Ru En

خلف كواليس التعاون العسكري

٢٠ مايو

لعب الاتحاد السوفييتي أثناء أزمة قناة السويس دوراً محورياً في تعزيز الجيش المصري. وقال مستشهداً بما كتبه الصحفي المصري البارز محمد هيكل في كتابه "من أجل مصر، لا من أجل ناصر": "كانت المساعدات العسكرية السوفييتية هي التي مكّنت مصر من الانتصار في حرب السادس من أكتوبر عام 1973".


وتتمتع أعمال هيكل بقيمة خاصة في فهم الجانب الشخصي للعلاقات السوفييتية - المصرية، مما يسمح لنا بإعادة إنتاج صورة حقيقية للتعاون الثنائي. وكما أشار الباحث في جامعة "قازان" التقنية عبد الواحد عصام عبد الله محمود، فإن هيكل يمكن أن يوضع بحق على قدم المساواة مع مؤرخي التاريخ المصري مثل مانيتون، والمقريزي، وعبد الرحمن الجبرتي.


محمد حسنين هيكل، المولود عام 1923 في قرية بشمال مصر، كان قد حصل على جائزة الملك فاروق المرموقة في فئة الصحافة العربية عام 1947. وتطورت مسيرته المهنية في "المناطق الساخنة": الحرب الأهلية في اليونان، والصراع العربي - الإسرائيلي، والحرب الكورية، والانقلابات في إيران وسوريا... صداقة وثيقة مع أول رئيس لمصر، جمال عبد الناصر، ورحلات خارجية عديدة، ومشاركته المباشرة في الحياة السياسية في العالم العربي، جعلت من هيكل المراسل والمحلل الأكثر موثوقية في عصره.


ويؤكد أستاذ جامعة الصداقة بين الشعوب أليكسي مالاخوفسكي أن التعاون مع ناصر، ودعم مبادراته الجريئة، إلى جانب التعليم الممتاز والعمل الجاد والحدس السياسي، هو ما جعل هيكل الصحفي الفريد كما عرفوه .


ومن الأمور المثيرة للاهتمام بشكل خاص وصف هيكل للزيارة السرية التي قام بها عبد الناصر إلى موسكو في عام 1970، كما وردت في كتابه "الطريق إلى رمضان"، وكان هيكل يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس تحرير جريدة الأهرام. وبفضل الترجمة التي قام بها فلاديمير بيلياكوف، رئيس تحرير مجلة "الأرشيف الشرقي"، أصبحت هذه المواد متاحة للقراء الناطقين باللغة الروسية.


"بدأ عبد الناصر الاجتماع بشرح أسباب زيارته، وقال إن مصير الشرق الأوسط بأكمله يُقرر على شريط بطول ثلاثين كيلومتراً، على ضفتي قناة السويس. ولمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، تحتاج مصر بشدة إلى حماية جوية"، كما نقل هيكل عن الزعيم المصري قوله، على الرغم من أنه كان متوتراً، إلا انه كان واثقاً بنفسه.


كانت المشكلة في عدم فعالية أنظمة دفينا السوفييتية المضادة للطائرات التي تم تسليمها سابقاً سام -2 ، حيث ثبت عدم فعاليتها ضد الأهداف التي تحلق على ارتفاع منخفض. وأكد ناصر أيضاً على الأهمية الاستراتيجية لميناء الإسكندرية، آخر ميناء عامل في مصر بعد حصار بورسعيد وإغلاق البحر الأحمر.


ويكتب هيكل أن "النقاش كان ساخناً في بعض الأحيان، وبدا وكأن المفاوضات ستصل إلى طريق مسدود". ومع ذلك، وافق الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي ليونيد بريجنيف على أن أنظمة سام - 3 الجديدة، انطلاقاً من أن ذلك يمكن أن تحل المشكلة: "وصديقنا ناصر يحصل دائماً على ما يريد".


وفي اليوم التالي، قدم وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد فوزي للرئيس قائمة طويلة من المواقع التي تحتاج إلى الحماية، فأصبح من الواضح أن الجيش المصري لا يملك العدد اللازم من المدفعية المضادة للطائرات المدربة، "ويبدو أن هذا هو الوقت الذي توصل فيه ناصر إلى خطة جديدة"، كما يشير هيكل.


وعندما اتضح أن إعادة تدريب الأطقم المصرية سوف تستغرق ستة أشهر، ستظل البلاد خلال هذه الفترة بلا دفاع ضد الغارات الجوية الإسرائيلية، اتخذ ناصر خطوة غير متوقعة: "الحل الوحيد هو إرسال الأطقم السوفييتية إلى مصر"، كما ينقل هيكل عنه قوله.


وأكد الرئيس المصري: "إن مصير العالم العربي بأكمله على المحك"، واقترح وضع الوحدات السوفييتية في الخلف وليس في المقدمة. وعندما تحدث بريجنيف عن الحاجة إلى غطاء جوي، رد ناصر على الفور: "إذاً أرسلوا الطائرات أيضا". وردا على مخاوف الأمين العام بشأن تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، تساءل الزعيم المصري: "لماذا نتصرف أحيانا وكأننا خائفون؟" ، قاطعة بريجنيف "نحن لسنا خائفين من أحد".


"إذا خضعت مصر للهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية، فسينهار العالم العربي بأكمله. نحن لا نطلب القتال من أجلنا، بل نريد الحفاظ على استقلالنا. لكنني أرى أنكم لستم مستعدين لمساعدتنا كما تساعد أمريكا إسرائيل"... وكان خطاب ناصر نقطة تحول.


الجيش متروكٌ لمصيره والشعب أعزل. من حقي أن أخبر الناس بالحقيقة المؤلمة - شاءوا أم أبوا، الأمريكيون هم من يملكون العالم. لن أستسلم للأمريكيين. سيحل شخص آخر محلّي ويفعل ذلك. رداً على الخطاب العاطفي الذي ألقاه الرئيس المصري، اقترح القادة السوفييت استراحة للنقاش.


هل نحن على الحافة؟ - سأل هيكل ناصر بينما كان الوفد المصري خارجا إلى الشارع.


أجاب الرئيس ناصر :"هذه هي قناعتي الراسخة. سأخدع الناس لو تصرفت بطريقة مختلفة. الإسرائيليون يستخدمون تكتيكات لا نستطيع مواجهتها، مثل الضربات العميقة والهجمات على المدنيين. عندما يموت الأطفال ويقتل الجنود بسبب عدم وجود الحماية لهم، يتغير الوضع تماما".


اتخذ الوفد السوفييتي قراراً تاريخياً. بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي "سام - 3" وأطقمها، تم إرسال 80 طائرة مقاتلة إلى مصر، بما في ذلك أربع طائرات ميغ - 25 الأسرع من الصوت، وتم إرسال ما يقرب من ألفي عسكري مصري إلى الاتحاد السوفييتي للتدريب.


وكما يشير هيكل، فإن الاشتباك الأول بين الطيارين السوفييت والإسرائيليين وقع في شهر أبريل/نيسان بالقرب من مدينة السخنة. ويضيف الكاتب أن "المحادثات الروسية على الهواء انتهكت السرية بالتأكيد، ولكن ربما كانت إشارة متعمدة للولايات المتحدة"، وفي أعقاب هذه الحادثة توقفت الغارات الإسرائيلية في عمق الأراضي المصرية.

 

 

مجموعة الرؤية الإستراتجية "روسيا – العالم الإسلامي"

Photo: reloaderaddict/Creative Commons 2.0