صرح رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" ورئيس جمهورية تتارستان الروسية - رستم مينيخانوف، خلال اجتماع في العاصمة الماليزية - كوالالمبور، أنه اليوم، لم تعد التعددية القطبية مجرد مصطلح سياسي، بل هي حقيقة موضوعية تملي أيضاً الحاجة إلى علاقات أقوى بين روسيا ودول العالم الإسلامي، وتقدم روسيا الاتحادية شراكات متساوية مع العالم الإسلامي، وأكد على أهمية موضوع الاجتماع وكيف يتماشى مع الحقائق العالمية الحالية، وذلك اليوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقال رستم مينيخانوف خلال الاجتماع الخارجي للمجموعة، الذي حمل عنوان "روسيا والعالم الإسلامي: التعاون في عصر التعددية القطبية الناشئة": "إن التعددية القطبية اليوم ليست مجرد مصطلح يستخدمه المحللون السياسيون. إنها حقيقة موضوعية. لسوء الحظ، فقد العالم استقراره مرة أخرى، وتهيمن الأزمات والضغوط والعقوبات والحروب بشكل متزايد على الحوكمة العالمية".
وأضاف مينيخانوف: "إن التحديات التي تواجه الشرق الأوسط وأفريقيا وفلسطين واليمن وأوكرانيا وتايوان والعديد من البؤر الساخنة الأخرى هي نتيجة للتدخل غير المشروع للغرب الجماعي، حيث نرى كيف يؤدي تصعيد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى عواقب كارثية على الشرق الأوسط بأكمله، ويجر المزيد والمزيد من البلدان إلى دوامة المواجهة. وإن الطريق إلى التطبيع في المنطقة معروف جيداً - يبدأ بوقف إراقة الدماء، وخلق الظروف للحل السياسي على أساس المعايير القانونية المعترف بها دولياً، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة".
وأكد رئيس جمهورية تتارستان أنه "اليوم، للأسف، في محاولته للحفاظ على نفوذه والحفاظ على التوازن، يلجأ الغرب الجماعي إلى تكتيكات الابتزاز والعقوبات وسرقة الأصول واحتكاره للأسواق العالمية واستخدام الدولار الورقي غير المضمون كسلاح، كما إنه يسعى إلى إعادة تشكيل العلاقات الدولية لصالحه، واختراع أشكال جديدة من الاستعمار الجديد الحديث، تستهدف في المقام الأول الجنوب العالمي. وعلى الرغم من ادعاءاته بالدفاع عن حرية التعبير، فإن الغرب يظهر عدم التسامح تجاه أي وجهات نظر بديلة".
ووفقاً لمينيخانوف: "نرى اليوم الأمور تنقلب رأساً على عقب على نحو متزايد ــ فالأسود يُسمَّى أبيض، والرجال يُسمَّون نساء، والأكاذيب والظلم تُروَّج على أنها حقائق وديمقراطية، والقانون الدولي يحل محله نظام من القواعد المصممة لخدمة مصالح مجموعة مختارة من البلدان. وهذا طريق مسدود يضر بالعالم بأسره. والمطلوب هو أجندة بديلة تحافظ على السلام والاستقرار العالميين، وتسمح للدول بالتطور بشكل متناغم وحر، وتخلق ظروفاً متساوية وتنافسية، وتفتح فرصاً جديدة لجميع الدول والأمم والشعوب.
وأعرب رستم مينيخانوف عن أمله في أن تتمكن روسيا والدول الإسلامية من خلال الجهود المشتركة لجميع القوى والأمم المشروعة من صياغة ناقل تنمية مناسب للبشرية، يقوم على التعاون المتبادل المنفعة والمساواة والعدالة واحترام التقاليد والقيم الوطنية. وكان من بين المساهمات المهمة في هذه العملية رئاسة روسيا لمجموعة "بريكس" والقمة السادسة عشرة "بريكس" التي عُقِدت في عاصمة جمهورية تتارستان الروسية - مدينة قازان في أكتوبر/تشرين الأول.
وتحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين، كانت هذه القمة، التي عقدت تحت شعار "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين"، حدثاً رئيسياً في العلاقات الدولية، وفتحت فصلًا جديداً في الدبلوماسية العالمية، إذ ناقش المشاركون خلالها القضايا الدولية الرئيسية، مع التركيز على الوضع في الشرق الأوسط، والتعاون بين الدول العضاء في مجموعة "بريكس" والجنوب العالمي من أجل التنمية الشاملة والمستدامة. واختتمت القمة باعتماد "إعلان قازان"، وهو بمثابة خارطة طريق لعالم متعدد الأقطاب.
وبحسب الرئيس مينيخانوف، استضافت قازان خلال القمة وفوداً من 36 دولة و6 منظمات دولية، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة. ومثلت 24 دولة زعماؤها، بما في ذلك روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وتركيا. ويؤكد هذا المشاركة الواسعة على السلطة والأهمية المتزايدة لمجموعة "بريكس" في العالم الحديث، فضلاً عن الاهتمام المتزايد بالتعاون من قبل العديد من البلدان.
