Ru En

قُل شريف :شاعر وإمام

١٢ ديسمبر ٢٠١٩

أوه، أيها الإنسان الشريف،
إذا كنت تأمل بمستقبل أفضل،
فلا ترحلْ إذن عن هذي الأرض،
لأنك إذا رحلت، من ذا الذي سيكون
عندئذ صاحب مدينة قازان؟


تلك الأسطر من كتاب “زيفارناميه ولاية قازان” للشاعر والدبلوماسي سعيد قول شريف الذي كان زعيمًا روحيًا للمسلمين في إمارة قازان وأحد القادة الوطنيين في تتارستان في حقبة هي الأكثر تعقيدًا واضطرابًا في تاريخ الخانية.

كان قول شريف يتحدر من أسرة تمتد بجذورها إلى آل البيت. ولذلك كان يدعى بالسيّد. شارك قول شريف في عدد من الوفود الدبلوماسية وأجرى محادثات مع سلطات موسكو بصدد استقلال الخانية.


لم يكن بوسع إمارة قازان في عام 1550 أن تنتظر المساعدة من أية جهة، لذلك اضطر الحكام هناك أن يعقدوا اتفاقية تعاون وتفاهم متبادل مع سلطة موسكو. لكن العلاقات سرعان ما ساءت بين الدولتين في العام التالي، ما دفع بالروس إلى الخروج من الاتفاقية. ثم قامت قوات ايفان الرهيب بفرض حصار كامل على مدينة قازان؛ عندئذ قرر حكام قازان أن يرسلوا الملا قول شريف وأمير تيومن بيبرس رستم إلى ايفان الرهيب حاملين دعوة للسلام. ولكن القيصر الروسي ايفان الرهيب قام عام 1552 باقتحام قازان. قاد الإمام قول شريف معركة الدفاع عن آخر موقع للمسلمين في المدينة.


قتل قول شريف في عام 1552 أثناء اقتحام الجيوش الروسية لمدينة قازان. وقد كتب في هذا الشأن الفيلسوف والمؤرخ المعروف شهاب الدين مرجاني قائلًا أنّ قول شريف ومريديه شكّلوا وحدة عسكرية وقاتلوا حتى استشهدوا جميعًا. وتفيد الروايات أنَّ قول شريف صعد إلى سطح المسجد وهناك أصيب بنبال قاتلة. بعد ذلك قام المهاجمون برمي جثته إلى الأسفل.


***


جامع قول أو قُلْ شريف
يحتفظ ذلك البناء المهيب والباذخ بأبوابه مفتوحة أمام جميع الراغبين بالدخول إليه بهدف الاطلاع على تاريخ مدينة قازان والشعب التتري. إنه المسجد الرئيسي الجامع في جمهورية تتارستان، ويُعتبّر أحد أضخم المساجد الموجودة في القارة الأوروبية. إذ تبلغ مساحته 10000 م2.


لا يُمثِّل هذا المبنى الحديث للمعلم الديني الأول في كرملين قازان صرحًا تاريخيًا. ذلك أنّ مسجد قول شريف الذي كان قائمًا في نفس المكان كان قد دُمِّر في عام 1552 عندما غزت قوات ايفان غروزني مدينة قازان وقامت باقتحامها. لذلك لم تبقَ معلومات تتعلق بذلك المبنى المهيب سوى ذكرى مجيدة في ذاكرة الشعوب التترية في تتارستان. إلّا أنه بعد مضي قرون، وتحديدًا منذ عام 1995 وحتى عام 2005 جرى العمل حثيثًا من أجل إحياء ذلك المعلم التاريخي والديني. وقد أطلق اسم قول شريف على المبنى الحديث للمسجد تخليدًا لذكرى آخر إمام للجامع إياه. ذلك أنَّ قول شريف يعتبر شخصية عظيمة في وجدان الشعب التتري، خصوصًا وأنه كان يمتد بجذوره إلى أهل بيت النبي محمد (ص).


لم تكن تتوفر معلومات دقيقة وكافية عن الشكل الذي كان عليه المسجد في القرن السادس عشر. بيدَ أنه ثمة إشارة إلى أن المبنى كان يضمّ ثماني مآذن، كنوع من التذكير بوجود ثماني مقاطعات في دولة بولغاريا والفولغا التترية التاريخية. وعلى هذا الأساس تم تصميم المبنى من جديد. حيث تم الإعلان عن مسابقة دولية لتصميم مشروع معماري للمبنى – المجمع. وقد فاز في المسابقة فريق من المهندسين يتكوّن من ش. خ. لاطيبوف، م. ف. سافرونوف، أ. غ. ساتّاروف، وي. ف. سيفُ الدين…


تجدر الإشارة إلى أنَّ تشييد مبنى المسجد تمَّ بشكل رئيسي بمساعدة التبرعات التي قدمها أهالي جمهورية تتارستان وروسيا الاتحادية. وبلغت كلفة بنائه 400 مليون روبل.
تمَّ افتتاحه بشكل رسمي بتاريخ 24 حزيران من عام 2005 وذلك في يوم الاحتفال بالذكرى الألفية لمدينة قازان.


يتكون المبنى من خمسة طوابق بما في ذلك الطابق التقني أو الخدمي والطابق الأرضي: يوجد في الطابق الأول قاعة الصلاة مخصصة للرجال، ومكتب إمام الجامع؛ وفي الطابق الثاني يوجد منابر أو منصات للمشاهدة على شكل شرفات للسياح وقاعة صلاة مخصصة للنساء. وفي الطابق الأرضي يوجد متحف تاريخ الإسلام، قسم خاص بالملابس (غارديروب) وقسم مخصص للوضوء. كما يحتوي المجمع على مكتبة ودار نشر. وهناك مبنى صغير ذو سقف أزرق إلى الوراء قليلًا من المسجد، وهو عبارة عن قسم الإطفاء.


تمَّ تلبيس واجهة المبنى بالمرمر والغرانيت مع العقيق اليماني وحجر السربنتين. وبفضل اللون الأزرق الذي يلوّن المآذن والقبة الرئيسية للمسجد، بات هذا الصرح الديني يعرف في أوساط الناس “بالمسجد الأزرق”.


يبلغ ارتفاع كل مئذنة وبالتالي المسجد ككل – 57 مترًا.
يمكن الوصول إلى قاعة الصلاة من الجهة الجنوبية، وإلى متحف الإسلام – من الجهة الشمالية.
يتسع المبنى في الداخل لألف وخمسمائة شخص أثناء الصلاة، أما الساحة القائمة أمام المسجد فتتسع لعشرة آلاف مُصلٍّ.
تجدر الإشارة إلى أن مبنى المسجد لا يشكِّل كتلة واحدة وإنما هو عبارة عن مجمع ضخم. يبلغ ارتفاع القبة الرئيسية فيه 39 مترًا.
يوجد في مكتبة المسجد كتاب – سجّل تم فيه تدوين اسم كل شخص قام بالتبرع لإعادة بناء المسجد. كما يوجد في المسجد مكتب لعقد القِران حسب الشريعة الإسلامية. ويحظى المسجد من هذه الناحية بشهرة وبشعبية واسعة جدًّا، لدرجة أنّه يجب على الراغبين بتسجيل زواجهم أن يقدموا طلبًا بهذا الخصوص قبل بضعة أشهر.
يجب التنويه بأن بعض الدول العربية والإسلامية ساهمت في بناء المسجد وفي تقديم جزء من الأثاث والتجهيزات التقنية اللازمة، ومن بينها دولة الكويت والإمارات العربية المتحدة، وتركيا وإيران وغيرها.

Image: Khaziahmetov Niyaz