Ru En

كونستانتين شوفالوف: الغرب يدمر أسس النظام الدولي أمام اعيننا

٠٦ سبتمبر ٢٠٢٢

تتمتع روسيا الاتحادية بخبرة واسعة في بناء علاقات ثقة وشراكة مع دول العالم الإسلامي. ومن الأمثلة على ذلك الفعاليات الدولية التي يشارك بها ممثلو الدول الإسلامية . وعقد المنتدى العالمي للدبلوماسيين الشباب من دول منظمة التعاون الإسلامي في نهاية أغسطس/آب/ الماضي في عاصمة جمهورية تتارستان - مدينة قازان لم يكن استثناءً.


من أجل فهم أفضل لمكانة روسيا في الساحة الدولية وكذلك للتعرف على المستوى الحالي للعلاقات بين روسيا ودول العالم الإسلامي، تقدمنا ببعض الأسئلة لسعادة السفير المتجول شوفالوف كونستانتين فيكتوروفيتش، الممثل الخاص لوزير خارجية روسيا الاتحادية للتعاون والتنسيق مع منظمات الدول الإسلامية، نائب رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي".


- مساء الخير سعادة السفير كونستانتين فيكتوروفيتش واأهلا وسهلا بكم ونتقدم لكم بجزيل الشكر على منحكم الوقت والفرصة لمقابلتنا والإجابة على أسئلتنا!


          - تأسست مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" عام 2006. خلال هذه الفترة نفذت المجموعة عدد كبير من الفعاليات. ما هي الفعاليات التي قد تسميها شخصياً مهمة وما هي احتمالات المزيد من العمل لمجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"؟


         - مؤسسو المجموعة هم يفجيني ماكسيموفيتش بريماكوف ومينتيمر شاريبوفيتش شايمييف. بدأوا في التفكير بكيفية تقارب روسيا والعالم الإسلامي، وما يجب القيام به لإزالة ما تبقى من سوء الفهم والشكوك التي نشأت في العالم الإسلامي فيما يتعلق ببلدنا في الماضي والتحدث كيف يعيش بلدنا اليوم وكيف يعيش المسلمون وما هو دور الإسلام اليوم؟ تقرر إجراء مناقشة مشتركة للوضع في العالم بمشاركة أشخاص معروفين في روسيا والدول الإسلامية. كان الحديث حول الحوار الذي أهميته يفوق الأخبار اليومية وعلى وجه الخصوص حول العلاقة بين الحضارات.


       مرت مجموعة الرؤية الاستراتيجية بمراحل مختلفة في تطورها. بعد أن ترك مؤسسو المجموعة القيادة، توقفت الأنشطة لفترة، حتى كلف الرئيس فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين رئيس جمهورية تتارستان رستم نورغالييفيتش مينيخانوف بترأس المجموعة وقيادة نشاطها.


       بعد ذلك، قمنا بتعديل المهام وتحديدها، حيث تحولت مجموعة "روسيا - العالم الإسلامي" من نادي نقاش للمثقفين إلى منصة واسعة للمبادرات.


        نحن لسنا مؤسسة حكومية أو منظمة دولية، نحن لا نروج لمهام تعزيز التعاون بين الدول والتي تعتبر من صلب مهام حكومات روسيا والدول الإسلامية، لكننا نوفر الفرص للترويج لذلك للأشخاص الآخرين المهتمين بتطوير العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي. هناك الكثير من هؤلاء الأشخاص في الخارج وفي بلدنا. لدينا الكثير منهم خاصة في المناطق التي ينتشر فيها الإسلام تقليديا.


        ووقع هذا الدور على تتارستان. وقد اندمجت المجموعة مع منتدى قمة قازان الاقتصادي الدولي. تطورت القمة من مبادرة إقليمية إلى منتدى ذي أهمية فيدرالية وأصبحت مكانا للاجتماع الرئيسي ولإقامة اتصالات بين رجال الأعمال من روسيا والدول الإسلامية لمناقشة مشاكل الاقتصاد الإسلامي.


