انهى المنتدى الدولي التقليدي "الإسلام في عالم متعدد الثقافات" أعماله التي استمرت اربعة ايام وشارك به أكثر من 200 خبير واحتوى على 10 أقسام.واستضاف المنتدى معهد العلاقات الدولية بجامعة قازان الاتحادية، حيث التقى في مكان واحد علماء إسلاميون من روسيا وأجانب وممثلون عن سلطات روسيا الاتحادية وجمهورية تتارستان، فضلاً عن الجالية المسلمة في روسيا وتتارستان، والجامعات والمدارس الإسلامية الروسية، و ناقشوا أهم القضايا على جدول المسرح العالمي.
الإسلام جزء لا يتجزأ من المجتمع الروسي
قال السفير المفوض وفوق العادة، عضو المجلس الفيدرالي، نائب رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"، فاريت موخاميتشين من خلال حديثه عبر الإنترنت - فيديو للمشاركين في المنتدى: إن منتدى "الإسلام في العالم متعدد الثقافات"، الذي ينعقد من عشر سنوات، قد ساهم في مناقشة المشاكل المعاصرة لتطوير الحوار بين الثقافات والأديان ". وأشار الدبلوماسي إلى المستوى العلمي العالي للمناقشة، التي يشارك فيها أكثر الخبراء تاثيرا وموثوقية، بما في ذلك المنظمات الدولية.
كما اشار موخاميتشين الى أنه سعيد لمداخلة إيرينا جورجيفنا بوكوفا في المنتدى قائلا: " خلال فترة عملها كمديرة عامة لليونسكو في 2009-2017 ، أحيت فكرة "الإنسانية الجديدة". أتذكر مداخلتها الرائعة قبل بضعة أشهر في منتدى جنكيز أيتماتوف الدولي للكتاب والمفكرين الذي عقدته مجموعة الرؤية الاستراتيجية " روسيا - العالم الإسلامي".
وأشار إلى أن مشاركتها اليوم في أعمال المنتدى تعطي صوتًا جديدًا للمشاكل التي تناقش".
كما رحب موخاميتشين بمشاركة المستشرق البارز والمعروف دوليا، عضو أكاديمية العلوم الروسية، والمدير العلمي لمعهد الإستشراق، فيتالي ناؤمكين وقال : "مشاركته تضفي نكهة خاصة على المنتدى وبصفته أحد الأعضاء النشطين في مجموعة الرؤية الاستراتيجية ، فإن مساهمته في القضايا التي تمت مناقشتها لا تقدر بثمن".
كما اصبح ضيف الشرف في المنتدى، منير بوشناقي، الصديق القديم لروسيا ومجموعة الرؤية الاستراتيجية، الخبير المعترف به في التراث العالمي لليونسكو، المستشار الخاص للمدير العام لليونسكو والذي بفضله وبمساعدته شاركت روسيا في العديد من الفعاليات الدولية، بما في ذلك الاحتفال الأول باليوم العالمي للفنون الإسلاميةى. اليونسكو في البحرين (18 تشرين الثاني / نوفمبر 2020).
أشار عميد جامعة قازان الفيدرالية، إيلشات جافوروف خلال الجلسة الافتتاحية إلى ان الإسلام كان دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الحياة بفضل دعم قيادة الجمهورية، بما في ذلك من خلال المشاريع العلمية و من خلال إحياء القيم الإسلامية. حظيت فكرته عن مكانة ودور مدينة قازان الخاص في تطوير الثقافة الإسلامية في روسيا وفي العالم بدعم فيتالي ناؤمكين، عضو اكاديمية العلوم الروسية، المدير العلمي لمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية . وحسب كلمته، فقد نشأت هنا في قازان الدراسات العربية، إلى حد ما الدراسات الشرقية نفسها ، ومن هنا تطور ت هذه العلوم.
وتحدث فيتالي ناؤمكين عن مدينة قازان قائلا: قبل 15 عامًا أتيت إلى قازان لتصوير فلم من عدة حلقات بعنوان "روسيا والعرب" باللغة العربية للجمهور العربي. أتذكر ما حدث في ذلك الوقت في منطقة بلغار، سفيازك و كيف تغيرت أرض تتارستان منذ ذلك الوقت مؤكدا أن تتارستان هي مثال ناجح للتعددية الثقافية. الأصالة والتفرد الثقافي، بما في ذلك العلاقات الدينية ، هنا ليس فقط تتعايش سلميا ولكن تثري بعضها البعض ". وواثق ناؤمكين من ان مثل هذا النهج يقاوم الإيديولوجيات الإرهابية بشكل فعال: "تكبد المتطرفون والإرهابيون خسائر فادحة عندما احتشد العالم ضدهم. الآن نشهد تقلصات لهذه المجموعات. من المهم التأكيد هنا على أن مدرسة قازان للدراسات الشرقية العلمانية والتربية الإسلامية هي الرائد في مواجهة هذه الظواهر القاتلة التي برزت في مختلف زوايا بلادنا، ولكن تم القضاء عليها بالكامل تقريبًا".
