الاستعمار الجديد يقوض العلاقات الدولية، حيث تستمر عمليات السطو واستغلال الشعوب من خلال التدخل الخفي للدول الغربية في شؤون الدول الأخرى لمصلحتها الخاصة. وقد تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتن عن هذا في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية في عام 2024، وهذا ما أكده ممثلو الدول الإسلامية في اجتماعات مجموعة الرؤية الاستراتيجية. ويمكن فهم ما يقوله العلماء حول هذا الموضوع من خلال الدراسة التي أجراها فريق من المتخصصين من جامعة لومونوسوف الحكومية في موسكو.
وفي العلوم الروسية، قدم الفيلسوف أناتولي غوريلوف مساهمة كبيرة في دراسة هذه القضية. في سلسلة من الأعمال التي بدأت في عام 2009، يستكشف المؤلف العلاقة بين الاستعمار الجديد والعولمة ويسلط الضوء على الاختلافات بين الشكل الحديث والشكل الكلاسيكي: في ظل الاستعمار الجديد، يحكم البلاد ممثلون للأمة الأصلية، لكن النخبة الحاكمة تراقب مصالح المدينة، التي تتحقق أهدافها السياسية من خلال "القوة الناعمة". ويلعب النفوذ الاقتصادي للمنظمات الدولية والشركات العابرة للحدود الوطنية دوراً رئيسياً في هذا.
وبحسب غوريلوف، يمكن اعتبار الولايات المتحدة اليوم مدينة عالمية أو عاصمة العالم، في حين يتحول بقية العالم إلى "مستعمرة جديدة" تفتقر إلى العلم ونوعية حياة لائقة، ويتم استنزاف الموارد، سواء المادية أو الروحية. إن دراسة المشكلة من خلال منظور علاقتها بالعولمة والرأسمالية هي سمة مميزة للدراسات الروسية حول الاستعمار الجديد. وفي الوقت نفسه، يظل الفحص الإنساني للظاهرة ضئيلاً، إذ يُنظر إليها في أغلب الأحيان باعتبارها فئة اقتصادية.
وفي العلوم الأجنبية، يرتبط جزء كبير من العمل بتحليل الاستعمار الجديد في أفريقيا، حيث يتجلى في صورة "الجار الطيب" من خلال النشاط التبشيري في المجال الاجتماعي. ويستشهد الباحث البريطاني مارك لانجان بأنشطة التحالف الجديد للأمن الغذائي والتغذية في أفريقيا كمثال. تعمل هذه الشركة على الاستيلاء على الأراضي لزراعة المحاصيل للتصدير بدلاً من المحاصيل اللازمة لإطعام السكان المحليين. ونتيجة لذلك: استنزاف الأراضي، وتفاقم مشكلة الجوع والأزمة الاقتصادية.
ويشير بعض الباحثين الأجانب إلى الاستعمار الثقافي الجديد المرتبط بفرض القيم والممارسات الغريبة. على سبيل المثال، يشير الباحث كارستن زويب إلى أن دعم الاتحاد الأوروبي للنهج النيوليبرالي للثقافة أدى إلى نمو الاتجاهات القومية في مالطا وهدد التطور المميز للتقاليد المحلية. هناك موضوع آخر مثير للاهتمام وهو دراسة الاستعمار التكنولوجي الجديد، حيث يتم النظر في ميزاته من جانبين.
أولاً، تعزيز سيطرة الدولة على المجتمع بمساعدة الابتكارات الرقمية، وبالتالي إدارتها لتحقيق أهداف معينة. على سبيل المثال، يرى الباحث الفلبيني ريجليتو ألدريتش إمبونج أن هذه الظاهرة تعمل على إخفاء التبعية الاستعمارية الجديدة للجنوب العالمي. النهج الثاني يتجلى في السياسة التي تنفذها الولايات المتحدة: شراء "العقول" في بلدان مختلفة من العالم، وتركيز التطورات التكنولوجية الجديدة في بلد واحد، مما يساهم في الهيمنة الكاملة لهذه الدولة على حياة مناطق أخرى.
بشكل عام، يمكن تقسيم المناهج المتبعة في التعامل مع الاستعمار الجديد إلى مجموعتين كبيرتين: التقليدية والجديدة. الأول يشمل الاستعمار الجديد الاقتصادي والسياسي. وفي القرن العشرين، تزايدت أهمية الشكل الثقافي المبني على "القوة الناعمة" - واليوم يمكن أن يُعزى ذلك إلى الاستعمار الجديد الحديث، لأنه يختلف اختلافاً جوهرياً عن ممارسات القرن التاسع عشر. هناك تحول في منظور البحث من الأشكال التقليدية إلى الأشكال الجديدة، ومن بينها الاستعمار البيئي والرقمي الجديد الأكثر أهمية.
يتم تفسير الاستعمار البيئي الجديد على أنه تدخل بعض البلدان في أراضي بلدان أخرى، مما يؤدي إلى تقليص الموارد، وتضاعف المخاطر البيئية، وبالتالي زيادة معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض. أصبح العالم منقسما بيئيا، حيث تستفيد بعض البلدان من التدهور البيئي الذي تشهده بلدان أخرى. على سبيل المثال، تضطر البلدان النامية إلى قبول مستويات التلوث التي ترفضها البلدان المتقدمة مقابل الاستثمار.
إن المناقشات الواسعة النطاق حول القضايا البيئية على أعلى المستويات لا تساهم في حماية البيئة بشكل فعال. أظهر مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ الذي أنعقد في عام 2023 في الإمارات العربية المتحدة، غياب الوحدة بين أفراد المجتمع الدولي. وكان صياغة الإعلان الختامي مثيرا للجدل، حيث عارضت الدول المنتجة للنفط، وخاصة المملكة العربية السعودية، التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وقال رئيس المؤتمر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان أحمد الجابر إنه لا يوجد بحث علمي أو خارطة طريق للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري من شأنها ضمان عدم عودة العالم إلى الكهوف. لا أحد ينكر أن التحول التدريجي من الهيدروكربونات إلى مصادر الطاقة الأخرى أمر لا مفر منه. ومع ذلك، تعمل بلدان مجموعة السبع بشكل نشط على الترويج لما يسمى "الأجندة الخضراء" للحد من الأضرار البيئية.
تشير الأبحاث إلى أن دور التكنولوجيات الخضراء غامض. ويؤدي تطويرها وتنفيذها إلى زيادة استهلاك الطاقة، مما يساهم في التدهور البيئي. وهذا يؤكد الطبيعة الاستعمارية الجديدة للأجندة البيئية الحديثة، وهي مشروع أيديولوجي تقف وراءه مصالح البلدان والشركات الفردية. وفي الوقت نفسه، من الملاحظ كيف أصبحت الحركات البيئية في مختلف بلدان العالم مسيسة وتنتقل من النشاط العام إلى أنشطة الضغط.
بالنسبة للباحثين المعاصرين، يشكل الاستعمار الجديد أساسًا نظريًا لتحليل عدم المساواة العالمية والإقليمية. ومن الجدير بالذكر أن مشكلة إيجاد أساليب جديدة لفهم الاستعمار الجديد وتحديده في ضوء الحقائق الجديدة أصبحت ذات أهمية بالنسبة للباحثين. وعلى الرغم من قيمة النظريات المناهضة للاستعمار، فإن الواقع يظهر أن الاستعمار الجديد لا يمكن مقاومته إلا من خلال العمل الحاسم.
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: Marjan Blan/Unsplash