د. شهاب المكاحله
كان العالم بانتظار القمة الروسية - الأفريقية في سانت بطرسبيرج التي عقدت في ٢٧ من يوليو ٢٠٢٣ بحضور عدد من القادة الأفارقة. واليوم بات العالم يراقب بأهمية هذا التجمع في تشكيل المشهد العالمي المستقبلي. هذا الحدث الفصلي ليس مجرد نقطة تحول في العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والقارة الإفريقية، بل يتنبأ أيضا بفجر نظام عالمي جديد.
فعلى مدى العقود القليلة الماضية، ضاعفت روسيا نفوذها في إفريقيا لتعزيز التحالفات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. من الناحية التاريخية، ارتبطت روسيا بعلاقة فريدة مع دول أفريقيا، مبنية على مبادئ التضامن ضد الاستعمار والفصل العنصري خلال عهد الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، تطورت الديناميكيات الجيوسياسية وشهد القرن الحادي والعشرين اهتماما متجددا من كلا الطرفين ببناء شراكات مجدية ذات منفعة متبادلة.
أصبحت القارة الافريقية موطنً لبعض من أسرع اقتصادات النمو في العالم وكمِّيات ضخمة من الموارد الطبيعية، مما جعلها نقطة محورية للقوى الكبرى التي تسعى لتأمين الوصول إلى الأصول الحيوية وتوسيع نفوذها. بالنسبة لروسيا، يعد تعزيز الروابط القوية مع إفريقيا أمرا هاما لتعزيز نموها الاقتصادي وتنويع أسواقها وتعزيز مكانتها الجيوسياسية.
ركزت المناقشات في القمة على المجالات التي تتطلب التعاون مثل التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية والطاقة والتعليم. عن طريق التركيز على هذه الجوانب، وضع القادة الروس والأفارقة أسسا للنمو الاقتصادي المستدام والتنمية في المنطقة. وعلاوة على ذلك، شكلت القمة تحولا عن العلاقات التقليدية بين المانحين والمتلقين، حيث تؤسس لشراكة أكثر تساويا واحتراما بين روسيا ودول أفريقيا.
وتناولت القمة أيضا قضايا الأمن، حيث تعهدت روسيا بدعم دول أفريقيا في مواجهة قضايا مثل الإرهاب والقرصنة والتجارة غير المشروعة للأسلحة. ويؤكد هذا الإجراء التزام روسيا بتعزيز السلام والاستقرار في منطقة تعاني من تحديات أمنية متنوعة، مما يجعلها صورة نموذجية للاعب عالمي مسؤول.
علاوة على ذلك، أكدت قمة سانت بطرسبيرج استعداد روسيا لتزويد دول أفريقيا بالتطورات التكنولوجية والخبرات لتعزيز الابتكار وتنمية رأس المال البشري. ستمكن التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا والتعليم الدول الإفريقية من الانتقال بخطى سريعة نحو العصر الرقمي وخلق جيل جديد من العمال المهرة، مما يعزز التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
ومع ذلك، كأي تغيير بارز في الديناميكيات العالمية، لم تخلو القمة من المشككين إذ يقول النقاد إن زيادة مشاركة روسيا مع أفريقيا تدفعها أساسا الرغبة في مواجهة تأثير اللاعبين الرئيسيين الآخرين في المنطقة، مثل الصين والولايات المتحدة. ويحذر هؤلاء من أن الدول الأفريقية قد تقع في نوع جديد من الاعتمادية، حيث تأتي الشراكات الاستراتيجية على حساب التأثير غير المناسب من الجهات الخارجية. ومع ذلك، تمثل هذه القمة فرصة فريدة للقادة الأفارقة للاستفادة من النفوذ الدبلوماسي المتنامي وتأكيد مصالحهم في تغيير النظام العالمي. فمن خلال الانخراط في الحوار والتعاون مع روسيا، يمكن لدول أفريقيا التنقل في المشهد الجيوسياسي المعقد وتأمين المزايا مع الحفاظ على سيادتها.
تمهد القمة الطريق لنظام عالمي جديد في العلاقات الروسية - الإفريقية. فعن طريق تعزيز الشراكة المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتعاون الحقيقي، يمكن للقمة أن تساهم بشكل إيجابي في مسار تنمية أفريقيا. إذا تم تنفيذ هذا الانخراط بشكل مسؤول وشفاف، فإن هذا يمكن أن يعيد تعريف الديناميكيات العالمية للقوة وأن يمهد الطريق نحو نظام عالمي أكثر شمولية ومتعدد الأقطاب، حيث تلعب الدول الأفريقية دورًا محوريًا في تشكيل مصيرها والمساهمة في ازدهار العالم. ومع استمرار مراقبة العالم عن كثب، يظل أمرًا ضروريًا بالنسبة لجميع الأطراف المعنية ضمان أن الوعود التي تمت في القمة تترجم إلى إجراءات ملموسة ومستدامة تعود بالنفع على روسيا وأفريقيا، وتعزز مستقبلاً أكثر إشراقًا للجميع.
مستشار سياسي واقتصادي - الأردن