لفت فيتالي ناؤمكين، انتباه الزملاء والصحفيين المجتمعين إلى رمزية اسم المنتدى، مؤكدا على أن الظروف الحالية التي أنشأها الوباء ساهمت في ظهور فرص غير مسبوقة للتواصل بين الثقافات من خلال أشكال جديدة. وهذا يساعد على التكيف مع طريقة جديدة للحياة. ميول ونزعات التحديث التي يمكن ملاحظتها في وسط القادة المعاصرين للأمة الإسلامية يجب الاهتمام بها وليس من قبيل الصدفة أن يواجهوا مقاومة من أكثر قادة الأمة محافظة. كما اوضح ناؤمكين " أن روسيا هي الرائد في العملية التي تجري في جميع أنحاء العالم الإسلامي والتي تؤثر حتى على الدول المحافظة مثل المملكة العربية السعودية". واضاف " أن الدور الاكبر في هذه العملية هو إحياء المدرسة اللاهوتية التتارية، التي لم يدرك العالم قيمتها كليا بعد".
الإسلام - ليس فقط عقيدة
أوضح رمضان عبد اللطيبوف، الممثل الخاص لروسيا الاتحادية لدى منظمة التعاون الإسلامي، ان العامل الإسلامي يحتل مكانة خاصة في جدول أعمال المسرح العالمي، مشددا على ان الإسلام بذاته ليس فقط عقيدة.وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل عمل مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"، برئاسة رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف.
كما اكد عبداللطيبوف، على أن الاسلام بخلاف الأديان الأخرى، فهو يشمل جميع مجالات المجتمع البشري. فهو الدولة والقانون وأسلوب الحياة - الإسلام مفهوم أوسع مما يحاولون إثباته لنا. و محاولات تحجيم مفهوم الإسلام فقط في المجال الديني تضر بالمسلمين والأمة. يجب استخدام مفهوم الاسلام بشكل أوسع ومدى تأثيره على تطور الحضارة الإنسانية بأسرها. لكن، للأسف، نشهد اليوم كيف أن المجتمع المسلم لا يلتفت احد للدفاع عنه، والاسباب تُبرر. وتاريخ الإسلام بأكمله يمثل إمكانات كبيرة للثقافة وتاريخًا ضخمًا وفريدًا.
و صادف هذا العام الذكرى الخامسة عشرة لإنضمام روسيا إلى منظمة التعاون الإسلامي كدولة مراقبة، وأوضح عبداللطيبوف للحاضرين ما تم انجازه خلال هذه الفترة . تم توقيع على اتفاقية مع منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي بموجبها تجري المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية الروسية ومنظمة المؤتمر الإسلامي سنويًا. أود أن أشير إلى أنه فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية للعالم الإسلامي والسياسة العالمية، فإن لروسيا وللمنظمة مواقف متطابقة . بالإضافة إلى ذلك ، في 27- 28 تشرين الثاني / نوفمبر ، في اجتماع لمجلس وزارة خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي ، تم اعتماد وثيقة جديدة لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن حقوق الإنسان. يجري إعداد بيان حول حقوق الطفل وقيم الأسرة. بالمناسبة، قيم العالم الإسلامي تقييم إيجابي عملية تعديل دستور روسيا الاتحادية، مشيرًا إلى أن الأسرة هي اتحاد بين رجل وامرأة "، هكذا اختتم حديثه الممثل الخاص لروسيا الاتحادية لدى منظمة التعاون الإسلامي.
وتحدث السفير المفوض وفوق العادة للجمهورية اليمنية لدى روسيا الاتحادية، احمد سالم الوحيشي عن الدور المهم لروسيا وتتارستان بشكل خاص. وأشار إلى أن " قازان هي رمز للإسلام ولروسيا ككل. والدين الإسلامي هو ديانة السلام. والإسلام يقبل بكل الأديان، ويوصي أن يعيش الجميع في سلام ووئام ".
ووفقًا له، فإن قازان ليست فقط مركز الإسلام في روسيا، ولكنها العاصمة الشمالية للإسلام. والإرهابيون من خلال انشطتهم يسرقون الدين . نحن نعلم أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل في تتارستان والإسلام ضد الإرهاب. ومثل هذه المؤتمرات تؤكد على ذلك ".