       يوجد في مجموعة الرؤية الاستراتيجية العديد من ممثلي رجال الدين وموضوع الحوار بين الأديان دائماً ما يكون حاضراً في مناقشاتنا وكذلك الوضع في مختلف جوانب الإسلام. من جانبنا، لا يشارك فقط قادة المجتمعات الإسلامية ولكن أيضا رؤساء الكنيسة الروسية الأرثوذكسية. غالبا ما تقام اجتماعات المجموعة هنا في قازان وبعضها في الخارج. أود ألا تتحول المجموعة إلى منصة يأتي إليها الضيوف لزيارتنا فقط. نعتمد في أنشطتنا على المشاركة الفعالة للزملاء الأجانب الذين يمكنهم أن ينقلوا إلى النخبة السياسية والأوساط العلمية وعلماء الدين في بلدانهم فهمنا لمشاكل العالم ونتائج عمل المجموعة.


        نحن نتعاون بنشاط مع صحفيي العالم الإسلامي. عقدنا عدة لقاءات بمشاركتهم، حيث تم مناقشة دور وسائل الإعلام وإمكانياتها في مكافحة الإرهاب.


          تم تكريس افتتاحة الاجتماع الأخير للمجموعة، الذي عقد في قازان في مايو/آيار الماضي لبرنامج الاحتفالات بمناسبة الذكرى 1100 لدخول بولغار الفولغا الدين الإسلامي وللهوية المدنية في الدول متعددة القوميات، التي تعتبر مشكلة ملحة لجميع الدول الإسلامية. تجربتنا هنا فريدة من نوعها ومعترف بها من قبل الجميع ومن الضروري التحدث عنها بمزيد من التفصيل.


ويجب الإشارة أيضًا إلى الأنشطة الإعلامية للمجموعة خصوصا بعد تحمل دار النشر "حضور" مسؤولية ادارة موقع المجموعة والذي نرى تغيرات إيجابية وكبيرة فيه. بالإضافة إلى المقالات الموضوعية، تُنشر أخبار عن مشاكل علاقات روسيا مع الدول الإسلامية والعالم الإسلامي، والتي لا يمكن العثور عليها بشكل كامل في مصادر أخرى باللغة الروسية.


    الموقع يُنشر بالإضافة الى اللغة الروسية باللغتين العربية والإنجليزية ونوعية وجودة إصداراته ازادت بشكل ملحوظ.


في هذه المقابلة، لا أرغب في تقييم نتائج عمل مجموعة الرؤية الاستراتيجية من حيث كمية ونوعية بعض الفعاليات. وقد تم بالفعل إجراء مثل هذه التقييمات من قبل قيادتها. دعونا نلقي نظرة على أنشطة المجموعة من وجهة نظر مختلفة. كما قلت، نحن منبر، ومهمتنا هي الدعم الشعبي الواسع لجهود تطوير العلاقات وتحقيق تفاهم أكبر مع العالم الإسلامي. هدفنا ورغبتنا هو توسيع دائرة المهتمين بهذا الأمر وهم موجودون بالتأكيد، حيث تشكلت دائرة من الأصدقاء حول المجموعة وربما تكون هذه هي النتيجة الأكثر أهمية لنشاطنا.


- كونستانتين فيكتوروفيتش، لقد ذكرت أعلاه بأن المجموعة عبارة عن منصة للتفاعل و احب اواصل فكرتكم إذا صح التعبير، هذا التفاعل هل لأشخاص لهم اهتمامات مختلفة .

وإذا لم أكن مخطئا، فقد اقتبس الرئيس فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين في أحد لقاءاته مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس إيران السابق واعتتقد عن صيغة أستانا فقد اقتبس آية من القرآن الكريم{ واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} - وهذا الإقتباس أثار من شفاه فلاديمير فلاديميروفيتش ضجة كبيرة بين رجال الدين الإيرانيين وبين شركائنا الأتراك. لهذا أرجو أن تحدثنا عن نجاحات المجموعة في دورها الخاص بالتقارب بين الأشخاص ذوي وجهات النظر المختلفة، لأنه بقدر ما هو معروف، فإن عضو مجموعة الرؤية الاستراتيجية من إيران يمثل منظمة التقارب بين المذاهب، أي في الحقيقة هذه منظمة للتقارب بين السنة والشيعة.


