شكّلت الزيارة الرسمية لمعالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري، وزير الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، إلى روسيا الاتحادية حدثاً هاماً في تطوير العلاقات الثنائية. وتركز برنامج معالي الوزير الضيف الكريم، والذي تضمن فعاليات في موسكو وقازان، على تعزيز الحوار حول القضايا الدينية والإنسانية والاقتصادية.
وعقد معالي الوزير العماني مباحثات في العاصمة الروسية، أرست أسس التعاون في المجالين السياسي والديني. والتقى الوزير المعمري مع محمد سلام محمدوف، نائب رئيس ديوان الرئاسة الروسية، مؤكداً على المستوى الرفيع للحوار الشامل. ثم عُقدت مفاوضات مع الشيخ راوي عين الدين، مفتي روسيا، في المسجد الكبير في موسكو. كما افتُتح رسميًا هناك المعرض الدولي "باسم القيم الإنسانية: تقاليد التفاهم المتبادل وحسن الجوار والسلام في عُمان". في عاصمة تتارستان، وصف الدكتور المعمري الزيارة بأنها "مشروع إنساني يعزز الاحترام المتبادل وتبادل أفضل الممارسات في التعايش السلمي بين الشعوب".

وفي قازان، اخذت الزيارة طابعاً عملياً، وانتقلت إلى قضايا التعاون العملية. وعُقد اجتماع مطول مع رئيس تتارستان، رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"، رستم مينيخانوف. وأشار رئيس الجمهورية إلى الإمكانات الهائلة للتعاون، قائلاً: "لا يزال حجم التبادل التجاري بين تتارستان وسلطنة عمان ضئيلاً، لكن آفاق التعاون هائلة". وكخطوة عملية، دعا مينيخانوف الجانب العماني للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الدولي السنوي "روسيا والعالم الإسلامي: منتدى قازان".
وشكل الافتتاح الكبير للمعرض العماني في مسجد المرجاني في قازان رمزاً حياً للقيم المشتركة. وحل ذلك أشار المفتي روشان حضرة أبياسوف، نائب رئيس الإدارة الدينية الروسية للشؤون الدولية، في كلمته الترحيبية إلى أن "المعرض يُظهر بوضوح ما يجمع مسلمي روسيا ومسلمي سلطنة عُمان، ألا وهو حسن الجوار الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت".

وأشاد معالي الدكتور المعمري، في كلمته أمام الضيوف، بدور المضيف، قائلاً: "قازان ذاكرة مشتركة للعالم الإسلامي أجمع، وجسر بين الشرق والغرب". وأكد أن المدينة لطالما كانت مثالاً يُحتذى به على "كيف يُمكن بناء القوة من التنوع".

وتطرق مفتي تتارستان كامل حضرة ساميغولين في كلمته إلى مسألة الحفاظ على الهوية الوطنية. وأكد على أهمية الحوار الثقافي، مستشهداً بالقرآن الكريم، الذي يشرح فيه الله سبب خلق الشعوب والقبائل المختلفة على الأرض. وقال المفتي: "لماذا خلق الله الشعوب والقبائل؟ ليس لنفنى، بل لنتعارف". وفي كلمته أمام الممثلين العمانيين، أعرب سماحة المفتي عن إعجابه باحترامهم لثقافتهم وتقاليدهم، وشكرهم على زيارتهم، معلناً عن مبادرة مماثلة: "توقعوا زيارتنا قريباً، لا سيما أننا وجهنا إليكم دعوة بالفعل".

وأضفى خطاب الترحيب الذي ألقاه مارات غاتين، مساعد رئيس جمهورية تتارستان، نائب رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا -العالم الإسلامي"، على افتتاح المعرض عمقاً تاريخياً وقوة مؤسسية. وأشار إلى أن "عُمان تحتل مكانة خاصة في نطاق تفاعل بلدنا العظيم مع العالم الإسلامي"، وأن هذا العام يصادف الذكرى الأربعين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية. وأعرب غاتين عن ثقته بأن المعرض الافتتاحي "يُمثل مساهمة مستقلة في تطوير علاقاتنا، بما يتيح لنا التعرف على بعضنا البعض بشكل أفضل"، وأكد لشركائه العمانيين أن "روسيا وتتارستان منفتحتان على أصدقائنا العمانيين".

علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن غاتين ناقش زيارة وزير الأوقاف والشؤون الدينية العماني خلال اجتماعه مع وزير خارجية سلطنة عُمان، بدر بن حمد البوسعيدي، خلال اللقاء في إطار مشاركة وفد تتارستان في منتدى الأعمال الدولي الروسي العماني.
كان من أبرز عناصر حفل الافتتاح، الكلمات التي ألقاها ممثلون عن الأوساط الدبلوماسية والثقافية، حيث أكد القنصل العام لكازاخستان في قازان، إرلان إسكاكوف، على الدور المميز للجمهورية، قائلاً: "تُثبت تتارستان اليوم مكانتها كعاصمة دينية عالمية". وأعرب القائم بأعمال مدير المتحف الوطني لجمهورية تتارستان، آيرات فيزراخمانوف، عن إعجابه بالتراث العماني، وأبدى إعجابه بالمخطوطات المعروضة. كما أعلن عن استعداد المتحف لمزيد من التعاون، مؤكداً أن "المتحف الوطني لتتارستان مستعد لتوفير قاعاته للمعارض المستقبلية المخصصة للتراث العماني". وضمن البرنامج الحافل، اطلع الضيف الكريم على عدد من المشاريع الاجتماعية والتعليمية، وزار مركز ياردام للتأهيل، وأشاد بحجم أعماله الخيرية.

كما عُقدت أيضاً اجتماعات مع قيادات المراكز التعليمية الإسلامية الرائدة، الأكاديمية الإسلامية البولغارية والمعهد الإسلامي الروسي، أكدت على أهمية الجوانب التعليمية والعلمية في أنشطة مجموعة الرؤية الاستراتيجية. وأكد مارات غاتين خلال اجتماع بين الوفد العماني وقيادة الأكاديمية الإسلامية البولغارية: "هذا هو أساس الحفاظ على الهوية والتقاليد والروحانية"، مشدداً على أهمية تطوير علاقات متعددة الجوانب بين تتارستان وسلطنة عمان.
وفي مكتب الأكاديمية الإسلامية البولغارية في قازان، أطلع رئيس الأكاديمية، فرحات حُسنوتدينوف، الضيوف على الأنشطة التعليمية للمؤسسة، موضحاً أن الأكاديمية وقّعت، على مدار مسيرتها، 48 اتفاقية مع مؤسسات تعليمية دينية في مختلف البلدان.

وعبّر الوزير العُماني عن امتنانه لكرم الضيافة، وأعرب عن اهتمامه بتطوير التعاون مع الأكاديمية. وقال المعمري: "في هذا المجال، يمكننا، بل يجب علينا، بناء تعاون مثمر بين أكاديميتكم ومؤسساتنا العلمية والتعليمية"، وركّز بشكل خاص على تطوير مؤسسات الأوقاف والزكاة، واصفاً إياها بـ"عملة واحدة يمكن استخدامها لتحقيق التنمية المُستدامة للبلاد"، كما خاطب الضيف الكريم طلابَ المدرسة العُليا للاقتصاد حول هذا الموضوع المهم خلال زيارته لموسكو.

وفي المعهد الإسلامي الروسي، التقى الوفدَ العُماني برئيس المعهد ، الدكتور رفيق مُخمِتشين. خلال الاجتماع، ناقش الطرفان تعزيز الحوار بين الأديان والتعاون بين المؤسسات التعليمية الإسلامية في البلدين. وتمّ التركيز بشكل خاص على تبادل الخبرات في مجال تدريب علماء الدين، والنموذج الفريد للتعليم الإسلامي الروسي، الذي يجمع بين الدراسة المتعمقة للعلوم الإسلامية الكلاسيكية والتخصصات العلمانية، والتدريب على العلاقات بين الدولة والطوائف.

شكّلت الزيارة خطوةً نوعيةً جديدةً في تطوير العلاقات. تجاوزت بكثير فعاليات البروتوكول، لتتناول مشاريع اقتصادية محددة، وتبادلاً ثقافياً معمقاً، وحواراً دينياً، وممارسات اجتماعية. وقد أثرى هذا النهج متعدد الأوجه بشكل كبير الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ودول العالم الإسلامي، مما أرسى أساساً متيناً لمبادرات مشتركة مستقبلية .
مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"بر
الصورة: الإدارة الدينية لمسلمي جمهورية تتارستان، الأكاديمية الإسلامية البولغارية