واضاف الوحيشي " يصادف هذا العام الذكرى 93 للعلاقات بين اليمن وروسيا. بالمناسبة، أحد الدبلوماسيين الذين وقعوا هذه الاتفاقية منذ سنوات عديدة كان متخصصًا من تتارستان، هو كريم أحمد، مؤكدا على ان روسيا تلعب دورًا كبيرًا في إحلال السلام في اليمن ونحن دائمًا ننظر إلى روسيا كصديق حميم يدعمنا ويدعم السلام في بلدنا".
في المجتمع التتاري يوجد مفكرون مبدعون ومتميزون
برزت تقاليد المسلمين الروس وتوطدت على مدى قرون عديدة في مجتمع متعدد الطوائف. التتار عاشوا ويعشون لقرون على الحدود بين الشرق والغرب وبين آسيا وأوروبا والعالم الروسي الأرثوذكسي والعالم التركي الإسلامي، لهذا ظهر من بينهم مفكرون بارزون متميزون . بهذا أكد خلال الجلسة العامة مفتي جمهورية تتارستان كميل حضرة ساميغولين. ووفقًا له، فإن مثل هذه الدولة الحدودية شجعت دائمًا التتار على فهم مكانهم ومكان الإسلام في سياق نقطة تقاطع الثقافات والشعوب.
وأضاف كميل ساميغولين " الجوار مع غير المسلمين حفز أجدادنا على التطور من أجل تحسين وضع المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، أتيحت لهم الفرصة لمقارنة التقاليد والثقافات المختلفة والسعي إلى حياة متناغمة وتطور لشعبنا. ونتيجة لذلك، بنى علماء الدين في منطقتنا الذين عاشوا وعملوا بمثل هذا الإدراك للقيم الإسلامية والواقع الروسي نموذجًا فريدًا وناجحًا ومرنًا لتطوير الإسلام في مجتمع متعدد الأديان وعملوا على تنشئة أجيال جديدة من المسلمين بفهم ذي مغزى فكريًا للقيم الإسلامية، مما يسمح بالجمع بين التسامح والخوف من الله سبحانه وتعالى وعلى طاعته".
في خطابه، أكد كميل حضرة مرة أخرى أن روسيا هي موطن كبير للعديد من الشعوب والطوائف الدينية التي دافعت مجتمعة دائمًا عن البلاد وبنت الدولة الروسية. كما شارك المسلمون في تكوين الأمة الروسية العظيمة. لم يفقد التراث الديني لمسلمي روسيا أهميته وينتظر منا، نحن الجيل الجديد من علماء الدين، دراسته وإحيائه ونشره. لدينا اليوم كل الامكانيات والمقومات لذلك. يقدم الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين ورئيس تتارستان رستم نورغالييفيتش مينيخانوف الدعم الكامل في هذا الشأن. وبفضل دعمهم، تم اليوم إنشاء الأساس المادي الضروري في البلاد لمزيد من التطوير الكامل للإسلام، بما في ذلك في الأكاديمية الإسلامية البلغارية. وأختتم كميل حضرة خطابه قائلا: نحن نعلق آمالاً كبيرة على خريجي الأكاديمية الإسلامية البلغارية، الذين يكتبون أطروحاتهم العلمية عن العلماء المسلمين الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن دينهم في روسيا، لكنهم اليوم منسيون وبلا ذكر واستحقاق.
وأشار منير بوشناقي، المستشار الخاص للمدير العام لمنظمة الـيونسكو، رئيس المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، إلى أهمية الحفاظ على التراث الإسلامي الغني والاعتراف به ونشره. كما أسهب في الحديث عن النجاح الذي تحقق بالفعل في هذا الاتجاه. و أوضح منير بوشناقي بالتفصيل عن يوم إعلان 18 تشرين الثاني / نوفمبر يومًا عالميًا للفنون الإسلامية هو اعتراف بمساهمة الاسلام في تطوير الحضارة وقال: " اسمحوا لي أن أذكركم أن البحرين بدأت في عام 2018 الاحتفال باليوم العالمي للفنون الإسلامية في 18 تشرين الثاني / نوفمبر. خلال الدورة التالية لليونسكو، تم دعم هذه المبادرة ، وهي ليست فقط اعترافًا بمساهمة الفن الإسلامي في تطوير الحضارة العالمية، ولكن أيضًا احتفالًا بالتنوع الثقافي. لسوء الحظ، بسبب الوباء ، كان لا بد من تقليص بعض الفعاليات، لكنني أتمنى أن نكون قد أوصلنا فكرة أن الفن الإسلامي هو ظاهرة تتطور باستمرار ولا تقتصر على الجغرافيا. لقد استوعب أكثر الميول تنوعًا للشعوب التي يوحدها الدين الإسلامي "، مشددًا على أن الإسلام يرحب بالتنوع والتفاهم والاحترام المتبادل ويمجده.