منذ أن انزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على عباده ، شجع المسلمون على طلب العلم. كان هذا دائمًا حافزًا كبيرًا للفكر والفهم. إن النداء القرآني الواضح يعني أن المعرفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي تنتقل من جيل إلى جيل في المساجد والمدارس والكليات والمستشفيات والمراصد وبيوت العلماء.
كان هناك شيء مشترك بين التعليم المدرسي والجامعي. بدأ كلاهما في المسجد- الجامع، لكن كلمة الجامعة بالعربية تعتبر هي الصيغة المؤنثة للكلمة العربية الجامع. وهكذا، في اللغة العربية، مكان الدين ومكان التعلم واحد ولا يتجزأ. علاوة على ذلك، تحتفظ كلتا الكلمتين بفكرة "التوحيد" أو "التوحيد في الواحد الذي لا يتجزاء". في الواقع ، الكلمات العربية هذه مقابلها بالمفهوم الغربي " الكون واحد لا يتجزاء". "الارتباط" لا يحدث في المفهوم الديني بقدر ما يحدث في المفهوم الوظيفي. أصبحت بعض المساجد في النهاية جامعات، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم .
الأزهر
أحد هذه الأمثلة اللافتة للنظر هو الأزهر، الذي أسس قبل 1030 عاماً. وباعتباره مركزًا للتعليم العالي في مصر، فقد جذب العديد من الطلاب واستضاف المعلمين البارزين مثل ابن الهيثم الذي عاش في المنطقة لفترة طويلة، وابن خلدون، عالم الاجتماع الرائد في القرن الرابع عشر. ومن بين طلاب جامعة الأزهر بالقاهرة، كان هناك عدد كبير من الأجانب، إلى جانب المصريين، وكثير منهم من مناطق خارج القاهرة.
القرويين
تم إنشاء مجمع كبير آخر في مدينة فاس بالمغرب. تم بناء جامعة القرويين في الأساس عبارة عن مسجد القرويين عام 859 في عهد الإدريسيين من قبل فاطمة الفهري، وهي شابة متدينة. كانت فاطمة الفهري متعلمة جداً . وبعد أن ورثت مبلغًا كبيرًا من المال من والدها ، رجل الأعمال الناجح ، تعهدت بإنفاق ميراثها في بناء مسجد يخصص لإتاحة التعلم لمجتمعها. و بنفسها فاطمة الفهري أشرفت على إنجاز مشروع البناء، حيث أصدرت أمرا أثناء التصميم ينص على ضرورة أن تكون جميع مواد البناء من نفس الأرض والمكان وكانت تصوم يومياً حتى اكتمل البناء.
مثل بعض المساجد العظيمة، سرعان ما تطور مسجد القرويين إلى مركز للتعليم والمناقشة الدينيين، وتوسع تدريجياً ليشمل العلوم الطبيعية. بعد ذلك، اضيف اسم القرويين الى الجامعة التي اصبحت بحق كواحدة من أقدم الجامعات في التاريخ.
كانت القرويين مجهزة تجهيزا جيدا خاصة بالأجهزة الفلكية. في "غرفة ضابط الوقت "، يمكن العثور على الإسطرلاب، الساعات الرملية وغيرها من الأدوات لحساب الوقت. تمت هنا دراسة القرآن، علم الكلام، الفقه، البلاغة، النثر والشعر، المنطق، الحساب، الجغرافيا والطب. كانت هناك أيضًا دورات في القواعد والتاريخ الإسلامي والكيمياء والرياضيات.
مسجد الزيتون
كانت تدرس بشكل دائم في مسجد الزيتون بتونس المواد المتعلقة بقواعد اللغة العربية والمنطق والتوثيق وعلم الكونيات والحساب والهندسة والمعادن . في مكتبة عتيقة القيروان التونسية كانت هناك عملية ترجمة عربية لتاريخ الشعوب القديمة كتبها القديس جيروم إلى قبل سنة 420 ميلادية.
جامعة سانكوري
تقع جامعة سانكوري في تمبوكتو في شمال مالي، بالجزء الجنوبي من العالم الإسلامي . و وصلت إلى ذروتها الاقتصادية والفكرية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. و بعد عودة حاكم الإمبراطورية المالية، مانسا موسى من الحج، أصبحت مركزا مهما لنشر الثقافة الإسلامية.
خلال فترة تطورها وازدهارها أصبحت الجامعة عبارة عن مجمعاً يتألف من جامعة سانكوري و 180 مدرسة قرآنية و 25000 طالب وطالبة. كما تطورت لتصبح مركزا تجارياً رئيسياً تضمن تبادلًا واسعا للمخطوطات. وشملت الموضوعات والمواد التي دُرست مثل القرآن الكريم، الدراسات الإسلامية، القانون، الأدب، الطب، الجراحة، علم الفلك، الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الفلسفة، اللغة واللغويات، الجغرافيا، التاريخ وكذا الفنون التشكيلية.