وقد أعربت أكثر من 30 دولة بالفعل عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، وفي قمة قازان، مُنحت 13 دولة وضع الشريك. ويسرني أن أشير إلى أن ثلاث دول إسلامية رائدة - مصر وإيران والإمارات العربية المتحدة - أصبحت الآن أعضاء في مجموعة "بريكس". كما شارك في القمة ما مجموعه 16 دولة إسلامية، أعضاء في منظمة "التعاون الإسلامي". ونتيجة لقمة "قازان"، أصبحت 5 دول إسلامية أخرى، بما في ذلك ماليزيا، شركاء لمجموعة "بريكس". وهذا يسلط الضوء على النفوذ المتزايد والإمكانات السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي.
كما وتم التشديد على أن "مجموعة "بريكس" تمثل اليوم أكثر من 30% من أراضي العالم، وأكثر من 45% من سكان العالم، ونحو 38% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتنتج دول مجموعة "بريكس" 40% من نفط العالم وتمثل حوالي ربع الصادرات العالمية. ويتزايد الاهتمام بمجموعة "بريكس" بوتيرة متسارعة، وتقود دولها النمو الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، فإن مجموعة "بريكس" ليست تحالفاً ضد أي أحد ولا تحل محل الأمم المتحدة. فهي، قبل كل شيء، تدور حول خلق فرص جديدة لصالح أعضائها والتنمية المستدامة للكوكب. وهنا، فإن لتعزيز علاقات روسيا مع الدول الإسلامية ومنظمة "التعاون الإسلامي" أهمية قصوى، وستدعم مجموعتنا هذه العمليات بنشاط وتعد مقترحات الخبراء".
كما أوضح أن العديد من دول العالم الإسلامي تواجه حالياً تحديات كبيرة، بما في ذلك انتشار التطرف الراديكالي والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والصراعات المسلحة والمشاكل الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وعدم المساواة والحفاظ على القيم والهوية الإسلامية في ظل العولمة. وإن هناك حاجة إلى الاهتمام والجهود من جانب القادة الإسلاميين والمجتمع الدولي في معالجة هذه القضايا.
بالإضافة إلى ذلك، أكد مينيخانوف أن روسيا تقدم للعالم الإسلامي علاقات متساوية؛ وحل النزاعات الدبلوماسية؛ والتعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري؛ والبرامج الثقافية والتعليمية والشبابية؛ فضلاً عن الجهود المشتركة في العلوم والتكنولوجيا العالية والرياضة والسياحة. ولا تهدف هذه المجالات إلى تعزيز العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي فحسب، بل وأيضاً إلى تعزيز التنمية المستدامة والأمن الدولي. وهنا نرى إمكانات كبيرة في ماليزيا، التي تلعب دوراً رئيسياً في العالم الإسلامي في العديد من النواحي. ولا شك أن رئاسة ماليزيا المقبلة لرابطة دول جنوب شرق آسيا في عام 2025 ستساهم في تعزيز الأمن الإقليمي وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والتنمية الاجتماعية والثقافية.
ووفقاً لرستم مينيخانوف، هناك عامل مهم آخر في تعزيز علاقات روسيا مع دول منظمة "التعاون الإسلامي" وهو التعاون الشبابي، وبالتعاون مع منتدى شباب منظمة "التعاون الإسلامي"، نعمل على إنشاء مشاريع شبابية تقوم على الصداقة والقيم المشتركة، والتي ستعمل في نهاية المطاف كأساس لبناء عالم متعدد الأقطاب ومستدام. ومن بين هذه المبادرات حركة الأطفال والشباب الروسية "حركة الأوائل"، التي تعمل على تطوير شبكة دولية من نوادي الدبلوماسية المدرسية. وتسمح هذه النوادي للشباب من مختلف البلدان بالتعرف على ثقافات وتقاليد بعضهم البعض، وممارسة اللغات، وتكوين صداقات جديدة. وتشارك في هذه المبادرة حالياً أكثر من 200 مدرسة في 20 دولة، بما في ذلك 10 مدارس في ماليزيا. والواقع أن سياسة الشباب في ماليزيا فريدة من نوعها في كثير من النواحي، حيث يشكل المجلس الوطني للشباب، الذي كان يرأسه أنور إبراهيم في السابق، آلية فعّالة لتنشئة الوطنيين وإعداد القادة للبلاد.
كما أوضح مينيخانوف أن تتارستان كانت واحدة من المبادرين إلى إنشاء مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا ـ العالم الإسلامي" في عام 2006، وقد قامت بعمل مكثف لتعزيز علاقات بلادنا مع الدول الإسلامية.
واختتم رستم مينيخانوف حديثه قائلاً: "نستضيف كل عام، بدعم من منظمة "التعاون الإسلامي"، المنتدى الاقتصادي الدولي "روسيا - العالم الإسلامي: منتدى قازان". وقد شارك هذا العام أكثر من 20 ألف ممثل من 87 دولة. وخلال المنتدى، نعقد أيضاً الاجتماع السنوي لمنتدى قازان العالمي للشباب، بمشاركة وزراء الشباب والقادة الشباب من الدول الأعضاء في منظمة "التعاون الإسلامي". ويسعدنا أن نرحب بكم ووفودكم في هذه الأحداث العام المقبل".
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: الموقع الرسمي لرئيست تارستان