          - لا تروج المجموعة لأفكار التوفيق بين المعتقدات الدينية التي تسعى إلى جعل الأديان القائمة شيء مشترك وموحد . وبقدر ما أعرف الأرثوذكسية والإسلام، هي ديانات والهدف ليس جوهر تعاليمها. لقد أتيحت لي الفرصة لمناقشة هذه المسألة مع إمام الأزهر الطيب وهو يوافق تماماً على أن حوار الأديان لا ينبغي أن يهدف إلى مراجعة العقائد لان ديانات العالم لديها الكثير من القواسم المشتركة وتاريخ وجودها المشترك يمتد إلى أكثر من ألف عام.


للأديان مبادئ توجيهية حول كيفية التصرف فيما يتعلق بغير المعتقدين بها والخارجين عنها، لكن لا تشير لهذه المواقف بأي حال من الأحوال إلا ما تسمى بـ "الدولة الإسلامية". في المجموعة، وبمشاركة الضيوف المدعوين يدور نقاش حول مكانة الدين في العالم الحديث وكيف يجب أن تتفاعل الأديان وماهي الثقافة التي يجب ان تكون تجاه مؤمني مختلف الديانات ؟.


في الغرب، ثقافة الإلغاء التي أصبحت ذروة مسارهم الأيديولوجي الغني سابقًا، تنطوي في الواقع على إلغاء الدين وهنا لا يتم الحديث بشكل مباشر، ولكن إذا نظرت إلى المكان الذي أعطته الليبرالية الجديدة للدين فهذا المكان في المطبخ، خلف الأبواب المغلقة وهي ترفض الأديان لأنها تعتبرها ظاهرة اجتماعية وتختزلها إلى مرتبة المسألة الشخصية بحتة. وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن يكون الدين مسألة شخصية بحتة. كلمة "دين" ذاتها تعني "الصلة والمعاملة". نعم، صلة بالله سبحانه وتعالى والمعاملة مع الناس.


          وهذا النهج يقرب المسلمين والأرثوذكس الروس بشكل خاص.


            تحدث عن تقارب رؤيتنا قداسة البطريرك كيريل قبل فترة.


            كتب عنه القديس الروسي فيوفان المنعزل منذ القرن الماضي. نحن هنا في روسيا، الأرثوذكس والمسلمون مثل المسلمون في الخارج نختلف عن الليبراليين الجدد في الغرب وحتى عن أولئك الذين يعتنقون ديناً ولكنهم يقومون بتحديثه من حيث التكيف مع الليبرالية الجديدة. نحن نختلف في أننا ندرك الحقوق الجماعية للمؤمنين ولا نفرق المجتمع ولا نقسمه إلى أفراد وخلايا صغيرة، بل نرى المجتمع ككل كعملية وليس فقط كمجموعة من المكونات. يميز هذا عموماً طريقة التفكير الأرثوذكسية والإسلامية عن تلك الموجودة في الغرب منذ قرون وأدت إلى ظهور خطر نزع الصفة الإنسانية. يجب أن نقدم للناس إجابات مفهومة على أسئلة حول كيفية التعامل مع الآخرين - مؤمني الديانات الاخرى او من غير المؤمنين، وما هي الاختلافات بين الناس - العقبات التي يمكن ويجب إزالتها أو قبول ما تحتاجه لتعلم العيش وفقًا للضمير.


          حول الاختلافات في الأفكار توجد سور في القرآان الكريم أشارت في النصوص المقدسة للمسيحية . نعم، والمنطق نفسه يشير إلى أنها لا يمكن إلا أن تكون كذلك، لأن غياب الاختلافات يبسط النظام ويجعله بدائياً. النظام الذي جمع نفس العناصر بالضبط لن يتطور، إنه ميت ونحن من أجل الحياة وهذا هو السبب في أننا نريد أن تظل الاختلافات ولكن لا تكون موضوعاً للعداء بل مورداً للتنمية.


