Ru En

بولغار الفولغا: تاريخ الدولة التي فتحت للإسلام طريق إلى روسيا

٢٥ يناير ٢٠٢٢

يُصادف هذا العام مرور 1100 عام بالضبط على يوم مشهود والذي لم يمثل فقط بداية انتشار الإسلام في أراضي روسيا الحديثة، بل أصبح حدثا مهما في حياة البلد بأكمله.

 

نحن نتحدث عن دخول بولغار الفولغا الدين الاسلامي واعتماده ديناً للدولة والمجتمع. من هذا اليوم (تاريخ مؤكد - 21 آيار/مايو 922) بدأت شعوب روسيا التعرف على الإسلام . واليوم الإسلام والمسلمون جزء لا يتجزأ من تاريخ روسيا وهويته.


في الأيام القادمة تنتظرنا الكثير من المؤتمرات والاجتماعات والمنتديات والطاولة المستديرة والمعارض وإعادة طبع مؤلفات ما قبل الثورة لعلماء الدين الروس، بالاضافة الى الفعاليات الأخرى المخصصة للاحتفال بهذا اليوم المشهود.


لفهم أهمية هذا التاريخ المؤثر على نطاق كبير جداً، يجب أن يكون لدى المرء فكرة عن وضع بولغار الفولغا ذاتها ومعرفة التفاصيل الدقيقة والسمات الدينية لحياة وعمل سكانها.

 

 

نشأة دولة بولغار الفولغا


تم اتخاذ الخطوات الأولى، إذا رجعنا إلى المصادر التاريخية، هوي توحيد قبائل البولغار في منتصف القرن التاسع. ومع ذلك، فقط في عام 895، عندما وصل ألمُش خان إلى السلطة، تمكن من إنشاء دولة موحدة قادرة على حماية نفسها . لذلك، بالفعل في القرن العاشر، بدأ سك عملتهم الفضية وتم تنظيم عملية جمع الأتاوات لصالح الخازار. تشير أصول المدونات التاريخية الأولى إلى ان بولغار الفولغا كدولة واحدة تكونت في نفس القرن.


للأسف، المعلومات حول حدود دولة بولغار الفولغا غير واضحة إلى حد ما. ولكن هناك الكثير من المعلومات حول مدنها.


من بين أشهر المدن:


- بولغار، تم إعادة بنائها الآن؛


- بيليار، مدينة دُمرت وتبقى منها فقط الاطلال؛


- سوفار، اجريت بها العديد من الحفريات وبفضل ذلك تم معرفة أنها احتوت على سوق كبير ومنطقة سكنية كبيرة، لكن لسوء الحظ تهدمت المدينة بالكامل؛


- إسكي - قازان، تم ترميمها جزئيا وتحويلها إلى متحف في الهواء الطلق؛


- الابوغا - جزء من إيلأبوغا الحديثة؛


- أوشيل- لم يتبق منه إلا الأطلال؛


- جوكيتاو، لم يتبق منه الا الطلل في منطقة تشيتوبولسكي في تتارستان؛


- قاشان مهدم، لم يتبق منه الا بعض الجهات المعمارية في منطقة لايشيفسكي بتتارستان؛


- كيرمين، تهدم لم يتبق منها الا الأطلال؛


- أطلال زولوتوريفسكي والواقعة على نهر سورا؛


- مورومسكي، تهدمت بالكامل وتقع في مقاطعة سامارا؛

 

البناء وتوسع المدن


كانت مدينة البولغار هي أولى المدن من بين جميع المدن المذكورة اعلاه ظهرت، واصبحت عاصمة الدولة حتى القرن الحادي عشر عندما نشأت بيليار وسوفار.


بناءً على الأبحاث والحفريات الأثرية، يمكن استنتاج أن مدن البولغار كانت مقسمة إلى ثلاثة أنواع: المدن الكبيرة والقصور التي عاش فيها الإقطاعيين والحصون العسكرية. وتظهر بيانات العلماء أن البولغار كانوا قادرين على بناء تحصينات مؤمنة بفضل مهارة المهندسين العسكريين.


إذا تحدثنا عن ميزات عمارة مدينة بولغار في العصور الوسطى، فكانت في الأساس عبارة عن قلعة محاطة بأسوار مؤمنة تحتوى على أبراج وخنادق. كقاعدة عامة، كانوا بها يسكنون الحكام النبلاء والأثرياء واسرهم وحاشيتهم.


بين جدران التحصين الرئيسي والمستوى الثاني من الحماية، كانت هناك مدينة داخلية، سكانها في الغالب من التجار والحرفيين الناجحين والعاملين في الكنيسة والشخصيات الثقافية والأطباء والمعلمين. وخلف التحصينات الأخيرة عاش الفلاحون في منازل بسيطة وبعضهم في حفريات عبارة عن مخابئ. وكان لكل فلاح منزله الخاص يُقيم إلى جداره من الخارج مبنى به يحتفظ بالماشية ويُخزن المحاصيل . ويجب الإشارة إلى أن مدن بولغار الفولغا كانت في ذلك الوقت أكثر راحة مقارنة بالعديد من العواصم الأوروبية.

