Ru En

وفيّ للتقاليد، لكنّه ليس أسيرها

٢٧ يونيو

أظهر الشعب الإيراني قدرةً مذهلةً على الحفاظ على هويته الثقافية على مرّ القرون، جامعاً بشكلٍ عضويّ بين الولاء للتقاليد والتطلعات للمستقبل. ويتجلى ذلك جلياً في العمارة، حيث لا يتعايش التراث العريق مع التقنيات الحديثة فحسب، بل يدخل أيضاً في حوارٍ معها - أحياناً بتناغمٍ وأحياناً أخرى بصراعٍ حاد. أصبحت المساجد في إيران، من روائعها الكلاسيكية إلى مشاريعها العصرية الحديثة، تجسيداً للقيم الدينية فحسب، بل رمزاً أيضاً للقوة الإبداعية للأمة، متجاوزةً التحديات الخارجية.


إيران الحديثة هي وريثة الإمبراطورية الفارسية العظيمة، التي مرّت بتحولاتٍ عديدة. بعد الفتح العربي في القرن السابع، أفسحت الزرادشتية المجال للإسلام، وفي العصور الوسطى، انتقلت السلطة إلى السلالات الإيرانية التركية، وانعكست هذه التغييرات على العمارة: فبينما اتجهت المساجد العربية نحو القاعات ذات الأعمدة، احتفظ المعماريون الإيرانيون بتصميم الكشك - القبة، الذي يعود تاريخه إلى المعابد الزرادشتية. وهكذا، أصبحت العمارة الإسلامية في إيران مزيجاً فريداً من التقاليد المحلية والشرائع المستوردة.

 

وقد جلب العصر السلجوقي أشكالاً جديدة - الأيوان (غرف شبه مفتوحة مقببة) والباحات، والتي بلغت ذروتها لاحقاً، خلال العصر التيموري، في شكل مساجد ذات أربعة إيوانات. وقد أبرز تناسقها وتناغمها الدقيق قدسية المكان. ومع مرور الوقت، استُبدلت الأفنية المفتوحة بتصميم قبة مركزية، حيث تهيمن قاعة مغطاة ومحاطة بغرف ملحقة.


القرن العشرون أصبح فترة بحث إيرانية عن لغة معمارية جديدة. وبعد سقوط سلالة القاجار وصعود البهلويين إلى السلطة، انطلقت البلاد في طريق التحديث، ولم تبقَ المساجد على هامش هذه التغييرات.


من الأمثلة البارزة على ذلك مسجد الجواد في طهران، الذي بُني عام 1922. استوحي تصميمه من أضرحة السلاجقة في خراسان، ولكنه بُني من الزجاج والخرسانة، ويشبه شكله برجًا مضلعاً متماثلاً - وهي خطوة جريئة نحو الحداثة، ولكن مع مراعاة الماضي.


كما يُظهر مسجد الإمام علي في طهران (1931) نهجاً أكثر جذرية. إذ يرفض المهندس المعماري عمداً الديكور التقليدي، ويستبدله بخطوط صارمة وتصميم عقلاني. تُحيط بالمدخل مئذنة أنيقة ذات درج خارجي - لا إفراط فيه، بل وظيفة فقط. لكن هذا ليس رفضاً للتراث، بل إعادة صياغته بروح العصر الجديد.


شهد النصف الثاني من القرن العشرين تجارب جديدة. يُعيد مسجد حرم جامعة طهران النظر في الساحات والأيوانات الكلاسيكية: ترتكز القبة على دعامات مائلة، وتُختصر المآذن إلى أسطوانات بسيطة. في الوقت نفسه، يعارض مسجد الغدير الحداثة، ويعود إلى الطوب المحروق وأشكال أضرحة خراسان - كما لو كان ذلك لمواجهة التأثير الغربي المتزايد.


تزداد المساجد الإيرانية الحديثة تنوعاً. فمسجد محمد رسول الله في شيراز، على الرغم من تصميمه المثلث غير المألوف، يحافظ على ارتباطه بالتقاليد. أما مسجد ولي العصر في طهران، فهو تجربة معمارية بحتة: فخطوطه الحيوية وحجمه النحتي يجعلانه أقرب إلى قطعة فنية معاصرة منه إلى مبنى ديني.


يتطور بناء المساجد الإيرانية في حوار مستمر بين التقاليد والابتكار. من مخططات الماضي الصارمة إلى تجارب الحاضر الجريئة، ومن البحث عن الهوية الوطنية إلى التوجهات العالمية. يُظهر تاريخ العمارة المقدسة في إيران كيف أن الدين والسياسة والتقدم التكنولوجي يُشكلان مظهر بلدٍ لا يزال وفياً للتقاليد، دون أن يصبح أسيراً لها.

 

 

مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي"

الصورة: mostafa meraji/Pixabay