- في حديثكم في المنتدى، تطرقت إلى إنهيار أيديولوجية العالم أحادي القطب. متى ظهر عالم القطب الواحد وماهي سلبياته؟


- سأحاول شرح ما أفكر به حول هذا بصفتي الشخصية المتواضعة. القطبية تعني حكم العالم من مركز واحد والمبنية على مبدأ الهرم، مما يعني رفض المساواة والديمقراطية. بالطبع الديمقراطية عزيزة على القلب الغربي كنظير للغرب نفسه، كشعار سياسي وأيديولوجي مجرب ومختبر، لكن حتى بعض العلماء في الغرب الذين يصفون حالة الحاضر، يتحدثون عن فترة ما بعد الديمقراطية. للتنمية البشرية. تذكروا الثورة الفرنسية الكبرى التي بدأت بها المعجزة الغربية وكان شعارها "الحرية، المساواة، الأخوة"، والأخوة قد نساها الغرب في المقام الأول ومنذ فترة طويلة، كما نسى المساواة فعلياً. أولاً، لا توجد مساواة اقتصادية، وصانعو الديمقراطية الغربية لم يفترضوها أصلاً، وكذلك لا توجد مساواة سياسية. من الواضح للجميع أن اختيار رئيس الولايات المتحدة يختلف عن اختيار شيخ قرية. هذا مستوى مختلف من التكامل ومبادئ اخرى وصعوبة الإدارة. يدمر الغرب أمام أعيننا نظام البناء الدولي الذي يقوم على المساواة بين الدول ذات السيادة.


  المساواة لم تعد موجودة حتى في العلاقات بين الحلفاء الغربيين أنفسهم ومن المضحك ان تساوي الولايات المتحدة بإستونيا مثلا. في ما يتعلق بالدول الأفرو آسيوية ودول أمريكا اللاتينية، لم يكن لدى الغرب أبداً شعور بأن هذه الشعوب والبلدان متساوية معها. لم تذهب النظرة الاستعمارية للعالم إلى أي مكان- لا تشكك شعوب افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في ذلك على الإطلاق عندما يلاحظون أنواعاً مختلفة من الإيماءات التائبة تجاه السود اليوم.


  في السابق، سخر الغرب بازدراء عندما قيل في بلدنا عن الطبيعة الزائفة للديمقراطيات الغربية والتي تُقررها الأوليغارشية المالية واجهزة الإستخبارات. الآن وجود نظام حكم أصبح يعرف باسم الدولة العميقة ولا جدال فيه. هل توجد ديمقراطية في العلاقة بين المليار الذهبي - حفنة من الدول الغربية، وبقية العالم؟ نعم، لا يوجد ذكر لها. هم لا يريدون التفكير في الأمر. إنهم ينكرون تنوع الحضارات وسبل التنمية. بالنسبة لهم، في الغرب، هناك حضارة واحدة فقط، هي حضارتهم وهي المثال الأعلى والبقية يسعون لتحقيقها بمعدلات مختلفة لكن دون أمل في أن يصلوا إلى النهاية.


بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، شعرت الولايات المتحدة بأنها القوة العظمى الوحيدة وعلى استعداد لقيادة العالم وفقًا لمبدأ السلام الأمريكي - باكس امريكانا؟ وماهو هذا المبدأ؟ كان هناك في وقت من الأوقات باكس رومانا (علاوة على ذلك، كلمة باكس أنثوية في اللاتينية، لكننا سنقول "كان" وليس "كانت"، يبدو الأمر صحيح). هذا المبدأ بجوهره نظام فريد لإدارة منطقة شاسعة جداً مستعبدة شعوباً جديدة ولم يُطردوا النبلاء المحليين، بل أندمجو ببساطة، مما وفر الحماية الخارجية أثناء الخضوع للقانون الروماني. ثم سارت الأمور بشكل أسهل، ونجحت بالفعل لفترة طويلة لكنها انتهت بالانهيار. تسمح الولايات المتحدة أيضاً للدول الخاضعة للحكم الذاتي إلى حد ما مقابل التخلي عن السيادة الحقيقية ولكن بمجرد إصدار أمر بشأن قضية مهمة حقًا تكون هذه الدول ملزمة بالامتثال له. وهم يفعلون ذلك كما نرى الآن في حالة التضامن الغربي المتبجح في القتال ضدنا.