 


الحرف الأساسية


لعبت الحرف اليدوية دورا خاصا في حياة السكان المحليين. تسمح لنا البيانات التاريخية بالحكم على أنه كان هناك فصل مبكر بين الحرف اليدوية والزراعة. عاش معظم الحرفيين في المدن، مما جعلها بالفعل في القرن العاشر مراكز لتصنيع المعادن والفخار والمجوهرات. عادة، يتخصص الحرفيون في صناعة الأدوات الزراعية والأسلحة والديكورات المختلفة والسيراميك والملابس وأشياء أخرى. اكتسبت منتجات حرفيي الفولغا شعبية كبيرة في الخارج وخاصة الجلود والمجوهرات.

 


ديانة بولغار الفولغا


تكونت دولة بولغار الفولغا في ظروف سياسية واجتماعية صعبة إلى حد ما. عاشت العديد من المجموعات العرقية المختلفة في نفس المنطقة، والتي كانت علاقاتها متوترة إلى حد ما مع خازار خاقانات ( الخزر)، مما تحتم على بولغار الفولغا دفع الأتاوات للخزر.


كل هذا أدى إلى إدراك أن تبني دين مركزي جديد بدلاً من المعتقدات الوثنية القائمة هو فقط يمكن له أن يساعد في التعامل مع العديد من المشاكل وتقوية الدولة.


توقف اختيار حاكم بولغار المُش خان من بين كل الخيارات الممكنة على اختيار الإسلام. في تلك السنوات، كان الإسلام ديناً جديداً ويزداد قوة . جذب الخان بشكل أساسي حقيقة أن الإسلام قد تم إعتماده رسميا في الخلافة العربية والتي كان لها تأثير كبير، حيث كان للتجار العرب علاقات حميمة مع حكام البولغار في ذلك الوقت.


في عام 922 ، وصل إبن فضلان على رأس بعثة من قبل الخليفة المقتدر إلى بلاط خان بولغار الفولغا، بطلب من الخان ألمُش حاكم البولغار لكي يتمكن من معرفة شرائع ومبادئ الإسلام. ترك إبن فضلان بعد هذه الرحلة نصاً بقى مصدراً رئيساً موثوقاً كامل المعلومات، حول بولغار الفولغا في ذلك الوقت. انتشر الإسلام في البداية في المدن الكُبرى، وبحلول نهاية القرن العاشر انتشر في جميع أنحاء الدولة البولغارية.

 


لماذا الدخول في الإسلام لعب دورا مهما ؟


عملية الدخول في الاسلام والاقتراب من خلافة بغداد، مكنت بولغار الفولغا من ان تخطو خطوة مهمة إلى الأمام في تطورها، معتمدة على حليف قوي في شخص الخليفة. وهذا ساعد في تشكيل دولة مركزية قوية ومؤثرة. كان للإسلام أيضاُ تأثير خاص على نمو التعليم: مع تبني الدين، بدأت مرحلة بناء المساجد في كل مكان، حيث ظهرت بها المكاتب والمدارس الدينية التي مكنت الناس من محو أميتهم بالكتابة والقراءة وتعلموا الدين والقانون والطب والجغرافيا وبدأ الشعر يتطور.


يشير المؤرخون والإثنوغرافيون أيضاُ إلى الدور المُعزز للإسلام،حيث تحت رعاية هذا الدين تم توحيد القبائل المتناحرة سابقا.

 

الآن أصبحت بولغار الفولغا جزءًا من العالم الإسلامي، مما مكنها من إقامة علاقات اقتصادية وثقافية وثيقة مع دول الشرق.

 

ملاحظات مهمة:


هناك بعض الحقائق الأكثر أهمية حول بولغار الفولغا والتي لا يعرفها الا القليل من الناس.


1- خلال الهجوم الأول على البولغار، لقى المغول هزيمة ساحقة. كانت هذه حملتهم الثانية الفاشلة . كان الفشل الأول هو معركة الأودية السبعة في باروان (إقليم أفغانستان اليوم)، في عام 1221.


2- أصبح سوق بولغار "اغا- بازار"، في حينه بخلال فترة قصيرة واحد من أكبر الأسواق التجارية الأوروبية، حيث عُرف شعبياً باسم "بوابة التجارة بين أوروبا وآسيا".


3- تعد بولغار الحديثة ومستوطنتها القديمة من أشهر المعالم السياحية في تتارستان بين السياح.


4- في مدينة سوفار كانت تسك العملات المعدنية، وهو ما يشير إلى أن المدينة كانت قوية بما فيه الكفاية بمعزل عن البولغار.


5- أهم نصب أدبي لثقافة بولغار الفولغا هو قصيدة "حكاية يوسف" التي كتبها قل غالي عام 1233 .

 


إلميرا جافياتولينا