عُقدت بجامعة ماليزيا الإسلامية العالمية في الـــ 12 من كانون الاول/ ديسمبر 2024 جلسة حوارية بعنوان "روسيا – العالم الإسلامي: الحوار بين الحضارات"، وذلك في إطار الاجتماع العاشر لمجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي" حول موضوع التفاعل بين روسيا والعالم الإسلامي في عصر التعددية القطبية الناشئة.
وحضر الجلسة الأعضاء أعضاء المجموعة وممثلي عن جامعة ماليزيا الإسلامية العالمية ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى زعماء دينيين وعلماء من روسيا والدول الإسلامية. وكان الموضوع الرئيسي والأبرز للمناقشة هو تجربة التفاعل الحضاري بين روسيا والعالم الإسلامي، فضلا عن مقترحات لتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وخاصة في مجال التعليم، حيث أولى المشاركون في الجلسة اهتمامًا كبيرًا بالمناقشات حول مفهوم "الأمة" في سياق العالم الحديث والتقاليد الإسلامية.
ومن المهم الإشارة الى أن الحدث بدأ بتوقيع مذكرة تفاهم بين الجامعة الإسلامية العالمية ومنتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي - وقد أرست الوثيقة الأساس للتعاون بين الطرفين في المجالات الاجتماعية والثقافية والعلمية. وأشار ممثل منظمة التعاون الإسلامي محمد صلاح تكية خلال الجلسة إلى أنه يجب استخدام التعليم كأداة لتحقيق التفاهم المتبادل في عملية الحوار بين الحضارات.
وفي كلمته الافتتاحية تحدث رئيس الجامعة الدكتور عثمان بكار عن مركز الحوار الحضاري بجامعة ماليزيا الذي أسسه عام 1996. ومن وقت لآخر ، حضر ممثلون من إيران وتركيا ودول الشرق الأوسط والآن روسيا إلى المركز. وقال الدكتور بكار: "إن هذه الزيارات مهمة للغاية بالنسبة لماليزيا لأننا دولة متعددة الأعراق والأديان والثقافات"
السؤال الأول الذي طرحه مدير الجلسة – نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية البروفيسور محمد أسلم حنيف، مخاطبا مدير معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، علي أكبر عليكبيروف، تعلق بالاستعراض التاريخي لتطور العلاقات بين روسيا والحضارة الإسلامية .
بعد انهيار القبيلة الذهبية، وهي دولة إسلامية في العصور الوسطى احتلت أراضي روسيا الحديثة، أصبح العديد من التتار جزءًا من الطبقة الأرستقراطية الروسية. وقال عليكبيروف إن التعايش بين المسلمين والمسيحيين أصبح تجربة فريدة من التفاعل التاريخي. وأشار المستشرق الروسي إلى ان ذلك ما يميز روسيا عن الدول الأوروبية.
وقال: "في الغرب، تم نشر القرآن وترجمته إلى اللغات المحلية من أجل دراسة المسلمين وحكمهم. وفي روسيا، نُشر القرآن الكريم لأول مرة في عهد كاترين الثانية لتوفير الاحتياجات الروحية لمسلمي الإمبراطورية الروسية".
وكانت هناك بعض أوجه التشابه اللاهوتية المثيرة للاهتمام في التعليقات على الإجابة.حيث علق البروفيسور عمر جها - ممثل غامبيا وخريج الجامعة الإسلامية العالمية في سياق الوضع الجيوسياسي الحديث، قارن روسيا الاتحادية بالإمبراطورية الرومانية الشرقية - وهي دولة دينية هزمت الوثنيين الفرس. تحكي السورة الثلاثين من القرآن الكريم " الروم " .
وأشارت السيدة روسني بينتو حسن الأستاذة في معهد الخدمات المصرفية والتمويل الإسلامي بالجامعة الإسلامية العالمية إلى الاحترام والابتكار والازدهار والثقة والتنمية المستدامة والرعاية - هذه هي ركائز التمويل الإسلامي الحديث" . ماليزيا، بلد رائدة في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية والجامعة الإسلامية تعتبر مراكزا عالميا للخبرة. كما أعربت البروفيسور روسني عن ثقتها في أن روسيا وماليزيا ستتمكنان من إقامة تعاون بين الجامعات في القضايا التعليمية في هذا المجال.
شاركت مديرة المركز الدولي للدراسات العسكرية والأمنية الاستراتيجية (تونس)، بدرة جعلول، رأيها في مفهوم “الأمة” قائلة: "هناك أكثر من مليار شخص منا في العالم، ولكن اليوم هناك بالفعل مشكلة تقسيم الأمة"ـ وبحسب جلول، فإن أحد الأمثلة الواضحة على الانقسام هو عدم وجود وحدة في مقاومة النظام الصهيوني الإسرائيلي الذي يستولي على الأراضي في فلسطين وسوريا ولبنان.
ولدهشة مدير الجلسة، أصبحت مناقشة مفهوم "الأمة" محورية في الجلسة. وهكذا تحدث الأمين العام للمنظمة العالمية للتقارب بين المذاهب حامد حولي شهرياري عن كتابه المخصص لهذا المفهوم. ووفقا للسيد شهرياري، فإن جذور مشاكل الأمة الحديثة تكمن في الافتقار إلى التعليم المناسب.
