أصبحت جمهورية تتارستان منصةً للحوار بين خبراء الدراسات القرآنية والإسلامية وجيلٍ جديد من الباحثين، ولهذا نظمت الإدارة الدينية لمسلمي روسيا والأكاديمية الإسلامية البولغارية ووزارة الأوقاف القطرية، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2025 حلقة نقاش في مقر الأكاديمية في قازان - عاصمة جمهورية تتارستان الروسية. وتكمن خصوصية هذه الحلقة في المشاركين فيها، إذ ضمت علماءً بارزين، وطلاب برنامج الدراسات القرآنية في جامعة "قازان" الإسلامية، وطلاب مدرسة الذكرى الألف لاعتماد الإسلام، وطالبي العلم في الأكاديمي .
رحب رئيس الأكاديمية، فرحة حُسنُودينوف لدينوف، بالمشاركين، مشيراً إلى أن اختيار مكان الحلقة النقاشية لم يكن محض صدفة.
وأكد ُسنُودينوفالدينوف: "لقد عمل عالمنا الديني التتري شهاب الدين المرجاني ودرّس، وأدار النقاش في هذا المبنى لسنوات عديدة". وقد احتضنت جدران هذه المدرسة كوكبة من الشخصيات التي أرست دعائم النهضة الإسلامية الحديثة في روسيا. وأشار رئيس الجامعة إلى أن "الطلاب الذين يدرسون علوم القرآن الكريم بجد اليوم سيشكلون وجه أمتنا في غضون سنوات قليلة".
وعبّر حُسنُودينوف الدينوف عن امتنانه لشركائه الأجانب والروس، لا سيما دعم وزير الأوقاف القطري، غانم الغانم. كما وجّه كلمات شكر وتقدير إلى الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية لمشاركتها في تنظيم هذا الحدث. وأشاد بشكل خاص بعمل الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية التابعة لوزارة الثقافة، التي نفّذت في فترة وجيزة العديد من المشاريع المهمة، مثل المعرض الدولي "عالم القرآن".
وباسم الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، رحّب المفتي روشان حضرة عباسوف، نائب رئيس الإدارة الدينية للشؤون الدولية، بالمشاركين في حلقة النقاش، مشيراً إلى أن هذا اللقاء العلمي يُعقد في عامٍ استثنائي للعالم الإسلامي أجمع.
وأكد عباسوف: "نحتفل بالذكرى الـ 1500 لمولد خاتم الأنبياء والرسل، محمد ﷺ"، مضيفاً: "إن هذا يُتيح فرصةً للتأمل في كيفية استمرار رسالة إيصال كلام الله تعالى إلى قلوب الناس".
وذكر المفتي: "عند افتتاح مسجد موسكو الجامع (2015 - ملاحظة المحرر)، دعا الرئيس فلاديمير بوتين، معلناً عن إنشاء الأكاديمية، رجال الدين المسلمين إلى بذل كل ما يلزم لإحياء الفكر الفقهي الروسي".
ويجري حالياً عملٌ مكثف في هذا المجال. وأعرب عباسوف عن تقديره لجهود أعضاء هيئة التدريس والعلماء في الجامعات الإسلامية الروسية. كما شكر وزارة الأوقاف القطرية، منوهًا بالتطبيق العملي للشراكة بين المؤسسات الروسية والقطرية.
دعا المفتي المشاركين في حلقة النقاش إلى حفل الافتتاح الكبير لمعرض "عالم القرآن"، الذي امتد هذا العام إلى أربع مناطق في روسيا. وقال عباسوف: "أظهر المعرض إمكانية تقديم القرآن الكريم للناس بطريقة تُقرّب نوره إلى الجميع"، مضيفاً أن التفاعل والتقنيات الحديثة تُتيح "إدراك النص المقدس بقلبٍ رحب".
وتناول مارات غاتين، مساعد رئيس الجمهورية، ونائب رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"، موضوع الشراكة الدولية في كلمته الترحيبية.