        ما هي سلبيات احادية القطب؟ في الحقيقة أن أي هرم سلطوي محدود في إمكانية الإدارة الفعالة ولا يستجيب بسرعة وفعالية للتغيرات، والأهم من ذلك، لا يُنظر إليه على أنه نظام عادل، لأنه لا يأخذ في الاعتبار بشكل كاف التنوع والاختلافات الإيجابية بين مكونات ادراته.


      ما الذي يمكن أن يكون بديلاً عن القطب الواحد؟ أولاً، تعددية الأقطاب التي نتحدث عنها. من حيث المبدأ، القطب الواحد يعارضه الهيكل الشبكي للحكم ووجود العديد من المراكز تتفاعل مع بعضها البعض، ليس وفقاً لقواعد الحرب وإلا سنعود إلى مرحلة الإقطاع ولكن على أساس القانون، القانون الدولي وليس القانون الذي سيأتي به الغرب لنا دون مشاركتنا في تاسيسه بشكل قواعد جديدة للسلوك الدولي، الذي ينشأ على أساس الموافقة المشتركة وتلتزم به طواعية. هكذا أرى إمكانية وجود بديل للاحتكار والقطبية الواحدة.


       مبدأ الشبكية أو الطريقة متعددة الأقطاب لبناء العالم افضل لديمقراطيته الواسعة وعدالة أكبر للمشاركين فيه. من حيث المبدأ، هو الآن في نواة وقلب الاهتمام، لأن كلا من العلم والتنمية البشرية يكشفان الآن عن مزايا الشبكة مقارنة بالتحكم من مركز واحد. الإنترنت عبارة عن شبكة. ومثل الشبكة يعمل دماغنا وإلى حد ما وعينا. وطرق وأشكال التفيكر الغير غربية فهمت هذا منذ زمن بعيد وكان الإسلام من بين الأوائل.


         ظهر مبدأ الأمة ومبدأ الإجماع ورضا المسلمين كمفتاح ملازم في حكم الإسلام. داخل الأمة نلاحظ إمكانية وتحقيق هذه التعددية القطبية. تعاليم متنوعة، مذاهب مختلفة تتعايش، مدارس مختلفة داخل المذاهب. لقد تحدثت عن المنظمة الإيرانية لتقارب المذاهب. كان يرأسها ذات مرة الراحل آية الله الطشيري، الذي كنت أعرفه شخصياً. من نواح كثيرة، اشتهرت المنظمة المذكورة بفضل الطاقة التي لا تعرف الكلل لهذا الرجل ونشاطه الدؤوب. لا أجرؤ على القول كيف تحدد منظمة التقارب المذاهب الآن أهدافها لنفسها، لكن من المحادثات مع الطشيري لم أستنتج أن التقارب بين المذاهب يلغى احدهما الاخر. هناك محاولات لإيجاد المزيد من التفاهم المتبادل، لأنه بالإضافة إلى اللحظات التشريعية البحتة، من بين الخلافات بين الشيعة والسنة، هناك من يدين بذلك برجوعه إلى وضع ثقافي وتاريخي مضى وهم متعصبون وليسوا بالعقل"، كما يقول الأرثوذكس، ضاعفوا الاتهامات المتبادلة. إنها موجودة في الذاكرة حتى يومنا هذا وتعاود الظهور أحيانًا في بيئة راديكالية. أدى تنظيم التقارب بين المذاهب في بعض الحالات إلى إخماد العناصر المتبقية من الخلاف بنجاح. هذه المنظمة كانت وستبقى الآلية الرئيسية للحوار من الجانب الإيراني المشارك في مراحل حوار عديدة موجودة في دول مختلفة وفي العالم ككل.