وقال السفير الروسي فوق العادة والمفوض رمضان عبد اللطيبوف: "يمكن أن يكون التعليم متوسطًا، لكن التنشئة يجب أن تكون أعلى". وانتقد الدبلوماسي مؤسسات التعليم العالي الحديثة التي تتجاهل قضايا غرس النظرة العالمية التقليدية بين جيل الشباب. وفي هذا الصدد، أكد السيد عبد اللطيفوف على الدور الهام للحوار في التفاعل بين الحضارات.
كما قدم العميد دين شمس الدين، الأستاذ في الجامعة الإسلامية الوطنية ورئيس المركز العالمي للإسلام المعتدل مفهومه للأمة قائلا:" إن مفهوم "الأمة" لا يشير إلى المسلمين فحسب، بل إلى المجتمعات الأخرى أيضًا، بما في ذلك المسيحيين. أنا شخصياً أفهم مفهوم "الأمة" كمجتمع له نفس الأهداف".
وأشار فيتالي ناؤمكين، المدير العلمي لمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إلى أنه "وفقا للتقاليد القرآنية، لا يقتصر مفوم الأمة على مجتمع من الناس، بل حتى الحشرات، على سبيل المثال النمل". وهذا مثال كلاسيكي على الإسلام الإنساني الاستثنائي. ودعا ناؤمكين إلى تبادل المنشورات العلمية بين المجتمعين العلميين الروسي والماليزي.
- "إن مشكلة الانفصال هي أيضًا مشكلة حياتنا الخاطئة، وانفصالنا عن الله"، هذا ما قاله متروبوليت قازان وتتارستان كيريل في كلمته المخصصة لتنفيذ الحوار بين الأديان. وأشار سماحته إلى أن أول قرآن كريم باللغة الروسية صدر بمبادرة من أساتذة مدرسة قازان اللاهوتية.
وقد تقدم المتروبوليت إلى البروفيسور بكار باقتراح للتعاون بين إكليريكية قازان والجامعة الإسلامية العالمية، كما قدم زميله، متروبوليت سرجيوس مطران سنغافورة وجنوب شرق آسيا، الذي أضاف خطابه ملاحظة جديدة إلى الحوار.
وقال رئيس الإكساركية البطريركية في هذه المنطقة: “إن تجربة بلدي التاريخية تساعد في الخدمة”. وبالنظر إلى النطاق الواسع للأنشطة، رأى المتروبوليت سرجي أنه من المناسب تشكيل فريق عمل دائم في الجامعة الدولية للحوار بين المنظمات الإسلامية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية في بلدان جنوب شرق آسيا.
من جانبه، تحدث رئيس حزب المشروع الوطني العراقي جمال خميس (الداري) عن تجربته الشخصية. كان العراق يعيش كدولة واحدة، ولكن بعد عام 2000، عندما حدث احتلال الجيش الأمريكي، تم تقسيم العراقيين قسراً إلى سنة وشيعة وعرب ومسيحيين وما إلى ذلك. وقد تم تسهيل ذلك إلى حد كبير من خلال وسائل الإعلام الخارجية التي جاءت مع القوات الأمريكية وأثرت على الشباب العراقي.
اليوم، لسوء الحظ، هناك الكثير من المعلومات المزيفة - قال المفتي روشان أبياسوف، نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، إن الناس يخافون حتى من القدوم إلى هذا البلد أو ذاك لأنهم لا يعرفون ما الذي يحدث هناك بالفعل. إلا أن مثل هذه اللقاءات العملية والمعارض والمحاضرات تعمل على تعزيز القيم المشتركة رغم المعلومات المضللة. ومن الجدير بالذكر أن روشان حضرة ألقى محاضرة بعنوان "الإسلام في روسيا" في الجامعة الإسلامية العالمية عام 2022
وفي نهاية الجلسة، قدم رئيس الجامعة الإسلامية عثمان بكار مقترحات بشأن التفاعل في مجال التربية الإسلامية، بما في ذلك التركيز على تحليل الآيات الأساسية للقرآن الكريم ومواصلة الحوار بين الحضارات. ودعا في هذا الصدد إلى إنشاء برامج ماجستير في كل دولة من الدول المشاركة لدراسة مفهوم "الأمة". وفي هذه الحالة لا بد من تحديد مركز عالمي واحد في إحدى العواصم: كوالالمبور أو كابول أو طهران أو قازان.
" أولوية لمجموعتنا هو بالتحديد حوار الحضارات، والقضية الأكثر أهمية التالية تظل قضية التعليم والعلوم والثقافة والعلاقات مع الجامعات" - لخص الجلسة نائب الرئيس المجموعة الإستراتيجة فريت موخاميتشين. وأشار أيضًا إلى أن خطط المجموعة تتضمن أحداثًا كافية للعمل المشترك خارج روسيا الاتحادية، ومن الممكن الآن إبلاغ الزملاء من ماليزيا عنها بغرض ان يكون الإعداد أكثر وضوحا وفائدة.