحدة هم من الهند. وتهدف الدبلوماسية الثقافية هنا إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، افتتاح معبد هندوسي في عام 2024 بحضور رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وتتمع الإمارات العربية المتحدة من بين الدول العربية بأكبر قدر من التعاون مع مصر التي تشارك في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب. وفي الوقت نفسه، برزت المملكة العربية السعودية كمنافس، حيث تسعى بقوة إلى تعزيز السياحة والانفتاح، وتتحدى صناعة الضيافة الإماراتية.
وتتكامل العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا مع علاقات سياسية واقتصادية قوية. في عام 2023، تم افتتاح المركز الثقافي الإماراتي في بياتيغورسك - وهي خطوة مهمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مثل هذا المركز موجود فقط في الولايات المتحدة. بلغت العلاقات الثقافية ذروتها مع انعقاد "أيام الثقافة الإماراتية" في ساحة مانيجنايا بموسكو في يونيو/حزيران 2024، وهو الحدث الذي يرمز إلى دفء العلاقات الثنائية.
وتتفاعل دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التعاون الديني والتعليمي بشكل نشط مع المناطق الإسلامية في روسيا، مثل داغستان وتتارستان. وتعكس هذه المناطق المبادئ الأساسية للدبلوماسية الثقافية الإماراتية، وهي التعيايش الديني والتسامح، حيث تعايش ممثلو الديانات المختلفة بسلام هنا منذ قرون.
في عام 2022، نظمت الإمارات العربية المتحدة "أيام الثقافة" في داغستان. أقيمت في قازان عاصمة تتارستان، المؤتمر العلمي الشرعي الدولي الخامس "طريق الحرير الروحي" و"جائزة البريكس للقرآن الكريم" بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة. وتكتسب مشاركة الخبراء الإماراتيين في العمل على مشروع قازان للقرآن الكريم المخطوط أهمية خاصة، وهو ما يؤكد عمق الحوار الثقافي والديني بين البلدين.
وتظهر الدبلوماسية الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة فعالية النهج الشامل الذي يجمع بمهارة بين المصالح الاقتصادية وتشكيل صورة جذابة. وتستحق هذه التجربة الاهتمام باعتبارها نموذجاً لآليات "القوة الناعمة" الحديثة في عصر العولمة.
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: Elena Jones/Pixabay