- كونستانتين فيكتوروفيتش، أود أن أسأل عن مشاركتكم في أعمال منتدى الشباب العالمي في روسيا وبلدان منظمة المؤتمر الإسلامي ما هو الغرض الرئيسي من هذا المنتدى في رأيك؟


- هذا المنتدى ليس الأول، والجديد الآن هو أنه يُقام لأول مرة في دولة لا تتمتع بالصفة الرسمية كعضو في منظمة التعاون الإسلامي. إن قرار اختيار قازان عاصمة لشباب منظمة التعاون الإسلامي للعام الحالي كان مثيرا للاهتمام ونرحب به وهو مؤشر على أن سنوات عديدة من الجهود المبذولة لتطوير العلاقات مع العالم الإسلامي ومنظمته الرئيسية منظمة التعاون الإسلامي تؤتي ثمارها من الثقة. لقد بدأت حقا في الوثوق بنا أكثر وهذه ميزة كبيرة بالطبع لتتارستان لأن قازان أعلنت عاصمة للشباب دول المنظمة.


يتضمن جدول أعمال مؤتمر القمة الحالي للشباب عدداً من البنود وقد عقد اجتماع لهذا المنتدى اليوم، وأشير إلى ذلك ولا أود أن أسرد بالكامل ما قاله منظمو المنتدى الهدف الرئيسي الذي أنشئت من أجله الحركة الشبابية لمنظمة التعاون الإسلامي، هو تعزيز الأشكال المثلى لتحقيق الذات للشباب في العالم الإسلامي والبلدان الإسلامية. وعلى عكس مناطق أخرى من العالم، فإن الدول الإسلامية أصغر سناً، بمعنى أن لديها نسبة أكبر من السكان الشباب. مشكلة العمالة بعد التعليم أكثر حدة وفي البلدان الفقيرة هناك صعوبات في الحصول على التعليم في حد ذاته وفي تعليم المرأة على حد سواء. سيركز المنتدى على كيفية مساعدة الشباب وما هي السياسة التي يجب اختيارها حتى ينتقل الشباب في أقرب وقت ممكن من حالة التلمذة الصناعية والمراهقة إلى حالة المواطنة الكاملة، والمشاركة في الحياة السياسية والأهم من ذلك - يجدون أنفسهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.


غالباً ما يحدث أن يؤدي الوضع المختل وظيفيا بشكل عام إلى مشاكل مستقبلية. من المهم أن نفهم أن الشباب لا يعارضون الأجيال الأخرى داخل المجتمع وأنهم ليسوا غرباء.

من الضروري ضمان عدم ترك الشباب بدون أنشطة تهمهم و تنميهم حتى يتمكن الشباب من إنشاء عوائلهم في الوقت المناسب وإنجاب الأطفال وتحمل المسؤولية الاجتماعية التي يقبلونها لأنفسهم و القدرة على تحملها. وبطبيعة الحال، يجب على المجتمع نفسه ألا ينظر بازدراء إلى هذا الجزء الحيوي منه وأن يتذكر أن الشباب هم المدعوون إلى حمايتنا بالأسلحة في أيديهم، إذا لزم الأمر.


- كونستانتين فيكتوروفيتش، هل يستمعون إلى صوت الشباب في السياسة العالمية الآن؟ وهل هذا ضروري؟


- سؤالي معكوس. أين هذا الصوت؟ من يخبرهم بما يمكن أن نسميه صوت الشباب؟ الشباب ليسوا حزباً، وليسوا مجموعة عرقية منفصلة - إنهم جزء من المجتمع وهم مجموعة لديها اهتماماتها الخاصة، ولديها حداثة في نهج الحياة ورؤيتها حتى أن لديها خبرة في بعض المجالات التي لا يمتلكها الآباء. يعلم الجميع جيداً أن متخصصي تكنولوجيا المعلومات لدينا جميعهم من الشباب، وفي هذا المجال نركز على الشباب ونتعلم منهم. إن تأليب الشباب ضد بقية المجتمع سواء في دور ثانوي أو قيادي يأتي بنتائج عكسية ولا يؤدي إلى أي نتائج جيدة. من الضروري تهيئة مثل هذه الظروف عندما يعيش المجتمع ويشيخ وفقاً لقوانين الطبيعية وأي حرمان من الشباب يضر بالمجتمع نفسه.