كما أشار رشان حضرة، يُنفَّذ عملٌ واسع النطاق في إطار الجامعات الإسلامية، بما في ذلك الأكاديمية. وتُقام فعاليات علمية هامة، وتُبسَّط العملية التعليمية، وتُعزَّز العلاقات الدولية، كما أكد غاتين. كما أعرب نائب رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" عن امتنانه الخاص لزملائه القطريين.
وأكد غاتين: "مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" على استعداد للعمل كمساعد، حيث يمكننا أن نكون أداةً لتنفيذ المشاريع والمبادرات التي تقترحونها". وأكد على دور الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية في توسيع نطاق الأنشطة في مختلف المجالات المتعلقة بالإسلام، وشرح منصبه كمساعد: "لقد أشرتُ مرارًا وتكرارًا إلى أن الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، في رأيي، رائدة، على الأقل في الأنشطة الثقافية الدولية".
وأعرب مارات غاتين عن استعداده للتعاون قائلاً: "يسعدنا مواصلة تنفيذ المشاريع المشتركة معكم والعمل لصالح البلاد والأمة الإسلامية".
مثّل العرض التقديمي الذي قدّمه رفيق موخاميتشين، رئيس مجلس التعليم الإسلامي، ورئيس المعهد الإسلامي الروسي، ونائب مفتي جمهورية تتارستان لشؤون التعليم، نقطةَ الانتقال إلى الجانب العلمي من حلقة النقاش. وكان موضوع العرض التقديمي "الدراسات القرآنية في نظام التعليم الإسلامي المهني في روسيا: المشكلات والآفاق".
ووفقاً لموخاميتشين، تنبع المشكلة الأساسية للدراسات القرآنية الروسية من إرث "الطفرة" التي شهدتها ترجمات القرآن الكريم بعد البيريسترويكا. خلال تلك الفترة، اقترنت جهودٌ غير احترافية، مثل ترجمة فاليريا بوروخوفا، بموجةٍ من العمل غير الصحي. وكما وصفت الباحثة الشهيرة إفيم رضوان عملها، فقد كان "مزيجاً من إدارةٍ ناجحةٍ للغاية وتنفيذٍ غير كفؤٍ للغاية لمهمةٍ علميةٍ معقدة". وعلى الرغم من انضمام مستشرقين بارزين لاحقاً إلى العمل، إلا أنه لم يظهر بعدُ نهجٌ علميٌّ موحدٌ لمعايير ترجمة القرآن الكريم والتعليق عليه في روسيا. نتيجةً لذلك، ورغم تنوع المحاولات، لا تزال ترجمة إغناطيوس كراتشكوفسكي الأكاديمية هي المعيار المُعتمد لدى معظم الباحثين.
البحوث الحديثة مُجزأة وتُجرى في عدة مراكز - مدرسة "سانت بطرسبرغ للدراسات الشرقية"، ومعهد "الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم"، ومعهد "الدراسات الآسيوية والأفريقية" بجامعة "موسكو الحكومية". ورغم الأعمال المهمة، مثل دراسة رضوان "القرآن وعالمه"، أو الكتب المنهجية لفلاديمير ليبيديف، الذي يحظى إتقانه للغة العربية بتقدير كبير من المتخصصين، إلا أن هذا المجال يفتقر إلى منهجية وتنسيق موحدين، ولا تزال العديد من المشاريع، مثل ترجمة أنس خالدوف إلى التتار، غير مُكتملة أو غير منشورة.
كما تضمنت حلقة النقاش أوراقاً بحثية تغطي مجموعة واسعة من مجالات الدراسات القرآنية الحديثة. وتناول المشاركون قضايا بحثية أساسية - تاريخ طبعات "قازان" للقرآن ودورها في الثقافة الأدبية، بالإضافة إلى تأثير الزخارف القرآنية على الأدب الوطني - والمشكلات المنهجية الراهنة، بما في ذلك ترجمة المصطلحات المتخصصة والمناهج الجديدة لتفسير النصوص المقدسة. وقد أظهر هذا النهج المتعدد الأوجه عمق وتعقيد دراسات القرآن الكريم في الدراسات العلمية والفقهية الروسية المعاصرة.
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
الصورة: Tariq Abro/Pixabay
الصورة: الأكاديمية البولغارية الإسلامية