 

ومن ناحية أخرى، أود أن أشير إلى التجربة القائمة في البلدان الإسلامية في حل مشاكل الاندماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب. وعلى وجه الخصوص، ذكر بطريقة مثيرة جدا للاهتمام في اجتماع هذا المحفل اليوم. ولكنني متشائم على سبيل المثال، إزاء محاولات توزيع الحصص على أي مجموعة من السكان سواء كانوا شبابا أو نساء أو حاملين لعلامات هوية أخرى. نحن نرى العديد من هذه المحاولات في الغرب إذا لم نصوّت في الانتخابات للشخص الذي يعبر عن اهتمامنا من مختلف الأعمار الاجتماعية والجنس والطبقات الأخرى، فأي نوع من الحكم سيكون؟


قد تكون هناك أفكار مختلفة حول صوت الشباب، ولكن اليوم فيما يتعلق بتتارستان تحدث ممثلوها في إشارة إلى الرئيس مينيخانوف، عن نهجه وهو أن القضايا المتعلقة بالشباب لا ينبغي حلها بدونهم. لم أستطع أن لا أتفق مع ذلك.


- عام 2022 مهم من حيث أن هذا العام يصادف الذكرى السنوية ال 1100 لدخول بولغار الفولغا الدين الإسلامي. من المعروف أن هذا التاريخ يتم الاحتفال به على نطاق واسع على المستوى الفيدرالي. هل أثر هذا الظرف على التفاعل الثقافي والسياسي داخل روسيا من جهة وروسيا مع العالم الإسلامي من جهة اخرى؟


- هذه الذكرى مهمة على وجه الخصوص، لأنها تأتي في وقت حاول فيه الغرب أن يحعلنا منبوذين ليثبت للجميع أننا في عزلة تامة. وتظهر الاستجابة في الخارج للاحتفال بالذكرى السنوية ال 1100 لدخول بولغار الفولغا الدين الإسلامي، بأن المسلمين الأجانب استجابوا لهذه الدعوات. بهذا ليست هناك حاجة للحديث عن أي عزلة لروسيا جاء الضيوف لزيارتنا علاوة على ذلك، فهي لا تأتي مع أوراق الغش الغربية، التي تخبرهم بما يجب أن يقولوه أو لا يقولوه بشأن القضايا الحادة. إنهم يعبرون عن رأيهم الخاص بحرية وهو أمر غير سار للغاية بالنسبة للغرب.


نحن لا نتوقع إجماعاً كاملاً من الشركاء الأجانب. لقد تحدثنا بالفعل عن هذا. كل شخص لديه رؤيته الخاصة، لكننا نحترم رؤية الشريك الذي ينتمي إليه والتي تأتي من فهم مصالحه الخاصة والتي تتشكل احتراما لمصالح الشريك.


- لا يوجد بلد في العالم يعتبر الصراعات أمراً طبيعياً. ما الذي ينبغي أن يفعله كل فرد والمجتمع ككل من أجل تسويتها وحلها دبلوماسيا؟


- يجب أن أختلف مع رسالتك الأولى بأنه لا أحد مهتم بالصراعات ولا أحد يعتبرها طبيعية. كم كبير من الناس مهتمين بهذا، الذين لا يعتقدون فقط أنه أمر طبيعي ولكن يعتقدون أنه طريق التنمية البشرية. نلاحظ عملياً، وخاصة في السياسة الخارجية للإمبراطوريات مثل البريطانيين، استخدام طريقة خلق الصراعات بشكل مصطنع لحل أهدافها. وقد تم ذلك لعدة قرون ولا يزال يتم القيام به. وهذا ما يجري الحديث عنه علناً، ومن ثم، للأسف، لا يشاطرنا الجميع رغباتنا في تجنب الصراعات.


فالصراعات هي مظاهر للتناقضات والتناقضات هي مظاهر للاختلافات الاختلافات كما قلنا من قبل ليست مُسلّماً بها من قِبَلنا بل من الله، وهي أن الله خلق الناس مختلفين، ولماذا فعل ذلك في الواقع. إن إحداث فرق و قمع هذا الاختلاف ينشئ الصراع على أساس الرغبة في قمع وجهة نظر لا تتوافق مع وجهة نظر الشخص، ولكن هذا بالطبع فعل خاطئ ويجب تجنب ذلك، وهذا يتم تدريسه من قبل الأديان التي تستحق أن تسمى أدياناً على الرغم من أنه لا يمكن توحيد جميع الأديان بهذا المعنى. وربما تعكس الدعوة إلى السلام وجهة نظر مثالية لوجود الناس والعلاقات. يجب على من لديهم ضمير والذين يفكرون في الآخرين على أنهم إخوانهم من البشر، أن يفهموا ذلك.


- هل يسعى الشباب المسلم إلى تلقي التعليم الديني في الخارج اليوم؟ ماذا يمكنك أن تقول عن تجربة روسيا في هذا الاتجاه؟


- السؤال ليس سهلاً وغامضاً، ولقد كنت مشغولاً به لعدة سنوات. في روسيا هناك مجلس للتربية الإسلامية وهو الهيكل الوحيد الذي تشارك فيه جميع جمعياتنا الدينية والمفتيين الإسلاميين من أجل تبسيط تلقي التعليم الديني في الخارج وإخراجه من حالة الفوضى التي كانت موجودة بالفعل، عندما ذهب الجميع لدراسة التربية الإسلامية وتلقوها في أماكن مختلفة، وأحيانا يطلقون على التعليم الإسلامي مُسمّى غير إسلامي او غير تعليمية. لسوء الحظ، غالباً ما يحدث هذا الآن. أتفق مع قيادة مجلس التربية الإسلامية على أن اختيار المراكز الأجنبية للتعليم قد قادنا إلى أنه، ولأسباب مختلفة، تم القضاء على العديد من المراكز ذات الصلة - شخص ما لديه تعليم بلغة لم يعد مواطنونا العائدون بحاجة إليها في مكان ما مكلف للغاية، وفي مكان ما الجودة مشكوك فيها، وفي مكان ما في العملية التعليمية هناك مواد لاعلاقة لها بالدين والتشريع ولكن الكثير من الايديولوجية وغالباً ما تكون متطرفة.


بطبيعة الحال، ليس من الحكمة إرسال المراهقين الذين لم يتلقوا تعليماً ثانوياً مناسباً في وطنهم إلى الخارج لأغراض التربية الإسلامية. ليس من الحكمة إرسال هؤلاء الأولاد إلى الأزهر لتعليم "الأبجدية" هناك. ولكن إذا كنت بحاجة حقاً إلى الدراسة في الخارج فهذا للحصول علي الدراسات العُليا.


يرتبط التعليم ارتباطاً مباشراً بالطلب على تخصص معين. عندما يكون هناك الكثير من الأشخاص الذين لديهم المستوى العلمي اللازم للحصول على المنح الدراسية، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الشخص قد استفاد من أفضل سنوات حياته، وحصل على الشهادات والدرجات العلمية المرجوة.


التعليم في الخارج كان ولا يزال وسيكون، لكنني أود ألا يكون فوضوياً، أولاً، بحيث يخدم مصالح الأمة، وألا ينتهي بجمع الشعارات. هل من المفيد أن يكون هناك تعليم في الخارج لحياة المسلمين هنا و حياة الإسلام؟ ربما هذا سؤال يحتاج إلى طرحه. إذا لم تسأل نفسك إذا كنت تنأى بنفسك عن مصالح أمّتك مقدماً، فإن هذا الخيار بالطبع مهم ولكن إلى أي مدى يرتبط بحقيقة أن الشخص يعتبر نفسه مسلماً روسيا؟ هذه هي وجهة نظري أو رأيي الشخصي بعد مشاهدة ما يجري.


- في نهاية هذا الحوار لا يسعنا الا ان أشكركم جزيل الشكر سعادة السفير كونستانتين فيكتوروفيتش على إجاباتكم القيّمة وعلى الوقت الذي تكرمتم بمنحه لقرائنا!

 

 

مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"